بخل العباس .. وكرم هارون الرشيد !!

> محمد حسين الدَبَاء

> يحكى أن العباس بن محمد بن علي، عم الخليفة هارون الرشيد، كان قريبًا من قلب الرشيد حتى أزمع أن يتزوج من ابنته، إلا أنه كان بخيلاً، وتصادف أن وفد عليه شاعر ربيعة الرقي، فمدحه بقصيدة عصماء جميلة في وزنها جزيلة في لفظها جليلة في معناها يقول منها:
وقيلَ لِلعَبّاسِ يا اِبنَ مُحَمَّدٍ
قُل لا وَأَنتَ مُخَلَّدٌ ما قالَها
ما إِن أَعُدّ مِنَ المَكارِمِ خِصلَةً
إِلّا وَجَدتُكَ عَمَّها أَو خالَها
وَإِذا المُلوكَ تَسايَروا في بَلدَةٍ
كانوا كَواكِبَها وَكُنتَ هِلالَها
إِنَّ المَكارِمَ لَم تَزَل مَعقولَةً
حَتّى حَلَلتَ بِراحَتَيكَ عِقالَها
وترك له الرقعة، فقرأها العباس بن محمد، فبعث لربيعة مع خادمة دينارين - تصوروا بخل الرجل - هُنا غضب الشاعر ربيعة، ووجدها إهانة له .. وأعطى الدينارين للخادم الذي أتى له بهما، وكتب أبياتًا، وطلب إلى الخادم أن يضع الرقعة في مكانٍ يتيسر للعباس أن يراها دون أن يعلم من الذي أتى بها .. وكان كتب في تلك الرقعة يقول:
هَزَزتُكَ هِزَّةَ السَيفِ المُحَلّى
فَلَمّا أَن ضَرَبتُ بِكَ اِنثَنَيتُ
مَدَحتُكَ مِدحَةَ الطَرفِ المُجَلّي
لِتَجرِيَ في الكَرامِ كَما جَرَيتُ
فَهَبها مِدحَةً ذَهَبَت ضَياعاً
كَذِبتُ عَلَيكَ فيها وَاِفتَرَيتُ
فَأَنتَ المَرءُ لَيسَ لَهُ وَفاءٌ
كَأَنّي إِذ مَدَحتُكَ قَد زَنَيتُ
ويحكى أن العباس حين عثر على الرقعة وقرأها فهم أن ربيعة بعث بها إليه، وغضب غضبًا شديدًا، وهرع من فوره إلى الرشيد، وقال له: “أيتجرأ كلبٌ أن ينهشني وأنت موجود”.
قال الرشيد “من ؟!”.

قال العباس: “لقد هجاني ربيعة الرقي”، وعرض عليه الرقعة.
فغضب الرشيد وأمر بإحضار ربيعة في الحال، فتوجه رجال الشُرط، فاحضره إحضارًا شديدًا، وما إن رآه الرشيد حتى تولاه بالشتم، وقال له: “أتهجوا عمي، وآثر الناس عندي، ووالله لقد هممت أن أضرب عنقك”.
فقال له ربيعة: “والله يا أمير المؤمنين لقد مدحته بقصيدة ما قال مثلها شاعرٌ قبلي في أمير أو خليفة، فمره أن يحضر الرقعة التي فيها القصيدة”.
هُنا نظر الرشيد إلى عمه العباس وقال له “هل مدحك حقًا”.
قال العباس: “نعم .. ببضعة أبيات تافهة”.
قال الرشيد: “فبحق أمير المؤمنين أن تبعث من يحضرها”.
فلما جيء بها قرأها الرشيد، وطرب لها كثيرًا حتى قال: “ما قال شاعرٌ مثلها في خليفة من الخلفاء” .. والتفت الرشيد إلى ربيعة وسأله: “وهل أثابك عليها”.
قال ربيعة: “نعم يا أمير المؤمنين .. بدينارين”.
وهنا انتفض الرشيد وقال لعمه البخيل: “هل صدق القول .. ويلك”.
فسكت العباس، وتغير لونه وقال: “نعم”.
فغضب الرشيد وقال لعمه: “واسوأةً لك .. أية حال قعدت بك عن إثابته، أقلت مال، فوالله قد ملأت بيتك مالاً، أم هو أصلك وحسبك، وهو الأصل الذي لا يدانيه أصل، أم هي نفسك، فوالله لا ذنب لي حتى فضحت آباءك وأجدادك، وفضحتني معهم بعد نفسك”.
فنكس العباس رأسه ولم ينبس ببنت شفرة.
ويروى أن الرشيد لحظتها قال للخازن: “سلم ربيعة ثلاثين ألف درهم، وخلعة”.
فلما تسلَّم جائزته قال الرشيد لربيعة: “يا ربيعة بحياتي لا تذكره بشيء في شعرك لا تعريضًا ولا تصريحًا”.
فأجابه ربيعة قائلاً: “من كان عطاء ابن أخيه هكذا لا يمكن أن يذكر إلا بخير”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى