قصة قصيدة .. واذلاه .. يا لتغلب !

> يكتبها / محمد حسين الدباء

> يروي أبو عبيدة معمر بن المثني التيمي المتوفى سنة (209 هـ) في كتابه (أيام العرب قبل الإسلام)، وهذا الكتاب هو نادر في أخباره، حيث يعتمد عليه الإخباريين في التقاط أيام العرب (قصة مقتل ملك العرب عمرو بن هند علي يد عمرو بن كلثوم) قائلاً: “فذكروا أن عمرو بن هند قال ذات يوم لجلسائه: هل تعلمون أن أحدًا من أهل مملكتي يأنف أن تخدم أمه أمي، وأم عمر هي هند بنت الحارث بن حجر بن آكل المرار الكندي وأبوه المنذر بن ماء السماء اللخمي.
فقالوا: لا .. ما خلا عمرو بن كلثوم فإن أمه ليلى بنت المهلهل أخي كليب، وعمها كليب، وهو وائل بن ربيعة ملك العرب وزوجها كلثوم بن مالك.
فسكت عمرو هند على ما في نفسه، ثم بعث إلى عمرو بن كلثوم يستزيره وأن تزور ليلى هند.
فقدم عمروًا في فرسان تغلب ومعه أمه ليلى، فنزل شاطئ الفرات، وبلغ عمرو بن هند قدومه، فأمر بخيمة فضربت بين الحيرة والفرات، وأرسل إلى وجوه مملكته، فصنع لهم طعامًا ثم دعا الناس إليه، فقرب إليهم الطعام على باب السرادق ( السرادق: كل ما أحاط بشيءٍ من حائط أو مِضرَب وهو الفسطاط يجتمع إليه الناس لعرس أو مأتم وغيرهما)، وهو وعمرو بن كلثوم وخواص من الناس في السرادق، ولأمه هند في جانب السرادق قبة وأم عمرو بن كلثوم معها في القبة.
وقد قال عمرو بن هند لأمه: إذا فرغ الناس من الطعام فلم يبق إلا الطُرَف (الطُرَف: الفواكه وغير ذلك من الطعام) فنحّي خدمك عنك، فإذا دعوت بالطرف، فاستخدمي ليلى ومريها فلتناولك الشيء بعد الشيء.
ففعلت هند ما أمرها ابنها حتى إذا دعا بالطُرَف قالت هند لليلى: ناوليني ذلك الطبق.
قالت ليلى: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها.
فقالت هند: ناوليني .. وألحت عليها.
فقالت ليلى: واذلاه .... يا لتغلب.
فسمعها ابنها عمرو بن كلثوم، فثار الدم في وجهه والقوم يشربون، ونظر عمرو بن هند إلى عمرو بن كلثوم، فعرف الشر في وجهه، وقد سمع قول أمه: واذلاه ... يا لتغلب، ونظر عمرو بن كلثوم إلى سيف عمرو بن هند، وهو معلق بالسرادق ولم يكن بالسرادق سيف غيره، فوثب إلى السيف فضرب به رأس عمرو بن هند فقتله ثم خرج فنادى: يا لتغلب، فنهبوا ماله وخيله وسبوا النساء ولحقوا بالجزيرة.
فقال عمرو بن كلثوم معلقته الذي يصف فيها مقتل الملك اللخمي ملك الحيرة والعرب عمرو بن هند .. وهذه جزء منها:
أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَا
وَلاَ تُبْقِي خُمُـوْرَ الأَنْدَرِيْنَا
مُشَعْشَعَةً كَأَنَّ الحُصَّ فِيْهَـا
إِذَا مَا المَاءَ خَالَطَهَا سَخِيْنَـا
أَبَا هِنْـدٍ فَلاَ تَعْجَـلْ عَلَيْنَـا
وَأَنْظِـرْنَا نُخَبِّـرْكَ اليَقِيْنَا
بِأَنَّا نُـوْرِدُ الـرَّايَاتِ بِيْضـاً
وَنُصْـدِرُهُنَّ حُمْراً قَدْ رُوِيْنَـا
وَرِثْنَـا المَجْدَ قَدْ عَلِمَتْ مَعَـدٌّ
نُطَـاعِنُ دُوْنَهُ حَـتَّى يَبِيْنَـا
وَنَحْنُ إِذَا عِمَادُ الحَيِّ خَـرَّتْ
عَنِ الأَحْفَاضِ نَمْنَعُ مَنْ يَلِيْنَـا
كَأَنَّ سُيُـوْفَنَا منَّـا ومنْهُــم
مَخَـارِيْقٌ بِأَيْـدِي لاَعِبِيْنَـا
كَـأَنَّ ثِيَابَنَـا مِنَّـا وَمِنْهُـمْ
خُضِبْـنَ بِأُرْجُوَانِ أَوْ طُلِيْنَـا
أَلاَ لاَ يَجْهَلَـنَّ أَحَـدٌ عَلَيْنَـا
فَنَجْهَـلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِيْنَـا
بِأَيِّ مَشِيْئَـةٍ عَمْـرُو بْنَ هِنْـدٍ
نَكُـوْنُ لِقَيْلِكُـمْ فِيْهَا قَطِيْنَـا
بِأَيِّ مَشِيْئَـةٍ عَمْـرَو بْنَ هِنْـدٍ
تُطِيْـعُ بِنَا الوُشَـاةَ وَتَزْدَرِيْنَـا
تَهَـدَّدُنَـا وَتُوْعِـدُنَا رُوَيْـداً
مَتَـى كُـنَّا لأُمِّـكَ مَقْتَوِيْنَـا
وَرِثْنَـا مَجْدَ عَلْقَمَةَ بِنْ سَيْـفٍ
أَبَـاحَ لَنَا حُصُوْنَ المَجْدِ دِيْنَـا
وَرَثْـتُ مُهَلْهِـلاً وَالخَيْرَ مِنْـه
زُهَيْـراً نِعْمَ ذُخْـرُ الذَّاخِرِيْنَـا
وَعَتَّـاباً وَكُلْثُـوْماً جَمِيْعــاً
بِهِـمْ نِلْنَـا تُرَاثَ الأَكْرَمِيْنَـا
وَذَا البُـرَةِ الذِي حُدِّثْتَ عَنْـهُ
بِهِ نُحْمَى وَنَحْمِي المُلتَجِينَــا
وَمِنَّـا قَبْلَـهُ السَّاعِي كُلَيْـبٌ
فَـأَيّ المَجْـدِ إِلاَّ قَـدْ وَلِيْنَـا
وَنَحْنُ الحَابِسُوْنَ بِذِي أَرَاطَـى
تَسَـفّ الجِلَّـةُ الخُوْرُ الدَّرِيْنَـا
وَنَحْنُ الحَاكِمُـوْنَ إِذَا أُطِعْنَـا
وَنَحْنُ العَازِمُـوْنَ إِذَا عُصِيْنَـا
وَنَحْنُ التَّارِكُوْنَ لِمَا سَخِطْنَـا
وَنَحْنُ الآخِـذُوْنَ لِمَا رَضِيْنَـا
وَقَـدْ عَلِمَ القَبَـائِلُ مِنْ مَعَـدّ
إِذَا قُبَـبٌ بِأَبطَحِـهَا بُنِيْنَــا
بِأَنَّـا المُطْعِمُـوْنَ إِذَا قَدَرْنَــا
وَأَنَّـا المُهْلِكُـوْنَ إِذَا ابْتُلِيْنَــا
وَأَنَّـا المَانِعُـوْنَ لِمَـا أَرَدْنَـا
وَأَنَّـا النَّـازِلُوْنَ بِحَيْثُ شِيْنَـا
وَنَشْرَبُ إِنْ وَرَدْنَا المَاءَ صَفْـواً
وَيَشْـرَبُ غَيْرُنَا كَدِراً وَطِيْنَـا
إِذَا مَا المَلْكُ سَامَ النَّاسَ خَسْفـاً
أَبَيْنَـا أَنْ نُقِـرَّ الـذُلَّ فِيْنَـا
مَـلأْنَا البَـرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّـا
وَظَهرَ البَحْـرِ نَمْلَـؤُهُ سَفِيْنَـا
إِذَا بَلَـغَ الفِطَـامَ لَنَا صَبِـيٌّ
تَخِـرّ لَهُ الجَبَـابِرُ سَاجِديْنَـا
ويروى أن المهلهل بن ربيعة وكلثوم بن عتاب أبو عمرو اجتمعوا في بيت كلثوم على شراب، وكان عمرو يومئذ غلام .. فسقتهم ليلى أم عمرو فبدأت بأبيها مهلهل، ثم سقت زوجها كلثوم بن عتاب، ثم ردت الكأس على أبيها، وابنها عمرو عن يمينها فغضب عمرو من صنيعها وقال:
صَبَنْتِ الكَأْسَ عَنَّا أُمَّ عَمْـرٍو
وَكَانَ الكَأْسُ مَجْرَاهَا اليَمِيْنَـا
وَمَا شَـرّ الثَّـلاَثَةِ أُمَّ عَمْـرٍو
بِصَاحِبِكِ الذِي لاَ تَصْبَحِيْنَـا
فلطمه أبوه وقال: يا لكع (أي يا أحمق)، بلى والله شر الثلاثة، أتجتري أن تتكلم بهذا الكلام بين يديّ.
فقيل لما قتل عمرو بن كلثوم عمرو بن هند قالت أم عمرو بن كلثوم: (بأبي أنت وأمي، أنت والله خيرُ الثلاثة اليوم).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى