الرسول (صلى الله عليه وسلم) والشعر (1 - 2)

> د. عبده يحيى الدباني

> لم يكن هنالك موقف عدائي للإسلام من الشعر بوجه عام، وأي خلاف للإسلام مع الشعر فإنما كان خلافًا حضاريًا، وليس مع الشعر بوصفه فنًا إنسانيًا فطرت عليه العرب وغيرها من الأمم، أي إن الإسلام كان له موقف ضد كثير من القيم والأفكار التي تضمنها الشعر الجاهلي مثل التباهي بالفاحشة وإثارة الغريزة، وشرب الخمر والحمية الجاهلية والعصبيات والطيش والإسراف وإلقاء النفس إلى التهلكة، وغير ذلك مما يصطدم مع ما جاء به الإسلام الحنيف من قيم وأخلاق ومثل.
أما القرآن الكريم بشكل خاص فقد ذكر الشعر والشعراء في عدة مواطن وملخص ذلك أن الله سبحانه وتعالى قد برأ قرآنه من أن يكون شعرًا، وزكى رسوله من أن يكون شاعرًا, بعدما أشاع المشركون أن محمدًا (صلى الله عليه وسلم) شاعر، وأن ما جاء به هو شعر.
ثم قسم القرآن الكريم الشعراء إلى فريقين: الفريق الأول: هم من قال فيهم تعالى “وَالشُعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ”؛ والفريق الثاني: هم الذين قال تعالى فيهم “إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ”، فالقسم الأول هم الشعراء المشركون لا سيما الذين عارضوا الإسلام بشعرهم ونالوا منه. والقسم الثاني هم الشعراء المؤمنون الذين دافعوا عن الإسلام وردوا على الفريق الأول مثل حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبدا لله بن رواحة رضي الله عنهم.
أما النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) فقد جسد في موقفه من الشعر والشعراء ما جاء في الآيات البينات التي دارت حول هذه المسألة، وبين بشكل أكبر موقف الإسلام من الشعر من خلال أحاديثه وأخباره الخاصة بهذا الشأن صلى الله عليه وسلم.
لقد وجدنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد روى الشعر، ولكنه كان يكسر في الوزن ويحرص على المعنى، وهذا تصديق قوله تعالى “وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ..” وليس ازدراء بالشعر، فبيت طرفة بن العبد القائل:
سَتُبْدِي لَكَ الأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلا
وَيَأْتِيكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ
كان يرويه النبي صلى الله عليه وسلم على هذا النحو:
سَتُبْدِي لَكَ الأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلا
وَيَأْتِيكَ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ بِالأَخْبَارِ
وقد اتخذ صلى الله عليه وسلم من الشعر وسيلة إعلامية في نشر القيم الإسلامية والرد على حملة المشركين ضد الإسلام والمسلمين.
وفي أخباره أيضًا أنه أثاب بعض الشعراء على أشعارهم ومنهم كعب بن زهير الذي أهداه بردته الشريفة ثوابًا على قصيدته المشهورة بـ(البردة) التي كانت في مدح النبي صلى الله عليه وسلم والاعتذار إليه تلك القصيدة التي بدأها صاحبها بموضوعات جاهلية...

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى