18 عاما في رثاء أحد فرسان الأدب واللغة.. البردوني.. شاعر لا يعرف حدودا للزمان والمكان

> محرر «الأيام»

> اليوم الأربعاء الذكرى الـ(18) لوفاة الشاعر والأديب اليمني عبدالله البردوني، الذي توفي يوم 30 أغسطس 1999م.
وعلى الرغم من فقده البصر في سن مُبكرة، إلا أنه استطاع من خلال قصائده أن ينقل الواقعين اليمني والعربي بجوانبهما الحالكة والمضيئة، وتخطت شهرته حدود اليمن؛ ليصبح أحد أكبر الشعراء العرب في القرن العشرين.
ولد عبدالله صالح حسن الشحف البردوني في قرية البردون، الحدأ، في محافظة ذمار عام 1929م، وأُصيب بالجدري وهو في الخامسة من عمره، حتى أفقده الوباء بصره كليا، لكن هذا لم يحل دون نبوغه الشعري الذي جعله من أبرز الشعراء والأدباء في العالم العربي منذ سبعينيات القرن الماضي.
وخلال مسيرته أصدر البردوني 12 ديوانا، ومن يسمع أشعاره التي كُتبت قبل عشرات السنين يدرك أنه كان يتمتع ببصيرة ثاقبة تخطت الزمان والمكان، وكأنه يصف حال اليوم.
وبهذه المناسبة تنشر «الأيام» قصيدة البردوني التي حصلت على جائزة (أبو تمام) في إمارة الأدب والثقافة والشعر العربي في الموصل العراقية عام 1971م، بحضور جميع الشعراء في الوطن العربي والنقاد، وجمع هائل من المسئولين والمثقفين والصحافيين ورجال العلم والأعمال، والمعنونة بـ(أبو تمام وعروبة اليوم).
النص:

ما أَصْدَقَ السَّيْفَ! إِنْ لَمْ يُنْضِهِ الكَـذِبُ
بِيضُ الصَّفَائِـحِ أَهْـدَى حِيـنَ تَحْمِلُهَـا
وَأَقْبَـحَ النَّصْرِ..نَصْـرُ الأَقْوِيَـاءِ بِـلاَ
أَدْهَى مِنَ الجَهْـلِ عِلْـمٌ يَطْمَئِـنُّ إِلَـى
قَالُوا: هُمُ البَشَرُ الأَرْقَـى وَمَـا أَكَلُـوا
* * * * *
مَاذَا جَرَى.. يَـا أَبَـا تَمَّـامَ تَسْأَلُنِـي؟
يَدْمَـى السُّـؤَالُ حَيَـاءً حِيـنَ نَسْأَلُـُه
مَنْ ذَا يُلَبِّـي ؟ أَمَـا إِصْـرَارُ مُعْتَصِـمٍ ؟
اليَوْمَ عَـادَتْ عُلُـوجُ «الـرُّومِ» فَاتِحَـةً
مَاذَا فَعَلْنَـا؟ غَضِبْنَـا كَالرِّجَـالِ وَلَـمْ
فَأَطْفَـأَتْ شُهُـبُ «المِيـرَاجِ» أَنْجُمَنَـا
وَقَاتَلَـتْ دُونَنَـا الأَبْــوَاقُ صَـامِـدَةً
حُكَّامُنَا إِنْ تَصَـدّوا لِلْحِمَـى اقْتَحَمُـوا
هُمْ يَفْرُشـُونَ لِجَيْـشِ الغَـزْوِ أَعْيُنَهُـمْ
الحَاكِمُونَ و«وَاشُنْـطُـنْ» حُكُومَتُـهُـمْ
القَاتِلُـونَ نُبُـوغَ الشَّـعْـبِ تَرْضِـيَـةً
لَهُمْ شُمُـوخُ «المُثَنَّـى» ظَاهِـرَاً وَلَهُـمْ
مَاذَا تَرَى يَا «أَبَـا تَمَّـامَ» هَـلْ كَذَبَـتْ
عُرُوبَـةُ اليَـوَمِ أُخْـرَى لا يَنِـمُّ عَلَـى
تِسْعُونَ أَلْفَـاً « لِعَمُّـورِيَّـة َ» اتَّـقَـدُوا
قِيلَ: انْتِظَارَ قِطَافِ الكَرْمِ مَـا انْتَظَـرُوا
وَاليَـوْمَ تِسْعُـونَ مِلْيونَـاً وَمَـا بَلَغُـوا
تَنْسَى الرُّؤُوسُ العَوَالِـي نَـارَ نَخْوَتِهَـا
«حَبِيبُ» وَافَيْتُ مِـنْ صَنْعَـاءَ يَحْمِلُنِـي
مَاذَا أُحَدِّثُ عَـنْ صَنْعَـاءَ يَـا أَبَتِـي ؟
مَاتَـتْ بِصُنْـدُوقِ «وَضَّاحٍ» بِـلاَ ثَمَـنٍ
كَانَتْ تُرَاقِبُ صُبْـحَ البَعْـثِ فَانْبَعَثَـتْ
لَكِنَّهَا رُغْمَ بُخْـلِ الغَيْـثِ مَـا بَرِحَـتْ
وَفِـي أَسَـى مُقْلَتَيْهَـا يَغْتَلِـي «يَمَـنٌ»
«حَبِيبُ» تَسْأَلُ عَنْ حَالِي وَكَيْـفَ أَنَـا؟
كَانَتْ بِلاَدُكَ «رِحْلاً»، ظَهْـرَ «نَاجِيَـةٍ»
أَرْعَيْـتَ كُـلَّ جَدِيـبٍ لَحْـمَ رَاحِلَـةٍ
وَرُحْتَ مِنْ سَفَـرٍ مُضْـنٍ إِلَـى سَفَـرٍ
لَكِنْ أَنَا رَاحِـلٌ فِـي غَيْـرِ مَـا سَفَـرٍ
إِذَا امْتَطَيْـتَ رِكَابَـاً لِلـنَّـوَى فَـأَنَـا
قَبْرِي وَمَأْسَـاةُ مِيـلاَدِي عَلَـى كَتِفِـي
«حَبِيبُ» هَـذَا صَدَاكَ اليَـوْمَ أَنْشُـدُهُ
مَاذَا ؟ أَتَعْجَـبُ مِنْ شَيْبِي عَلَى صِغَـرِي؟
وَاليَـوْمَ أَذْوِي وَطَيْـشُ الفَـنِّ يَعْزِفُنِـي
كَـذَا إِذَا ابْيَـضَّ إِينَـاعُ الحَيَـاةِ عَلَـى
* * * * *
وَأَنْتَ مَنْ شِبْتَ قَبْـلَ الأَرْبَعِيـنَ عَلَـى
وَتَجْتَـدِي كُـلَّ لِـصٍّ مُتْـرَفٍ هِـبَـةً
شَرَّقْتَ غَرَّبْتَ مِنْ «وَالٍ» إِلَـى «مَلِـكٍ»
طَوَّفْتَ حَتَّى وَصَلْتَ « الموصِلِ » انْطَفَأَتْ
لَكِـنَّ مَـوْتَ المُجِيـدِ الفَـذِّ يَـبْـدَأه
* * * * *
«حَبِيبُ» مَـا زَالَ فِـي عَيْنَيْـكَ أَسْئِلَـةً
وَمَا تَـزَالُ بِحَلْقِـي أَلْــفُ مُبْكِـيَـةٍ
يَكْفِيـكَ أَنَّ عِدَانَـا أَهْـدَرُوا دَمَـنَـا
سَحَائِـبُ الغَـزْوِ تَشْوِينَـا وَتَحْجِبُـنَـا
أَلاَ تَـرَى يَـا أَبَـا تَمَّـامَ بَارِقَـنَـا
**
وَأَكْذَبَ السَّيْفَ إِنْ لَمْ يَصْـدُقِ الغَضَـبُ
أَيْـدٍ إِذَا غَلَبَـتْ يَعْلُـو بِهَـا الغَـلَـبُ
فَهْمٍ. سِوَى فَهْمِ كَمْ بَاعُوا وَكَمْ كَسَبُـوا
أَنْصَـافِ نَاسٍ طَغَوا بِالعِلْـمِ وَاغْتَصَبُـوا
شَيْئَاً .. كَمَا أَكَلُـوا الإنْسَـانَ أَوْ شَرِبُـوا
عَفْوَاً سَـأَرْوِي .. وَلا تَسْأَلْ .. وَمَا السَّبَبُ
كَيْفَ احْتَفَتْ بِالعِدَى «حَيْفَا» أَوِ «النَّقَـبُ»
كَلاَّ وَأَخْزَى مِنَ « الأَفْشِينَ » مَـا صُلِبُـوا
وَمَوْطِـنُ العَرَبِ المَسْلُـوبُ وَالسَّلَـبُ
نَصْدُقْ.. وَقَدْ صَـدَقَ التَّنْجِيـمُ وَالكُتُـبُ
وَشَمْسَنَا ... وَتَحَـدَّت نَارَهَـا الحَطَـبُ
أَمَّا الرِّجَالُ فَمَاتُـوا... ثَـمَّ أَوْ هَرَبُـوا
وَإِنْ تَصَدَّى لَـهُ المُسْتَعْمِـرُ انْسَحَبُـوا
وَيَدَّعُـونَ وُثُـوبَـاً قَـبْـلَ أَنْ يَثِـبُـوا
وَاللامِعُـونَ .. وَمَـا شَعَّـوا وَلا غَرَبُـوا
لِلْمُعْتَدِيـنَ وَمَـا أَجْدَتْـهُـمُ الـقُـرَبُ
هَـوَىً إِلَـى «بَابَـك الخَرْمِـيّ» يُنْتَسَـبُ
أَحْسَابُنَـا؟ أَوْ تَنَاسَـى عِرْقَـهُ الذَّهَـبُ؟
وُجُودِهَـا اسْـمٌ وَلا لَـوْنٌ وَلا لَـقَـبُ
وَلِلْمُنَجِّـمِ قَـالُـوا: إِنَّـنَـا الشُّـهُـبُ
نُضْـجَ العَنَاقِيـدِ لَكِـنْ قَبْلَهَـا الْتَهَبُـوا
نُضْجَـاً وَقَدْ عُصِـرَ الزَّيْتُـونُ وَالعِنَـبُ
إِذَا امْتَطَاهَـا إِلَـى أَسْـيَـادِهِ الـذَّنَـبُ
نَسْرٌ وَخَلْفَ ضُلُوعِـي يَلْهَـثُ العَـرَبُ
مَلِيحَـةٌ عَاشِقَاهَـا : السِّـلُّ وَالـجَـرَبُ
وَلَمْ يَمُتْ فِي حَشَاهَا العِشْـقُ وَالطَّـرَبُ
فِي الحُلْمِ ثُمَّ ارْتَمَـتْ تَغْفُـو وَتَرْتَقِـبُ
حُبْلَى وَفِي بَطْنِهَـا «قَحْطَـانُ» أَوْ «كَرَبُ»
ثَانٍ كَحُلْـمِ الصِّبَـا... يَنْـأَى وَيَقْتَـرِبُ
شُبَّابَـةٌ فِـي شِفَـاهِ الرِّيـحِ تَنْتَـحِـبُ
أَمَّـا بِـلاَدِي فَلاَ ظَهْـرٌ وَلاَ غَـبَـبُ
كَانَتْ رَعَتْـهُ وَمَـاءُ الـرَّوْضِ يَنْسَكِـبُ
أَضْنَـى لأَنَّ طَرِيـقَ الرَّاحَـةِ التَّـعَـبُ
رَحْلِي دَمِي ... وَطَرِيقِي الجَمْرُ وَالحَطَـبُ
فِي دَاخِلِي ... أَمْتَطِـي نَـارِي وَاغْتَـرِبُ
وَحَوْلِـيَ العَـدَمُ المَنْفُـوخُ وَالصَّخَـبُ
لَكِـنْ لِمَـاذَا تَـرَى وَجْهِـي وَتَكْتَئِـبُ؟
إِنِّي وُلِدْتُ عَجُـوزَاً .. كَيْـفَ تَعْتَجِـبُ؟
وَالأَرْبَعُـونَ عَلَـى خَــدَّيَّ تَلْتَـهِـبُ
وَجْـهِ الأَدِيـبِ أَضَـاءَ الفِكْـرُ وَالأَدَبُ
*******
نَـارِ «الحَمَاسَـةَ » تَجْلُوهَـا وَتَنْتَـحِـبُ
وَأَنْتَ تُعْطِيـهِ شِعْـرَاً فَـوْقَ مَـا يَهِـبُ
يَحُثُّـكَ الفَقْـرُ ... أَوْ يَقْتَـادُكَ الطَّلَـبُ
فِيـكَ الأَمَانِـي وَلَـمْ يَشْبَـعْ لَهَـا أَرَبُ
وِلادَةً مِـنْ صِبَاهَـا تَرْضَـعُ الحِقَـبُ
********
تَبْـدُو... وَتَنْسَـى حِكَايَاهَـا فَتَنْتَـقِـبُ
مِنْ رُهْبـَةِ البَوْحِ تَسْتَحْيِـي وَتَضْطَـرِبُ
وَنَحْـنُ مِـنْ دَمِنَـا نَحْسُـو وَنَحْتَلِـبُ
يَوْمَاً سَتَحْبَلُ مِـنْ إِرْعَادِنَـا السُّحُـبُ؟
إِنَّ السَّمَـاءَ تُرَجَّـى حِيـنَ تُحْتَجَـبُ

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى