دعــوة للتـوثيـق

> صلاح السقلدي

>
صلاح السقلدي
صلاح السقلدي
لا يطال التدمير والطمس في عدن والمكلا وعموم الجنوب الآثار والمباني والمعابد والقلاع والشطآن والسدود فقط، بل يتجاوز ذلك إلى التراث الفكري والثقافي من خلال طمسه وسرقته كنتاج شعري وأدبي وغنائي وكتراث شعبي من زيّ شعبي وخناجر ومخطوطات ووثائق وغيرها، فمنذ سنوات نعرف أن الشعر والفن الغنائي على سبيل المثال يتم سرقته والتلاعب به بكل صفاقة وفجاجة في الداخل والخارج.
ولمجابهة هذا العبث وحتى لا تضيع هذه الثروة الفكرية الإنسانية التي لا تقدر بثمن وحتى لا يأتي علينا وعلى أجيالنا يوم وقد شطبت من ذاكرتنا وطمست آثارها ورسومها، كما يتوحش تنظيم داعش اليوم ويدمر تـاريخ وحضارة العراق العظيمة، نطرح دعوة ومبادرة أمام الجميع وبالذات المعنيين بهذا الشأن، متمثلة في الآتي:
طالما والتوثيق الورقي للدواوين الشعرية والنثرية والشعر الغنائي والتسجيلات الغنائية وتدوينات الشعر الشعبي وأشعار الدان الحضرمي بكل أنواعه (الريض، الحيقي والهبيش) كأشعار: حداد بن حسن الكاف وعلي سعيد الحداد وصالح العمودي وسالم سعيد باصرة وعبد القادر الكاف، وغيرهم. والنتاج الأدبي، مثل أعمال باكثير والصبان - معظمها غير مكتملة كمادة مطبوعة ورقيا ولا يوجد منها بالمكتبات وبحوزة الجمهور إلا النزر القليل - وطالما والأغاني المسجلة محصورة معظمها بتسجيلات قديمة وعلى شكل أشرطة قديمة، وإن كانت في الآونة الأخيرة قد دخلت تسجيلات إليكترونية بتقنية حديثة، ولكنها تظل محدودة وغير ذات جدوى للحفظ والتوثيق طويل المدى بعيدا عن التلف فإننا بحاجة ماسة إلى تدارك ما يمكن تداركه وحفظه بكل صور الحفظ، وبالذات على شبكة الإنترنت وهي وسيلة التوثيق والحفظ التي قصدتها بهذه الدعوة، كونها الأكثر أمنا في الوقت الراهن والأكثر تعريفا وانتشارا إذا ما تم تدوين هذا الإرث والنتاج الفكري الضخم فيها من خلال موسوعات ومواقع إلكترونية فنية وأدبية وشعرية تحت إشراف جهات مختصة وناشطين مهتمين بجمع التراث.
فالفن الغنائي لأحمد قاسم والمرشدي ومحمد سعد والزيدي والعطروش والعزاني، وكفى عراقي وطه فارع والقمندان وفضل اللحجي وفيصل علوي وحمدون ومرسال وجمعة خان وغيرهم كثير وكثير، والشعر الشعبي للشعراء الشعبيين الخالدي وأبو حمحمة وبن لزنم وثابت عوض والمشطر وغيرهم سيكون عرضه للضياع والسرقة والتحريف والاقتباس الخبيث إن لم يجد من يصونه ويحافظ عليه.
وأشعار الدان والأشعار المغناة أيضا ليست كلها موثقة ورقيا إلا على نطاق محدود كالمبادرة الرائعة التي قام بها في ثمانينات القرن الماضي الشاعران الراحلان أحمد سيف ثابت وسالم حجيري بكتابهما البديع (مئة شاعر وستمئة أغنية)، ودواوين الشاعر الراحل حسين المحضار (دموع العشاق) ومن أغاني الوادي لحسين بن محمد البار، و(الدموع الضاحكة) لهادي سبيت، ولطفي أمان (بقايا نغم) ومحمد عبده غانم (على الشاطيء المسحور 1946)، ومحمد سعيد جرادة (مشاعل الدرب)، وغيرهم من القلة القليلة الذين حالفهم الحظ بالسنين الخوالي، وتم توثيق حصيلة فكرهم وإبداعاتهم أو جزء منها، وبالتالي فهذا الموروث البديع والمدهش سيكون هو الآخر عرضة للضياع إن لم يتم الانتباه له في ظل هذه الفوضى العارمة.
فلو أخذنا جانب الفن الغنائي كشعر وكأغان لا يوجد لها توثيق شامل على شبكة النت، وليس له مراكز مختصة تصونه وتطوره، كسائر الدول العربية، ولا نقول الدول المتقدمة إلا على نطاق ضيق جدا.
فالمواطن العربي والمهتم والمختص الذي يحاول الوصول إلى الأغاني العدنية واللحجية والحضرمية والأبينية، وإلى الشعر بمختلف أنواعه على شبكة الإنترنت باعتبارها شبكة عالمية، وهمزة وصل العصر الحديث بين الأمم والشعوب لا يجد لها إلا أثرا محدودا جدا، مقارنة مع التوثيق الضخم لفنون وأغاني وشعر دول هي في طبيعتها ذات نتاج فكري وفني متواضع جدا مقارنة مع موروث الجنوب الضخم.
ولتجاوز هذه المهمة التاريخية الكبيرة ولحفظ هذا التراث العظيم بإحدى الوسائل العصرية (الإنترنت) لا بد من مشاركة واسعة من قبل الجميع جهات وأفرادا، كونها مهمة صعبة وشاقة كعملية جمع المواد ورقيا وماديا وطبعها إليكترونيا، ومن ثم تخزينها بالشبكة، وهي دون شك تعد بآلاف الوثائق والأغاني والتسجيلات.
سأذكر هنا مثالا على أهمية هذه الدعوة.. ففي نهاية 2012م توفي الشاعر يسلم بن علي باسعيد، صاحب أغنية (في سُـلّـم الطائرة) التي ذاع صيتها في الستينات بصوت الفنان السعودي الراحل طلال مداح.! ففي وسط هذا الصخب وهذا الهبوط المائع للأغنية العربية لا يعرف كثير من شباب اليوم أن هذه الأغنية هي لهذا الشاعر الذي رحل بصمت ودون ضجيج، بل لم يسمعوا بالشاعر أصلا، والذي هو بحاجة وأمثاله من المبدعين إلى تكريمهم بمماتهم بحفظ إرثهم وعصارات فكرهم بعد أن تنكر لهم الجميع في حياتهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى