جمعية حضرموت لذوي الإعاقة الذهنية (1-2).. حكاية كفاح إنساني خذلتها السلطات والمجتمع

> تقرير/ محمد اليزيدي

> لا يوجد في اليمن إحصائية دقيقة للمرضى المُصابين بالإعاقة الذهنية، وكحال العديد من الفئات التي تحتاج للرعاية والاهتمام من قبل السلطات لا تجد هذه الفئة سوى التهميش وعدم المبالاة من قبل الجهات المختصة.
الأحد الماضي كانت مدينة المكلا حاضرة محافظة حضرموت، على موعد مع الحفل السنوي الأول لذوي الإعاقة الذهنية، الذي أقامته جمعية حضرموت لذوي الإعاقة الذهنية، تحت شعار (وهبني الله الحياة فأعينوني كي أحياها).
وفي الحفل قدم طلاب الدار من الأطفال المُعاقين ذهنياً العديد من الفقرات الراقصة والتي أمضوا أياماً في التدريب عليها.
ولكن ما حكاية هذه الجمعية الخيرية، وكيف يقضي الأطفال وقتهم بداخلها، وما الذي تقدمه لهم بعد أن تخلى الكثيرون عنهم، وهم الفئة الأشد حاجة إلى الدعم والمساندة المعنوية والمادية ليمكنوا من تجاوز إعاقتهم والاندماج في المجتمع.
بدأت الحكاية في ديسمبر من العام 2010، حينما شهدت مدينة المكلا إشهار جمعية حضرموت لمرضى الذهنية كأول جهة مختصة برعاية الأطفال من ذوي الإعاقات الخاصة المُعاقين ذهنيا (هل يجوز تسميتهم ذوي الاحتياجات الخاصة؟) بعد أن كان قد تم تأسيسها في الحادي عشر من سبتمبر العام ذاته.
بدأت الجمعية الخيرية والوحيدة من نوعها عملها بطاقة استيعابية بلغت نحو (60) طفلاً، ليرتفع العدد اليوم إلى أكثر من (92) طفلاً، يُضاف إليهم (80) طفلاً آخرين مُسجلين في الكشوفات ولم يتم بعد استيعابهم نتيجة لعدم توفر الموارد المالية اللازمة لدى الجمعية.. وليبقى أولئك الأطفال حبيسي جدران منازلهم، منعزلين عن العالم الخارجي دون أن يحصلوا على أي تأهيل أو اهتمام.

يحصل الأطفال الذين ترعاهم الجمعية على التأهيل والتدريب، ودراسة الحالات الخاصة بكل طفل كلاً على حدة، والعمل على تعديل سلوكياتهم وتنمية مهاراتهم وقدراتهم على الفهم والإدراك والتخاطب مع الآخرين، بالإضافة إلى التعليم وفقاً لقدراتهم.
كما تقوم هذه الجمعية في إطار عملها بتقديم المحاضرات المنزلية بشكل أسبوعي، وذلك من خلال عمل محاضرات أسبوعية منتظمة للأمهات في الكيفية الصحيحة والمناسبة للتعامل مع أطفالهن في المنازل.. وتوجد بداخل الجمعية غرف خاصة للجلسات الانفرادية بين المربيات والأطفال، وهذه الغرف مُزودة بزجاج خاص يُمكن الأمهات في الخارج من رؤية ما يحدث مع أطفالهن دون أن يراها من في داخل الغرفة.
ويقول العاملون في الجمعية إن هذه الطريقة تُمكن الأمهات من مشاهدة الكيفية التي يجب أن يتعاملن بها مع أطفالهن في المنازل.
صحيح إن جميع الأطفال الذين ترعاهم الجمعية من المُصابين بالإعاقة الذهنية، إلا أن تلك الحالات تتنوع وتنقسم إلى أنواع مختلفة، فليسوا جميعاً مُصابين بذات المرض، المُسمى بمرض “التوحد” وإن كانت أغلب الحالات مُصابة به.. حيثُ يصل عدد الأطفال المُصابين به إلى (51) طفلاً.
ومرض “التوحد” هو اضطراب في النمو العصبي، حيث يتصف الطفل المُصاب به بضعف التفاعل الاجتماعي، والتواصل اللفظي وغير اللفظي، وبأنماط سلوكية مقيدة ومتكررة.

تليها الحالات المُصابة بمرض “ملازمة داون” أو “تناذر داون” والبعض يطلق عليهم اسم “المنغوليين” نسبة للتسمية الأولى التي أطلقها الطبيب البريطاني “جون لانغدون داون” عليهم، وذلك بسبب رأيه بأن الأطفال المولودين بمتلازمة “داون” لهم ملامح وجهية (خاصة من ناحية زاوية العين) تشبه العرق المنغولي.. وهؤلاء يصل عددهم إلى نحو (15) طفلاً.
ويُعرف هذا المرض بأنه مرض صبغوي ينتج عن خلل في الكروموسومات حيث توجد نسخة إضافية من كروموسوم 21 أو جزء منه مما يسبب تغيرا في الإِرثات.. وتتسم الحالة المُصابة به بوجود تغييرات كبيرة أو صغيرة في بنية الجسم، يصاحبها غالباً ضعف في العقل والنمو البدني، وبمظاهر وجهية مميزة كصغر الذقن وكبر حجم اللسان واستدارة الوجه وغير ذلك.
فيما تحتل الحالات المُصابة بمرض “الضمور في الدماغ” المرتبة الثالثة في عدد الأطفال الذين تحتضهم الجمعية بعدد يتراوح ما بين (9 – 10) أطفال، وهؤلاء لا يتم استقبالهم إلا من كانت حالته خفيفة ويمكن التعامل بها، أما الحالات الصعبة فلا يتم قبولها، نتيجة لعدم توفر الإمكانيات اللازمة.
فيما يصل عدد الحالات التي تُعاني من صعوبة التعلم والإدراك “Learning Disability” إلى نحو (15) طفلاً، وهؤلاء يجدون صعوبة كبيرة في كتابة أسمائهم أو حتى قراءة الأحرف.
**عجز في توفير الاحتياجات:

إن تنوع الحالات المرضية التي يُعاني منها أولئك الأطفال، يقتضي أن يتم توفير اختصاصيين في هذه الأمراض ليسهل التعامل معها، ناهيك عن ضرورة توفير “مُربية واحدة” على الأقل لكل ثلاثة أطفال، وهو ما ليس متوفراً في الجمعية، التي استطاعت حتى الآن أن توفر اختصاصي واحد فقط في مجال التربية الخاصة، فيما هي أيضاً بحاجة ماسة لجلب اختصاصي نفسي، وآخر مختص في علم التخاطب، خصوصاً وأن هنالك بعض الأطفال ممن يفتقرون لقدرة التخاطب والفهم ما يدور من حولهم.. وهو ما لم تستطع إدارة الجمعية أن توفره لقلة الدعم وضعف إمكانياتها المالية وعدم تقديم أية مساعدات أو تبرعات لها، حيث يقول الأستاذ عبدالله باصمد مدير الجمعية “منذ تأسيس الجمعية لم تتحصل على أي دعم مالي من قبل السلطات المحلية بالمحافظة، أو حتى من قبل صندوق المعاقين الذي يُفترض به أن تكون عملية دعم المُعاقين من صلب مهامه، فالصندوق قد تخلى عن الأطفال المعاقين ذهنياً، بحجة أن ميزانيته تأتي من صنعاء ومشاكل المركزية، وأن جميع مخاطباته مع وزارة الشؤون الاجتماعية وما صدر عنها من توجيهاتها للصندوق لم يتم تنفيذها، ولاتزال حبيسة الأدراج”.
ويؤكد رئيس الجمعية على أنها لم تتحصل على أي دعم مالي من قبل رجال الأعمال الحضارم في الداخل، وأن الجمعية قد لا تتمكن من الاستمرار في عملها، خصوصاً وأنها وحتى اللحظة لم تتمكن من توفير سوى قرابة نصف الميزانية التشغيلية لعام 2014 - 2015 والبالغة نحو (32) مليون ريال، والتي ستساعد الجمعية في حال توفرها على إضافة بقية الأطفال المسجلين في الكشوفات والبالغ عددهم نحو (80) طفلاً، لايزالون حبيسي جدران منازلهم”.
مشيراً في الوقت ذاته إلى أن الجمعية تُقدم خدماتها لتلك الشريحة من الأطفال بشكل مجاني، رغم أن الكلفة الشهرية لكل طفل في الجمعية تتراوح ما بين ( 18 - 20) ألف ريال، وأنهم يضطرون لأخذ مبلغ (2000) ريال يمني في الشهر من الأهالي القادرين فقط، وذلك لمساعدة الجمعية في توفير المواصلات للأطفال، ومن لا يستطيع الدفع لا يتم إلزامه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى