الـكـيـف !!

> رباب محمد فرحان

> مجموعة من الأصدقاء يمزمزون السيجارة والسيجار، يشربون النارجيلة، ويخزنون القات، ويلحقون ذلك بالحبوب المخدرة والمنشطة والحشيش، عائشين حقيقة في الباباي .. يمتازون بالوحشية، وما يقدرون المسئولية، ما يفعلونه لا يدركون عواقبه، تأخذهم النشوة عندما يفعلون مقلبًا بأحدهم، ولو كان في ذلك سببًا كافياً لترحيله إلى مثواه الأخير.
في مساء أحد الأيام أخذ أولئك الأصدقاء عدتهم البحرية وعدة (كيفهم)، ثم شغلوا قارب الصيد، وذهبوا لإحدى الجزر حول مدينة (عدن) ليصطادوا، وليكيّفوا، وبعد وصولهم إلى الجزيرة قرروا أن يكملوا سهرتهم (الكيّفية) أولاً .. وفي وقت متأخر من المساء تحركوا للصيد .. وعند ذاك وجدوا صديقهم (علي) غارقًا في نوم عميق بتأثير الحبوب المخدرة، لم يستطيعوا إيقاظه رغم محاولاتهم المتكررة والعنيفة أحيانًا، بعد ذلك صاح قائدهم، إذن أتركوه نائمًا، ولنتحرك، وسنعود له غدًا صباحًا، وبالفعل تحركوا وتركوه نائمًا وقد أخذوا من حوله كل شيء، (الماء والأكل والملابس)، لم يقّّدروا أنه قد يكون بحاجة لبعضها عندما يصحو، لقد كانوا جميعًا تحت تأثير المخدرات والمنشطات والقات فلا عجب !!.
وفي وقت متأخر صحا (علي) بعد أن شعر بالبرد يغزو مفاصله، فأراد أن يأخذ لحافًا ليتدفأ به ويعود بعد ذلك للنوم، ولكنه للأسف لم يجد شيئًا، ولم يستغرب، ولم ينزعج، فما زال تحت تأثير المخدرات، فتكوم حول نفسه وعاد للنوم من جديد.
ولم يستيقظ تمامًا إلا بعد أن لفحته الشمس بحرارتها، وهي في رابعة النهار، بحث عن أصدقائه فلم يجد أحدًا، لف كل أطراف الجزيرة ولكن دون فائدة، وبعد ذلك قرصه الجوع والظمأ فبحث عن الماء والأكل ولكنه أيضًا لم يجد شيئًا، وعند ذاك شعر باليأس، وظن أن نهايته قد قربت، فهو متأكد بأنهم لن يعودوا لإنقاذه فهم شباب خاليين من الرحمة، ومن المسئولية، وقد تجدهم الآن نائمين أو في (كَيفٍ) جديد.
جلس إلى ظل صخرة كبيرة يفكر فيما وصل إليه حاله، كيف أنجر إلى الانضمام إلى مثل تلك الثلة الفاسدة، وقد خسر بسببها دراسته وعمله وأهله، وظل يجلد نفسه بتساؤلات مؤلمة، ماذا لو لم ينضم إلى تلك الثلة الخبيثة، ماذا لو لم يتعلم شرب المنشطات والمخدرات وتخزين القات، كم من النقود كان سيوفرها، وكم من الأعمال كان سينجزها، وكم من الشهادات كان يمكن أن يتحصل عليها !!.
ندم وظن أنه في مكان وزمان لن ينفع فيهما الندم، فقد ضاع كل شيء، وما هي إلا سويعات أو أيام على أكثر تقدير وسيصله الموت لا محالة في هذه الجزيرة المعزولة عن الناس وعن اليابسة.
نعم .. إنه يقابل الموت بعيون مفتوحة، وروح مضطربة، وقلب مكلوم، وإرادة ضعيفة أو منعدمة .. وفجأة وبدون مقدمات، ينهض صوت من أعماقه .. تذكر أن لك ربًا رحيمًا غفورًا يستجيب لدعوات المضطر والعاصي.
ذلك الصوت دفعه لأن يرفع يديه إلى السماء يدعو الله، ويعتذر له عن كل ما بدر منه من معاصي، وأثناء دعائه واستغاثته رأى من بعيد ضوءً خافتًا يسير باتجاهه، قفز من مكانه واقفًا يتحقق من مصدر الضوء الذي ظل يقترب رويدًا رويدًا، وما هي إلى لحظات حتى اتضحت الصورة .. إنه قارب صغير للصيد يسيره بمجاديف شيخ في الثمانين من عمره قوي البنية، صلب الساعدين.
قارن (علي) بين شخصه المتهالك رغم أنه شاب في العشرين من عمره، وتلك القامة العجوز التي ما زالت تقاوم هجمات الزمن الذي لا يرحم، وعرف أن ما بينهما مسافات كبيرة، هي المسافات بين طاعة الشيخ ومعصيته، عمل الشيخ الجاد والمتزن واستهتاره.
فرح (علي) ليس فقط لأن ربه قد أنقذه من الموت المحقق، و لكن لأن الله استجاب لدعائه، وبعث له ذلك الشيخ لينقذه، ويعلمه معنى أن تستقيم في حياتك مع الله، ومع نفسك ومع الناس.
قرر (علي) أن يعود لحياة جديدة طيبة، ويترك شرب المخدرات والمنشطات وتخزين القات، وأن يترك أيضًا تلك الثلة الفاسدة وإلى الأبد.
**قصة / رباب محمد فرحان**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى