محال التداوي بالأعشاب.. بيع للأمراض والموت تحت عنوان علاج للأمراض المستعصية

> تقرير/ سعدان اليافعي

> التداوى بالأعشاب وسيلة استعملها الإنسان منذ قديم الزمان، واشتهرت أماكن بيع الأعشاب في معظم البلاد العربية قديما، ولكن فى السنوات الأخيرة أصبح التداوى بالأعشاب ظاهرة تستحق الدراسة والتأمل، حيث انتشرت أماكن التداوي بالأعشاب وملأت إعلاناتها المدن والمحافظات لاسيما في عدن بدءًا بالشركات وانتهاء بأصغر بائع أعشاب يتخذ من أرصفة الشوارع مكاناً للبيع. ويختلف هؤلاء الباعة في تعبئة المستحضر وطريقة عرضه، غير أن جميعهم يتفقون على الاتجار بصحة المواطن المريض.
لقد تولدت لدينا فكرة التقرير عندما فوجئنا بأحد المارة ونحن نلتقط صورة للوحة دعائية لأحد المحال حيث قصد نحونا شيخ عجوز ظناً منه بأننا معجبون بعنوان اللوحة تلك فما كان منه إلا أن سرد لنا قصته المؤلمة مع هذه الأعشاب وأصحابها يقول هذا الشيخ العجوز في حكايته: “إن أحد أبنائه يعمل في الغربة خارج الوطن ولم يسره منظر أطفاله نحيفي الأجسام فلجأ إلى أحد المحال الخاصة بالأعشاب لأخذ مستحضر “ خلطة” عشبية بغية زيادة الوزن لأطفاله، حينها حدث ما لم يكن في الحسبان حيث كانت نتائجه عكسية على الأطفال وتسببت في زيادة أوزانهم بطريقة مفرطة أعاقتهم عن الحركة الطبيعية كما تسببت بتعريضهم لأمراض مزمنة نتيجة لاحتواء المستحضر على مواد كيميائية غير مضبوطة المعايير”.
**حقل تجارب**

لقد أصبحت محال بيع الأعشاب حقل لإجراء التجارب على المرضى والمواطنين الذين يقصدونها بشكل يومي، ونتيجة للإقبال المتزايد عليها أغرى كثير من الناس إلى اتخاذ عملية بيع هذه الأعشاب مهنة له دون أن تكون لديه أبسط معرفة أو خلفية بهذه الأعشاب وفوائدها ومضارها الجانبية، لغياب الوازع الديني والرقابة من الجهات المعنية، وتزايد هذه الظاهرة بشكل كبير في المرحلة الأخيرة في محافظة عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى بعد أن كانت تخلو من كل ما من شأنه أن يهدد سلامة وصحة الإنسان.
**انتشار كبير**
لم تعد شوارع وأزقة عدن تخلو من محال وشعارات التداوي بالأعشاب الطبية “العلاج البديل” التي تنتشر كالنار في الهشيم بكل مكان فيها، الأمر الذي يعكس مدى الإقبال المتزايد عليها، لقد أضحت هذه المحال تنافس الصيدليات الطبية، وتعد مديرية الشيخ عثمان بعدن هي المديرية الأكثر انتشار لتلك المحال الداعية لعلاج أمراض مستعصية بالأعشاب الطبية، أعشاب يقول بائعوها في إعلاناتهم الدعائية وملصقاتهم بأنها عالجت الكثير من الأمراض المستعصية عجز عنها علاجها الطب الحديث.
يقول ( م. ع. ع ) وهو بائع مستحضرات أعشاب طبية: “فكرة بيع الأعشاب جاءته بعد أن ألح عليه العديد من الزملاء في الصيدليات الصحية بأن يمارس هذه المهنة وذلك لما لها من فوائد وطلبات متزايدة من قبل المواطنين”، مضيفاً “ نتيجة لعدم امتلاكي مؤهل جامعي يمكنني من افتتاح صيدلية طبية ورغبتي في مزاولة مهنة الطب رأيت بأن الأعشاب هي المهنة المناسبة ولها فوائد مالية كبيرة، وعن ما إذا كانت هناك مشكلات واجهته خلال ممارسة هذا العمل أجاب ساخراً من يأتي إلينا نقوم بعرض عليه عددا من الأعشاب بما يتناسب مع طلبه، وفي حال عاد الزبون شاكياً عدم جدوى الأعشاب التي تناولها نتخلص منه بالتحجج بعد التزامه بالتناول الصحيح لها أو أنه قصر فيها وما إلى ذلك”.
وعن الأماكن التي تستورد منها وما إذا كانت هذه الأعشاب تحضر بطريقة صحية وعلمية قال: “عادة هذه الأعشاب نستوردها من مناطق شمالية كصنعاء، وإب، وتعز، أما عن طريقة تحضيرها فحقيقة لا علم لنا بكيفية تحضيرها غير أننا نسمع عنها بأنها جيدة لعلاج أمراض مستعصية”.
**خداع ومتاجرة**

الفتيات والنساء هن الأكثر استخداما لهذه الأعشاب وهن الأكثر ضحايا لها تقول الفتاة سعاد: “إنها كانت تعاني من تساقط للشعر فلجأت إلى أحد المحال لبيع الأعشاب بعد أن قرأت في إعلاناتهم الترويجية عن وجود دواء ذو جودة عالية في مكافحة تساقط الشعر”، مضيفةً “ لقد صرف إليّ نوعاً من الخلطات والخاصة بنمو وتطويل الشعر وكذا لإزالة القشرة، وعند بدء استخدامه كانت النتائج عكسية حيث تزايد تساقط الشعر وكدت أن أفقد ما تبقى من شعري الخفيف لولا مساعدة الطبيب الذي لجأت إليه فور استعمالي لهذه الخلطة العشبية”.
**أسباب التداوي بالأعشاب**
أعاد الكثيرون بأن الأسباب الرئيسة في انتشار ظاهرة التداوي بالأعشاب إلى انتشار الفقر الذي يعاني منه أبناء عدن بالإضافة ضعف فعالية الأدوية على المريض وارتفاع أسعارها، الأمر الذي يجبر المواطنين إلى اللجوء إلى التداوي بهذه الأعشاب والتي قد تنفع أو تضر.
كما أن لهذه الأعشاب الطبية سلبياتها العدة قد تؤدي إلى الوفاة في بعض الأحيان في حال لم تستخدم الاستخدام الصحيح من قبل الشخص، حيث إن هناك كثير من النباتات السامة والقاتلة فمنها ما يؤدي إلى تليف الكبد والكلى وتتسبب في العقم وغير ذلك من الأمراض.

ووفق بعض المختبرات في مديرية المنصورة فإنها قامت بتحليل مئات الوصفات العشبية التي يقوم بتصنيعها بعض الممتهنين لهذه المهنة والمعالجين الشعبيين بها وتباع في محلات متناثرة في المحافظة وكذا لدا بعض محلات بيع العسل فقد وجدوا بأن هذه الخلطات ملوثة بأنواع البكتريا والفطريات، ومغشوشة بأدوية كيميائية مضافة إلى بعض الأعشاب كأدوية السكر، والضغط، والصرع، والصدفية، والإكزيما، والعقم، وفيروسات الكبد، والجنس، والتسمين، والتخسيس، وأدوية السرطان، والإيدز، وأن هذه الأدوية تؤدي في بعض الأحيان إلى زيادة معاناة المريض ثم الوفاة.
متخصصون أوضحوا لـ«الأيام» بأن هناك أيضاً وصفات دواء عشبية لا يعرف المواطنين شيئاً عن التداخلات التي تحدثها عند سحق الأعشاب مع بعضها البعض يؤدي بالفتك بالمريض ومن هذه الأعشاب المسماة الخلطات العشبية القاتلة”.
ويبقى التداوي بالأعشاب محل جدل بين مؤيد ومعارض عن جدواه وفاعليته في معالجة الأمراض، الأمر الذي يتوجب على الدكاترة والأطباء وضع حد له وقول القول الفيصل فيه، حتى لا يستغل أرباب هذه المحال فقر الناس وحاجتهم الماسة للعلاج بانتشارها وتحولها إلى ظاهرة يصعب السيطرة عليها، وتزيد معها معاناة الناس المرضية والمادية.
كما يجب على وسائل الإعلام وفي مقدمتها الجنوبية أن تقوم بعملية التوعية المجتمعية من مخاطر هذه المستحضرات العشبية التي لا يهدف كثير من أصحابها سوى الربح، دون أي مراعاة لصحة المريض وظروفه المادية الصعبة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى