هل من مدكر هل من متعظ أم على قلوب أقفالها ؟!

>
يحيى عبدالله قحطان
يحيى عبدالله قحطان

لقد أثبتت الأحداث المأساوية، والصراعات السياسية الكارثية، والصدامات الدموية، والتعصبات الحزبية والمذهبية، والتصفيات الاجتماعية، التي ابتلي بها شعبنا اليمني ـ شمالا وجنوبا ـ منذ أكثر من خمسين عاما وحتى يومنا هذا، أثبتت هذه الأحداث فشل تلك القيادات السياسية المأزومة، والحركات الوطنية، والمرجعيات الدينية، التي تناوبت على قيادة وحكم البلاد، حيث يلاحظ أن هذه القيادات الفاشلة ـ إلا من رحم الله ـ جبلت للأسف الشديد على الأنانية والاعتداد بالنفس الأمارة بالسوء والاستبداد، والاستحواذ على السلطة والثروة والارتهان للخارج، واستمرار سياسة الإلغاء والإقصاء والتخوين والتكفير للمعارضة والخصوم السياسيين، والاحتكام للسلاح والاحتراب والتحلي بالنزعة الانتقامية والثأرية، والنظرة للآخر باحتقار ودونية، ومصادرة الرأي الآخر وتكميم الأفواه، وتضييق الحريات العامة، وانتهاك الكرامة الآدمية التي كفلها الله عز وجل لسائر عباده على اختلاف أديانهم وأجناسهم وألوانهم، إضافة إلى ذلك عدم تحقيق العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية والشراكة المتكافئة.
وهكذا يلاحظ أنه كلما جاءت جماعة وفئة إلى الحكم أقصت معارضتها ولاحقت خصومها السياسيين، وعرضتهم للتقتيل والتنكيل والتشريد، خاصة بعد أن تم اختراقنا من قبل الطابور الخامس والمدرسة الميكافيلية وقانون النفي، ونفي النفي، ونفي نفي النفي، وكان محصلة ذلك أنه تم نفينا جميعا، غالبا ومغلوبا، ومنتصرا ومهزوما، حيث أصبحنا خلال نصف قرن من الزمن وحتى يومنا هذا نقتل ونقصي بعضنا بعضا، في حروب أهلية عبثية انتحارية لم يشهد لها التاريخ مثيلا، فلا السلطة تحترم المعارضة، ولا المعارضة تحترم السلطة، الكل يكيد بالآخر، وبذلك صرنا جميعا ـ حكاما ومحكومين - ضحايا لهذه الصراعات والتناحرات المنتنة والخلافات الحزبية والمذهبية المقيتة، ولذلك أصبحنا نعض على أصابعنا ندما على ما فرطنا في حق شعبنا ومواطنينا ومناضلينا وعلمائنا ووجهائنا، ولكن في حين لا ينفع الندم.
آملين أن لا يصدق علينا قوله تعالى: “ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين كذلك نفعل بالمجرمين” و“فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون”.. ترى هل من مدكر؟ هل من متعظ ؟ أم على قلوب أقفالها؟.. مذكرين أن من يزرع الشوك في طريق الآخرين لا ينتظر أن يحصد العنب، فالجزاء من جنس العمل، وكما يدين المرء يدان، وبالمقابل على قدر ما تتعامل مع الآخرين ومع المعارضة وأنت في سدة الحكم، تجد ذلك أمامك، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، سواء كنت في السلطة أو خارجها، وما من ظالم إلا سيبلى بظالمين أشد منه.
وفي هذا الصدد فإنه من الغباء السياسي والغرور أن يعتقد هذا الفريق أو ذاك وقد آلت إليه السلطة المثخنة بالجراح والتركة المتردية الاستفراد بالحكم واحتكار مفاصل السلطة، وإقصاء معارضيه والإساءة إليهم، مستغلا مركزه السلطوي، وأدواته القمعية، متناسيا أن الأيام دول، حيث سيأتي اليوم الذي تتغير فيه مراكز القوى والمعادلة السياسية إن عاجلا أم آجلا، اليوم تكون في السلطة وهي أمانة، وغدا ستكون خارجها وهي حسرة وندامة، إلا من أخذها بحقها وعمدها بالعدل والتصالح والتسامح، والعبر أمامنا، (وحق على الله ما رفع أحدا إلا وضعه).
وفي هذا الصدد لقد شاهدنا خلال نصف قرن من الزمن زعامات وحركات وطنية وتنظيمات وأحزابا سياسية مكنها الله من الاستيلاء على السلطة بشكل أو بآخر، والاستفراد بالحكم والاستئثار بالخيرات والامتيازات والوظائف، وعملت بشكل منهجي وظالم على إقصاء معارضيها وخصومها السياسيين، بل وقتلهم وملاحقتهم والتنكيل بهم وتسريحهم من أعمالهم والاستيلاء على الأراضي العامة والخاصة، والثروات وإهدار المال العام، كما حصل ـ للأسف الشديد ـ من شن ستة حروب عبثية على صعدة، وغزو الجنوب عام 94م، هذه الحرب الظالمة التي أجهضت الوحدة المعمدة بالفتوى التكفيرية، فتوى التمترس والتي استباحت دماء الجنوبيين وأموالهم وأعراضهم، من نساء وأطفال وشيوخ وشباب، ونهب أراضيهم وثرواتهم البترولية والمعدنية والسمكية والزراعية (كفيد وغنائم)، ولاتزال تداعيات هذه الحرب الكارثية سارية المفعول على شعبنا الجنوبي حتى يومنا هذا، والله المستعان.
وبينما هذه السلطات المعتدية والجماعات المتنفذة والفاسدة والتكفيرية في طغيانهم وترفهم يعمهون، يصولون ويجولون، إذا بسنة الله في خلقه، سنة التدافع والتداول والتغيير تحلط رحالها، يقول الله تعالى: “وتلك الأيام نداولها بين الناس”، و“وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال”، حيث يأتي اليوم الذي يصبح الحاكم المتسلط وجماعته بين عشية وضحاها خارج السلطة، مهزومين وملاحقين، وإذا بالمعارضة التي كانت مقصية ومشردة تصبح في مركز القيادة والهيمنة.
وهنا ومع ضعف الوازع الإيماني وغياب الحس الوطني، تأتي تصفية الحسابات والثأرات السياسية والانتقامية من هذه الجماعة أو تلك، خاصة بعد أن آلت إليها السلطة بكل تركتها التراكمية وأدواتها القمعية المثخنة بالجراح والصدامات الدامية والصراعات المقيتة، والله المستعان.
وأيم الله إننا إذا سرنا وفق صراط الله المستقيم وسنة نبينا الكريم، وسيرة خلفائه الراشدين، فلن تغيب شمسنا، ولن يأفل نجمنا ولن يجوع شعبنا، ولن يقوض أمننا، ولن يهتز اقتصادنا، ولن يهان شعبنا، يقول الله عزوجل: “ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض” و“ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وماكانوا ليؤمنوا، كذلك نجزي المجرمين، ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون”.. صدق الله العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى