زواج القاصرات.. قصص تتازاحم بها المآسي وتغيب عنها الحلول

> تحقيق/ نوارة قمندان

> زواج القاصرات موضوع قديم حديث فماتزال المشكلة مستمرة والأضرار تتعدد والقوانيين لم تشرع لإيقاف ذلك الكابوس الذي يهدد حياة الفتيات القاصرات صحياً وجسدياً ونفسياً واجتماعياً، فاليمن وهي أول الدول المسارعة في التوقيع على اتفاقيات تتعلق بحقوق الطفل مازالت لم تحل مشكلات الطفولة ومن بينها زواج القاصرات.
«الأيام» تنقل لكم قصصا واقعية وتطرح المشكلة على الاختصاصيين في هذه السطور.
**زواج ثم هروب**
في ظل الوضع الاقتصادي المتردي عاشت أسرة بعدن على قوت يومها بشق الأنفس، حيث كان يعمل رب الأسرة بصنع المكانس ولأن متطلبات الحياة كثيرة فكان الدين لازماً وكابوسا يلحق بهم، وفي انتظار الفرج كان الفرج أشد وجعاً، حيث أصبحت الطفلة (خ،م) هي قارب النجاة لأسرتها من تلك الديون تقول تلك الطفلة: “لم أكن أعلم أنا وأسرتي أن هناك ذئبا يترقب حركاتي ليسلب مني أجمل أحلامي، مستخدماً ديون أبي كوسيلة للضغط فقام بتسديد ديونه وأغرق أسرتي بالهدايا بعدها طلبني من أبي للزواج رغم أن هناك أختا تكبرني”.
عاشت (خ،م) مع ذلك الزوج الذي يكبرها 42 عاما حياة مليئة بالمشقة لكنها انتهت بهروب الزوج وتركها منذ أربع سنوات معلقة دون تحرك جاد من أي منظمة تقول: “حينما رفضت الذهاب معه تركني، فأصبحت كالمعلقة حاولت مراراً بأن أطلب الطلاق ولكنه لم يقبل، حاولت جاهدة أن أفسح العقد بمساعدة من المنظمة التي تتبنى مثل هذه القضايا، ولكن لا فائدة تذكر فقد هرب ولا أعلم له طريقا”.
**زواج مقابل أرض وسكن**

أم الطفلة (ح.أ) من محافظة تعز تقول: “إن فقري وعجزي عن إطعام وإيواء أطفالي جعلني أتصرف بتصرفات خارج إرادتي، فأنا امرأة مطلقة لدي من الأطفال أربعة لم أتمنَ لهم هذا المصير، ولكن ظروفي المعيشية هي التي حكمت عليَّ”.
الطفلة (ح.أ) البالغ من العمر 15عاما وبأنفاس متقطعة تروي قصتها، تقول: “بدأت قصتي حين أصبحت قيمة أرضية خاص بخالي فقد أعطى خالي قطعة أرض لأمي للبناء عليها، ولكن بعد انتهاء البناء قايض بيني وبين الأرض التي قامت أمي بالبناء عليها وطالبها بأن تعيد الأرضية والمنزل أو تزوجني على ولده، وبمساعدة أمي أوهموني بأنهم سيستخرجون لي بطاقة (هوية)، وطلبوا مني التوقيع على ورقة، ولم أكن أدري بأن هذا الورقة ما هي إلا ورقة عقد زواجي من غير أن أعلم”، وبملامح منكسرة تواصل سرد حكايتها “بعد رفضي للزواج حاولي زوجي اغتصابي أمام شاهدين ليسجلها قضية زنى وأكون لصالحه، لكني هربت واستجرت بالناس، وأصبحت وعائلتي مشردين لا بيت ولا مغيث”.
**زواج القاصرات وأطفال الشوارع**
الأستاذ معيد
الأستاذ معيد

وعادة ما يكون لكل المشاكل الاجتماعية أثر سلبي على الأسرة والمجتمع يقول الأستاذ معيد عادل، عضو في هيئة التدريس في الشؤون الاجتماعية: “إن الحد من هده المشكلة يكون من خلال تثقيف الأسر بمساعدة قيادات المجتمع المدني وزراعة ثقافة بين الأسر وبتعاون من التربية والتعليم لتنبيه تلك الفئة الأكثر تعرضا لمثل هده الظاهرة، ومع التعاون مع العديد من المنظمات حاولنا أن ننشر التوعية والإرشاد حول الأضرار النفسية والاجتماعية التي تتعرض لها الفتاة، فنحن لا نمتلك العصا السحرية لتحقيق الأمنيات، ولكننا نسعى إلى الحد من انتشار مثل هده الظاهرة”.
**مشكلات نفسية**
الدكتورة نور
الدكتورة نور

الجانب الاجتماعي والنفسي وحده من يتحدث عن هذه المشكلة فالدكتورة نور الاختصاصية النفسية تقول: “إن عدد الحالات التي واجهتني أثناء عملي سببها يرجع إلى تنصل الكثير من الأهالي عن مسؤولياتهم اتجاه أبنائهم، الأمر الذي أدى إلى ظهور مثل هده المشكلة وانتشارها بشكل كبير، حيث تترتب على هده الفئة المستضعفة أثار نفسية منها الاكتئاب الانهيار العصبي، وغيرها من الأمراض النفسية”، مضيفاً إلى “أنه يتم التعامل مع تلك الفئة المستضعفة بحرص من خلال دعمها نفسياً لرفع معنوياتها بين الحين والآخر عبر جلسات متفاوتة”.
**القانون وحلول**
المحامية هدى
المحامية هدى

يقولون “القانون سيد المواقف وأبو الحلول” اتجهنا لإحدى المحاميات لنعرف رأي المشرع اليمني وتحدثت المحامية هدى الصراري عن وجهة نظر القانون قائلة: “رغم أن اليمن وقعت على اتفاقية حقوق الطفل، والتي تنص على بلوغ الطفل سن الرشد بـ 18 عاما، إلا أنها لم تلتزم بأي اتفاقية وقعت عليها فهناك خروقات كثيرة للقانون وتحايل من خلال تزوير شهادة الميلاد، ولهذا يجب على مؤسسات المجتمع المدني والجهات الضبطية مراقبة مثل تلك الجهات التي تتجاوز النظم والقوانين وفرض عقوبات بالسجن والغرامة لردع كل من تسول له نفسه العبث بمصير ومستقبل الفتيات القاصرات، ومنهم أولياء أمور، وعند حصول أي شيء للطفلة يتم سجن الزوج”، مضيفة إلى “أنه حتى في مخرجات الحوار الوطني نص على أن السن المناسب للزواج 18 عاما، وعليه يجب أن يطبق ذلك، والنص في الدستور والقوانين الأخرى حتى ﻻ تتناقض مع الدستور كما يجب على اليمن التطبيق”.
**مع توسع المشكلة ظهر تحدي**
أظهرت دراسة لمنظمة اليونيسيف أن “أكثر من 50 ٪ من الفتيات اليمنيات يتزوجن قبل سن الزواج المحدد”، حيث تحدثت الأستاذة إبتسام صالح مسؤولة تعليم الفتاة بمحافظة عدن أن “نسبة الفتيات اللواتي عدنا مرة أخرى للدراسة بعد انقطاع استمر طويلاً (468) عائدة في السنة الماضية، وفي أعمار متفاوتة ما فوق العشرين عاما، أما في هذه العام فإن نسبة العائدات وصل إلى (188)عائدة، وهذا ما يدل على وجود صحوة، فقد تجد الأم وابنتها يدرسان في نفس المستوى ولا تستطيع أن تواكب أبناءها، أما عن نسبة التسرب فهي لا تتجاوز (2 %) فبرغم من ازدياد نسبة العائدات للدراسة إلا أنه لا توجهنا منهم أي مشكلة”.
تهديد بناء الأسرة والمجتمع**
الدكتور سيف
الدكتور سيف

**في الوقت نفسه تحدث الدكتور سيف محسن أستاذ في علم الاجتماع المعاصر بجامعة عدن بالقول: “لا يمكن لطفلة أن تبني أسرة وتتحمل مسؤولية كبيرة فوق عاتقها، فهي لا تستطيع تحمل مسؤوليتها ففي الأول والأخير هي طفلة كما أن الزوج يحرم الطفلة من إتمام درستها، وهذا لا يؤثر عليها فقط، بل يؤثرعلى بناء المجتمع، حيث أنصح الكثير من الأهالي أن يزوجوا بناتهم في سن تكون فيه الفتاة مكتملة بيولوجياً وسيكولوجياً، بحيث تكون تعرف ماهي المهم التي عليها القيام بها”.
**المنظمات وسن التشريعات**
الأستاذة فاطمة
الأستاذة فاطمة

اجتهدت الكثير من المنظمات في التوعية والمناصرة والحشد المجتمعي لإصدار قانون يحافظ على الأطفال ويجرم زواج القاصرات ويمنع حدوثه، وبين تلك المنظمات (اتحاد نساء اليمن) فرع عدن تحدثت الأستاذة فاطمة المريسي رئيس اتحاد نساء اليمن عن هذه الظاهرة بالقول: “انطلقنا نحن كاتحاد نساء اليمن للحد من هذه الظاهرة عندما وصلنا حالات “زواج قاصرات”، فمثلاً قضية الطفلة نجود هذه القضية التي أثارت كثيرا من الجدل، وتبنتها منظمات دولية، ولكن هذه الحالة التي سمعنا بها والمخفية أكثر”.
**موت الطفلة نتيجة المضاعفات أثناء الحمل**

ماذا إذا تم الزواج بقاصرة ؟! الدكتورة منى على باصديق اختصاصية نساء وولادة تقول: “إلى جانب الأثر النفسي والاجتماعي يقع أثر آخر وهو الصحي في حال حدث حمل وولادة، حيث تتزايد معادلات الإجهاض والولادة المبكرة، أما الخلل في الهرمونات الأنثوية أو لعدم تأقلم الرحم على عملية حدوث الحمل فيحدث نزيف مهبلي قد يسبب الولادة المبكرة، وحصول ارتفاع حاد في ضغط الدم قد يؤدي إلى فشل كلوي، وحدوث تشنجات وزيادة في عمليه “القيصرية”، الناتجة عن تعسر الولادة وارتفاع نسبة الوفيات نتيجة لهذه المضاعفات المختلفة مع الحمل، وتظهر التشوهات العظمية في الحوض والعمود الفقري بسبب الحمل المبكر.
كما توجد آثار سلبية على صحة الطفل، منها اختناق الجنين في بطن الأم ناتجة عن القصور الحاد في الدورة الدموية المغذية للجنين، ومن مضاعفات الولادة المبكرة قصور في الجهاز التنفسي لعدم اكتمال نمو الرئتين وأمراض الجهاز الهضمي وتأخر النمو الجسدي والعقلي وزيادة الإصابة بالشلل الدماغي والعمى”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى