كعب وبردة النبي صلى الله عليه وسلم

> محمد حسين الدَبَاء

> كعب بن زهير - رضي الله عنه - صحابي جليل وشاعر مخضرم، عاش في الجاهلية وأدرك الإسلام، وتتلمذ في الشعر على يد والده الذي كان من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية.
وسأذكر قصة إسلامه مضمنة فيما يأتي من مناسبة القصيدة وسياقها.. ذاع في الآفاق أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصبح الناس يتحدثون بالإسلام؛ الدين الجديد، وكعب بن زهير - آنذاك - في اكتمال شبابه، فأرسل أخاه بجيرًا إلى المدينة يستطلع خبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولما التقى بجيرًا برسول الله صلى الله عليه وسلم آمن به وبقي في المدينة ولم يعد؛ فغضب كعب لذلك، ونظم شعرًا أساء فيه للنبي صلى الله عليه وسلم ووبخ أخاه فيه وأرسله إليه قال فيه:
أَلا أَبلِغا عَنَي بُجَيراً رِسالَةً
فَهَل لَكَ فيما قُلتَ بِالخَيفِ هَل لَكا
شَرِبتَ مَعَ المَأمونِ كَأساً رَوِيَّةً
فَاِنهَلَكَ المَأَمونُ مِنها وَعَلَّكا
وَخالَفَت أَسبابَ الهُدى وَتَبِعتَهُ
فَاِنهَلَكَ المَأَمونُ مِنها وَعَلَّكا
عَلى خُلُقٍ لَم تُلفِ أُمّاً وَلا أَباً
عَلَيهِ وَلَم تُدرِك عَلَيه أَخاً لَكا
فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ما احتملته الأبيات من هجاء وإساءة، أهدر دمه، لما يشكل من خطر كبير على انتشار دعوة الله، وذلك لامتلاكه سلاحًا فتاكًا هو الشعر الذي كانت له السلطة المؤثرة في حياة العرب.
أخبره أخوه بجير بالأمر، ونصحه أن يأتي إلى رسول الله معتذرًا، فهو يقبل العذر ومن شيمه العفو؛ حاول كعب أن يحتمي بقبيلته، فرفضت ذلك وتبرأت منه، فحمل نفسه وجاء المدينة، ودخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضع كفه في كفه والنبي صلى الله عليه وسلم - لا يعرفه - وقال: “إن كعب بن زهير أتاك تائبًا مسلمًا، فهل أنت قابل منه؟”، أجابه: “نعم”. قال: “فأنا كعب”، فوثب رجل من الأنصار قائلاً: “دعني يا نبي الله أضرب عنقه”، فكفه النبي صلى الله عليه وسلم عنه.
فقام كعب بن زهير وأنشد قصيدته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:

بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ
مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُفدَ مَكبولُ
وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا
إِلّا أَغَنُ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ
هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً
لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طولُ
كَانَت مَواعيدُ عُرقوبٍ لَها مَثَلاً
وَما مَواعيدُها إِلّا الأَباطيلُ
أُنبِئتُ أَنَّ رَسولَ اللَهِ أَوعَدَني
وَالعَفُوُ عِندَ رَسولِ اللَهِ مَأمولُ
مَهلاً هَداكَ الَّذي أَعطاكَ نافِلَةَ الـ
قُرآنِ فيها مَواعيظٌ وَتَفصيلُ
لا تَأَخُذَنّي بِأَقوالِ الوُشاةِ وَلَم
أُذِنب وَلَو كَثُرَت عَنّي الأَقاويلُ
لَقَد أَقومُ مَقاماً لَو يَقومُ بِهِ
أَرى وَأَسمَعُ ما لَو يَسمَعُ الفيلُ
لَظَلَّ يُرعَدُ إِلّا أَن يَكونَ لَهُ
مِنَ الرَسولِ بِإِذنِ اللَهِ تَنويلُ
مازِلتُ أَقتَطِعُ البَيداءَ مُدَّرِعاً
جُنحَ الظَلامِ وَثَوبُ اللَيلِ مَسبولُ
حَتّى وَضَعتُ يَميني لا أُنازِعُهُ
في كَفِّ ذي نَقِماتٍ قيلُهُ القيلُ
إِنَّ الرَسولَ لَنورٌ يُستَضاءُ بِهِ
مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ
في عُصبَةٍ مِن قُرَيشٍ قالَ قائِلُهُم
بِبَطنِ مَكَّةَ لَمّا أَسَلَموا زولوا
زَالوا فَمازالَ أَنكاسٌ وَلا كُشُفٌ
عِندَ اللِقاءِ وَلا ميلٌ مَعازيلُ
شُمّ العَرانينِ أَبطالٌ لَبوسُهُمُ
مِن نَسجِ داوُدَ في الهَيجا سَرابيلُ
يَمشون مَشيَ الجِمالِ الزُهرِ يَعصِمُهُم
ضَربٌ إِذا عَرَّدَ السودُ التَنابيلُ
لا يَفرَحونَ إِذا نالَت رِماحُهُمُ
قَوماً وَلَيسوا مَجازيعاً إِذا نيلوا
لا يَقَعُ الطَعنُ إِلّا في نُحورِهِمُ
ما إِن لَهُم عَن حِياضِ المَوتِ تَهليلُ
لما سمع هذه القصيدة، وخاصة عندما تلا عليه هذا البيت النوراني:
إِنَّ الرَسولَ لَنورٌ يُستَضاءُ بِهِ
مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ
قام صلى الله عليه وسلم ورمى عليه بردته الشريفة. وقد ظل - رضي الله عنه - محتفظًا بها طوال حياته، وامتنع أن يعطيها معاوية مقابل مال أرسله إليه، وأجابه قائلا: “ما كنت لأوثر بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا”، ولم يحصل عليها إلا بعد وفاته، حيث أخذها من أبنائه مقابل مال أعطاه إياهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى