المرشدي أنا والعذاب والإذاعة

> عوض بامدهف

> قصتي مع الإذاعة طويلة، وطويلة جدًا، عالجتها الصحافة وعالجها أكثر من قلم حتى أصبحت حملة، والقصة الجديدة في هذا الحديث لم يطرقها أي كاتب ولم تتعرض لها أية صحيفة لجهل الجميع بتفاصيلها حتى أنا لم أطلع على هذه التفاصيل إلا في هذا الأسبوع.
لقد جاءني أكثر من واحد يسأل عن مقاطعة الإذاعة لأغنياتي وكان جوابي لكل سائل: إن الإذاعة تتبع روتينًا منظمًا في إذاعة الأغاني في وقتها المرسوم، ولم يكن في حسباني على الإطلاق أن المسئول في الإذاعة قد عقد العزم على اتخاذ هذا الإجراء لعلمي أنه لن يكون في صالح الإذاعة ولن تستفيد منه في شيء.. ولم يبد لي جليًا إلا بعد حفلة (نادي الشباب الرياضي) التي اشتركت بإحيائها في الليلة الأولى، وكنت قد اتصلت بالسيد حسين الصافي عن سلامة نية في أن يحضر لتسجيل الأغاني للإذاعة، وأبدى استعداده للحضور ثم انتهز الفرصة فعاتبني على تخلفي عن الوعد الذي كان بيننا إبان حفلاتي الموسيقية لتسجيل أغانِ جديدة، وهنا شرحت له الظروف التي أعاقتني عن الوفاء بالوعد بسبب انشغالي بالحفلات التي أقمتها والتي أعقبها مباشرة طبع (كتابي) الذي تدور به عجلات المطبعة الآن، إضافة إلى صعوبة إيجاد العازفين لارتباطهم بحفلات أخرى، وطلبت منه أن يتولى تسهيل المهمة الأخيرة، فأجاب بالإيجاب، ثم أبديت له استعدادي لتسجيل بعض الأغاني الخفيفة بالعود فقط بعد تجهيزها.
تم هذا الاتفاق بعد أن اقتنعت بالأمر الذي عرضه علي حضرته مكتوبًا أمام الأستاذ لطفي جعفر أمان في مكتبه بالإذاعة.
وفي الحفلة جاء أحد مهندسي الإذاعة وهو الأخ يونس وسجل الأغاني ثم التقيت في الحفلة بالسيد الصافي وسألته عن موعد إذاعة الأغاني فقال: (في بحر يومين) ومر اليومان والأسبوعان ولا شيء يذكر في ما كان ما تساءلت عن السبب وغالب ظني أن يكون قد أصاب الشريط بعض العطب، وكان أحد موظفي الإذاعة موجوداً فقال: لا تنتظر لأن السيد الصافي قد منع إذاعة أغانيك لأكثر من شهرين، وتأكد أن أغنيتك الجديدتين اللتين سجلتا في الحفلة لن تذاعا أيضا ما لم تسجل أغاني أخرى.
هذه هي القصة الجديدة وليقرأها بإمعان كل من لديه شيء من الاهتمام بإذاعة عدن ومحتوياتها، وإنما أنبه السيد بالنيابة أن قراره هذا بمنع إذاعة أغاني بعض الفنانين قرار لم يتخذ في تاريخ الإذاعات في العالم، وأذكره وأظنه يذكر أن قراره هذا لم يتخذه رئيسه الأستاذ أحمد الزوقري عندما شنيت عليه هجوما في أكثر من صحيفة إثر تسليمه منصب ضابط الإذاعة خلفًا للإيراني بل وأعلنت مقاطعتي للإذاعة ما لم تقدم أجرًا مشرفًا للمجهود الذي يبذله الفنانون كل حسب درجته، هل غضب السيد الزوقري؟ كلا، بل تقبل ذلك الهجوم برحابة صدر وابتسامة مرضية وكان يهمس ببرود لكل من يقابله كما هي عادته (سوف تعمل إن شاء الله) انتظروا.
إن الزوقري بهذا التعامل كان يدرك أن هذا شيء طبيعي وأنه من حقنا أن نصرخ في وجه الظلم ومن حقنا أيضا أن نصحح الأوضاع ونضع الأمور في نصابها وخاصة لإخواننا الفنانين الذين يحرصون على مستقبلهم حيث لا مورد رزق لهم إلا على أبواب الإذاعة من (يا فتاح يا عليم).
كلمة أخيرة أقولها للحبيب للإيضاح هي عندما سجلت لإذاعته لم يكن ذلك حبا في ليلى وإنما نزولا عند رغبة بعض المستمعين ثم لم يكن الدافع لتحرير هذا إلا تنوير لأولئك البعض.. وليس عندي بعد أن أوضحت الموقف إلا الصمود في وجه هذا التحكم غير الحكيم.
وأتمنى له في الاستمرار حتى يقيض الله لهذه الإذاعة أناسًا لا مكان للتحيز في قلوبهم، يقدرون هذه المسئولية الضخمة تجاه أمتهم ووطنهم.
«الأيام» 4 أغسطس 1959 العدد 303
**عوض بامدهف**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى