الـ(21) من مارس عيد الأم.. أنحني مع قلمي أمام السيدة الجليلة سعيدة باشراحيل

> نجيب محمد يابلي

> اليابانيون على حق عندما يقولون “الفكرة بمليون دولار، ولذلك يفكرون كثيرا، ويعصرون عقولهم لتقديم فكرة تعود عليهم بمليون دولار، وستعود على الجهة الدافعة بمليار دولار.
عندما أبلغني الزميل محمد حسين الدَبَاء مساء الجمعة أنهم فكروا في “الأيام” بتخصيص حيز لسيرة الوالدة العطرة الذكر سعيدة محمد عمر الشيبة (جرجرة)، وأصبحت بعد 1941 (عام اقترانها من محمد علي باشراحيل) معروفة باسم “سعيدة باشراحيل”، باركت الفكرة، وقلت “على بركة الله”، لأنها ليست أم هشام وتمام باشراحيل فحسب، وإنما أمنا جميعا. (راجع عمود “كركر جمل” للأستاذ عبده حسين أحمد.. العدد الصادر في 23 يناير 2007).
يقولون “وراء كل عظيم امرأة”، وقد بينت التجربة في كل مراحل التاريخ صحة ذلك، وذلك عندما نزل الشاب ذو الـ(22) ربيعا ليدخل القفص السعيد عام 1941، واقترن من ابنة الشيخ محمد عمر الشيبة (جرجرة) بعد أن التحق بسلك شركة البرق اللا سلكي البريطانية العريقة CABLE & WIRE LESS، وكان - رحمه الله - قد نال قسطا بسيطا من التعليم ليدخل التاريخ كأحد العصاميين الذين كتبت أسماؤهم بالنيون.
واجه العميد باشراحيل طريقا متشعبا ووعرا لأنه الشاب العصامي والطموح، فمن بوابة الوظيفة البسيطة إلى عضوية المجلس البلدي ورئاسته إلى مضمار الصحافة وصحيفة “الرقيب” عام 1957 ثم «الأيام» اليومية بالعربية بعد أن كانت “الرقيب” أسبوعية وباللغتين العربية والإنجليزية، وحلت محلها الـ“ريكوردر” الأسبوعية بالإنجليزية، ثم عضوية مجلس مدرسة بازرعة الإسلامية والغرفة التجارية العدنية ومجلس أمناء ميناء عدن.
كان زوجها (أي العميد باشراحيل) متفرغا تماما لالتزاماته خارج البيت.. أما البيت، فكانت هناك الأم والزوجة العظيمة، وكان زوجها في بداية حياته الزوجية محدود الدخل، واتسعت المسؤولية بقدوم الأبناء، إلا أن الزوجة والأم العظيمة لجأت إلى ماكينة خياطة وخففت عن زوجها كثيرا من الأعباء المالية التي ترتبت عن الزواج والإنجاب.
سعيدة باشراحيل في العمل النسوي.. ريادة وقيادة
دخلت المرأة العدنية ساحة العمل الوطني في عدة جبهات منها الحركة النسوية.. كانت البداية في “نادي نساء عدن” عام 1943م برعاية المجلس الثقافي البريطاني BRITISH COUNCIL، وتحقق تراكم لدى المرأة العدنية: رقية محمد ناصر (قرينة محمد علي لقمان) ونبيهة حسن علي وفاطمة فكري، وهما أسرتان عدنيتان عريقتان عقاراتهما اليوم تشهد على عراقتهما، وسعيدة الشيبة (جرجرة) قرينة محمد علي باشراحيل وفاطمة بازرعة ورضية إحسان الله ولا حاجة لتزكية بيتين عدنيين عريقين مثل بيت بازرعة وبيت إحسان الله وبيت العلبي وبيت الأغبري وبيت محمد ناصر وبيوت كثيرة.
أعلنت المرأة العدنية التمرد على نادي نساء عدن وشكلن إطارا خاصا ومستقلا، وكان ذلك الإطار “جمعية المرأة العدنية” وفتح نادي الاتحاد المحمدي (MCC) مقره للنساء لممارسة نشاطهن ليومين أسبوعيا، وشغلت رقية محمد ناصر رئاسة النادي عام 1954، وشغلت سعيدة باشراحيل رئاسة الجمعية عام 1957، وشغلت رضية إحسان الله رئاسة “جمعية المرأة العربية” عام 1960، كما كانت شقيقتها ماهية نجيب في مجلس إدارة جمعية المرأة العدنية.
تنوعت نشاطات المرأة العدنية منها القطري والعربي والإسلامي، ومنها خاص بنشاط مدر للدخل يساعد الأسرة على تحسين مستوى معيشتها، فقمن بنشاط الخياطة من خلال مقر الجمعية واتخذن خطوات من أجل كسر قواعد التزمت بخروج المرأة إلى ميدان العمل باعتباره جهادا، وهو مبدأ شرعي.
سعيدة باشراحيل أول من يقرأ «الأيام» قبل نزولها إلى السوق، حيث كتب أستاذنا عبده حسين أحمد (مرجع سابق)، وأفاد بأن “أم هشام كانت أول من يقرأ «الأيام» قبل نزولها إلى السوق، وفي الظهيرة تجلس توجه وتوضح وتنتقد، والذي كان يجب أن يكون والذي لا يكون.. كانت هي الأم والمعلم والصحفية الأولى...”.
الوالدة سعيدة صانعة إلياذة وصاحبة قرار لم تثنه الأحزان
عاشت الراحلة الكبيرة سعيدة باشراحيل عمرا مديدا امتد خلال الأعوام من 1924 حتى 2006 (82 عاما) قضت منها (52) عاما في شراكة عمر ومصير مع قرينها الراحل الكبير محمد علي باشراحيل الذي انتقل إلى جوار ربه في 21 فبراير 1993م، وصنعت خلال تلك السنوات إلياذة شبيهة بإلياذة هوميروس، وتركت بصمات لدى كل من ارتبط بها رجالا ونساءً، وخدمت المجتمع النسوي خاصة ودخلت التاريخ بذلك ووقفت مع بنات جنسها إلى جانب الرجال باعتبارهن شقائق الرجال في مسيرة العمل الوطني.. (ولمزيد من التفاصيل نشرت لي «الأيام» عدة مواضيع خاصة في ذكرى الوالدة ومنها بتاريخ 23 يناير 2007 في ذكرى أربعينيتها).
عصرتها الأحزان وانكفأت على نفسها مسلمة بقضاء الله وقدره لأنها لم تبارح سجادتها حتى مساء الأحد 12 ديسمبر 2006، ومر شريط طويل من الأحزان، ففقدت رفيقة دربها وقريبتها رقية محمد ناصر (حرم محمد علي لقمان.. أم صلاح)، ثم فقدت زوجها محمد علي باشراحيل، ثم فقدت حفيدتها هناء هشام باشراحيل (توأم هاني).
كانت الوالدة سعيدة صاحبة قرار وتوجز عند تقديم القرار، وقيل لي ذات يوم: أم هشام (تشتيك).. قلت في نفسي ماذا تريد هذه المرأة الجادة؟، قابلتها في بيت تمام.. رحبت بجدية واقتضاب: أهلا وسهلا كيف حالك؟.. رددت على السلام بأحسن منه.. سألتني:
أنت صديق هشام؟ .. نعم أم هشام.
مقرب منه؟ .. نعم أم هشام.
أنت صديق تمام؟ .. نعم أم هشام.
مقرب منه؟ .. نعم أم هشام.
أشتيك تقرب بينهم.. هم اثنين.. لا ثلاثة ولا أربعة لا تخليهم يفترقوا.
هذي الكلمتين اللي صيحت لك منشانهم، روح بعد شغلك يا ولدي الله معك.
صدقت أستاذنا عبده حسين: إنها ليست أم هشام وتمام وحسب، بل أمنا جميعا.
**نجيب محمد يابلي**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى