قصة قصيرة .. وهم العار

> كتب / هناء بريك

> انهمرت الأمطار على القرية، امتلأت الأراضي بمياه السيول، غرق المحصول، غربت الشمس، ولم تعد جميلة بعد إلى البيت.. الجميع يبحثون عن جميلة في تلك الليلة.. فأبوها العجوز النحيل كالمجنون يبحث عن ابنته الوحيدة، والتي رُزق بها بعد (15) عامًا من الصبر والابتهال، ماذا لو أصاب جميلة شيء؟! ماذا سأخبر والدتها.. ماذا سأفعل بدون شمعتي التي أضاءت لي الحياة، عواصف الأسئلة والقلق تقتله في كل دقيقة تمر ولا يظهر أثر لابنته، ليست أقدام الأب وحدها من انغرست في وحل المطر، شاركته أقدام كثيرة، لأجل عينيك يا جميلة.
(حانوتي القرية يحدث نفسه) .. لم تنم القرية ذلك اليوم، نسي أهالي القرية كارثة غرق المحصول، وانشغلوا بكارثة اختفاء جميلة، بزغ فجر اليوم الثاني على خبر انتفضت القرية لسماعه، حين ذاع ابن شيخ القرية ما رآه في طريقه عند وصوله من المدينة إلى القرية، لا يعقل أن يكذب، إنه متعلم وحافظ لكتاب الله غيبًا .. كيف لجميلة أن تتهور وتفعل هذا بوالديها !!.
كثرت الأقاويل والتساؤلات بين أوساط أهل القرية، وتكاثر عدد شهود العيان فجأة، أكثرهم يريدون أن يكونوا محورًا رئيسًا في حادثة اختفاء جميلة .. قلة يجزم باستحالة هرب جميلة مع عشيق، متيقنين أن من يتربى على يد ذلك العجوز التقي من المستحيل أن يأتي بفاحشة.
الوحيد الذي يعرف نوايا ابن الشيخ اتجاه جميلة هو وهبي ابن لأحد الفلاحين، كان يعلم أن تمثيلية الافتراء التي يؤديها ابن الشيخ فرصة ذهبية لا تعوض لينتقم ابن الشيخ من جميلة التي رفضت عرضه الغرامي ذات مرة، ولم يستطع وهبي أن يقف عاجزًا أمام البهتان الموجه لحبيبته الضائعة .. بدم يغلي غضبًا صرخ وهبي بانفعال في وجه ابن شيخ القرية (مستحيل أنت تكذب)، لم يجب ابن الشيخ، ما فعله كان أقوى من الرد، أخذ مصحف صغير ووضع يده حالفًا عليه بأنه رآها.
بعد قسمه العظيم هذا، لم يعد هناك أي شك في كلامه، صدقه أهل القرية وحتى المشككون به من قبل بدؤوا بتصديقه، ألصقت التهمة بجميلة، وأصدروا عليها حكمًا غيابيًا بالنفي والقتل إذا عادت أو وجدوها، حتى المدافعين عنها عندما لم يجدوا لها أثرًا وقعوا في مستنقع الظن الآثم.
توقف البحث عنها، لقب أبو الهاربة تتبع والد جميلة أينما ذهب، لشهر بأكمله لم يكن للقرية حديث سوى جميلة وقصة العار الملتصقة بها في صحيانهم ومجالسهم وحتى في موائدهم يتناولون سيرتها، ثلاثة لم يجف الدمع بأعينهم حزنًا على اختفاء جميلة، أبواها اللذان يشعران بأن واقعة سيئة حدثت لجميلة، والثالث هو وهبي الذي يكن لها حبًا خفيًا منذ طفولته.
بعد شهر جاء يوم شبيه بيوم اختفاء جميلة ففيه انهمرت الأمطار، وأخرجت السيول فاجعة كانت قد دفنتها منذ شهر .. جميلة ماتت غرقًا جميلة ماتت غرقًا يا بشر (وهبي يصرخ باكيًا)، ألجمت الألسنة، ترقرقت العيون بدموع الندم، أسودت وجوه شاهدي الزور، فُضح اليمين الكاذب لابن الشيخ، وزهق وهم العار !!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى