تحليل : لماذا لا تستطيع الشرعية الاستفادة من خلافات طرفي الانقلاب؟ اليمن.. المرآة التي تعكس أحلاف الخارج.. أين يأتي خلاف الانقلابيين من معادلات الإقليم؟

> تحليل / حسين الحنشي

> تمهيد:
بحسابات غير معقدة، يمكن لأي مراقب أن يشرح المشهد اليمني، بالتالي شرعية متماسكة مقابل انقلابيين دب الخلاف بين طرفيهم (صالح والحوثيين)، وصل حد القتل وحد الحصار وحد انتشار أخبار الإقامة الجبرية لصالح، مع نذر مواجهة تنهك الطرفين، يترتب عليها انتصار سهل للشرعية مستغلة هذا الخلاف أو في أقل السيناريوهات تفاؤلا مفاضلة للشرعية القوية بين أفضل السيئين من طرفي الانقلاب لاستقطابه والانتصار السهل، وبهذا يمكن المفاضلة على النحو التالي:صالح رجل فاسد نافذ تحول إلى أسرة فاسدة يدير حزبا يملك هيكلا وطنيا نوعا ما مقابل جماعة دينية راديكالية تضرب حتى في محتوى كتب المساجد وحتى في المسلمات الكلاسيكية لطلاب المدارس عن تاريخ القرن الأول الهجري، وبالتالي صالح يمكن استيعاب مطالبه الشخصية مقابل استحالة استيعاب جماعة الحوثي التي تمثل “خلاف عميقا” مع مسلمات ثقافية ودينية.
لكن الأمر ليس بهذه السطحية ولا الاريحية للشرعية، فخلاف طرفي الانقلاب نتج عن متغير إقليمي ودولي أثر في صنعاء، كان له أيضاً أثره في مأرب والرياض لدى الشرعية ليقسمها بذات الدرجة التي قسم الانقلابيين، فتغيرت الأولويات لدى قوى نافذة في الشرعية، كما تغيرت أولويات صالح والحوثيين.
*سير الأحداث المؤثرة
بصورة مختصرة قبل التعمق في الأمر، يمكننا شرح ذلك بالآتي:
زار الرئيس الأمريكي الجمهوري قائد الإدارة الجديدة في العالم الرياض، واجتمع بزعماء العالم الإسلامي، تلى الزيارة زلزال ضرب المنطقة وغير تحالفاتها، تمثل في عقوبات متلاحقة على جماعة الأخوان المسلمين وكل من يدعمها، وثبت تورط قطر في ذلك، فكانت المقاطعة من قبل حلف عربي قوي تقوده السعودية ومصر والإمارات، وطردت قطر من الحلف العربي الذي يخوض حربا في اليمن، واتهمها بيان الطرد السعودي بأنها كانت تتعامل مع الحوثيين حتى بعد عاصفة الحزم التي كانت جزءا منها.
تكون حلف جديد إيراني قطري تركي، وهي دول عرفت برعاية حركات الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي، فإيران ترعى الحوثيين وحزب والله وجماعات شيعية أخرى تتبنى فكر الإسلام السياسي والإمامة والمرشد، وقطر وتركيا تتبنى جماعات لاسيما حركة الأخوان المسلمين وأفرعها بالدول الإسلامية كأحزاب وجماعات، ومنها فرع اليمن المتمثل بحزب التجمع اليمني للإصلاح.
مقابل هذا الحلف الإقليمي تكون حلف مصر المعادية لحركات الإسلام السياسي والإمارات التي تعد أبرز محارب لهذه الحركات والإرهاب إضافة إلى المملكة العربية السعودية التي يتصدر المشهد فيها الشاب المعادي للإخوان، كما أبعد منها رجل الأخوان، محمد بن نايف، كذلك.
بناء على هذا التموضع الجديد للأحلاف في الإقليم والمدفوع بأحلاف عالمية جديدة كان هناك تموضع جديد للأحلاف في اليمن، المرآة التي تعكس كل تحالفات الإقليم من سنين، البلد الفقير الشهير بالاستقطابات الخارجية لقوى فيه، بعيدا عن الدولة الوطنية.
في الأشهر والأسابيع الماضية خرجت الأحزاب اليسارية في اليمن وعلى رأسها الاشتراكي والناصري بما سمي مشروع “المشترك الجديد” لإنهاء تكتل اللقاء المشترك الذي سيطر به حزب الإصلاح على الحياة السياسية في اليمن منذ عقد من الزمان، بعد مشاورات في مصر ورعاية من الحلف العربي.
وخرج صالح بعيدا عن الحوثيين بما سمي مبادرة مجلس النواب التي نصت على تدويل الموانئ ومصالحة شاملة وحل سياسي، وهي نقاط يرفضها الحوثيون، في وضع يسعى العالم فيه إلى تحييد ميناء الحديدة كمدخل لحل شامل في اليمن، وهو كذلك ما يرفضه الحوثيون، وكانت خطوة صالح وحزبه تتماهى مع حراك الأحزاب اليسارية، وهو ما يعني تقارب حزب صالح مع أحزاب اليسار المقربة من التحالف العربي.
بالمقابل قدم الإصلاح وشخصيات فيه مبادرات لصالح مع الحوثيين، وقبل الحوثيون تلك المبادرات بترحيب كبير وتفهم، وهو ما يعني تقارب الإصلاح (أخوان مسلمين) مع الحوثيين (أنصار الله)، والجماعتان مقربتان من رعاة الإسلام السياسي، إيران وقطر، اللتين عاد الدفء إلى علاقتهما، وعاد السفير القطري إلى طهران، وأصبحت علاقتهما أقوى، وانضمت إليهما تركيا.
*صراع طرفي الانقلاب
يأتي الصراع الحالي بين صالح والحوثيين كانعكاس لتلك التحالفات، ويمكن رصد علاقة الطرفين بصورة أعمق كذلك لوضع صورة أشمل، فصالح ليس كما يقول محللون إنه خاض حروبا ستة ضد الحوثيين، وإن بذور خلاف الطرفين عميقة، كتفسير سهل لمآل الحال بينهما.. ففي الحروب الست يعلم الحوثيون أكثر من غيرهم أن صالح كان الداعم الأكبر لهم بالسلاح، وإن من كان يقاتلهم في تلك الحروب هي (فرقة علي محسن المدرعة الأولى)، كجزء من لعب صالح مع الثعابين، حيث أراد الرجل إنهاك محسن وأولاد الأحمر بحروب متكررة في صعدة، بينما كان يبني جيشا خاصا لأسرته (الحرس الجمهوري) الذي كان وجوده في صعدة شبه معدوم، إلا من تمرير شاحنات السلاح للحوثيين هناك لضمان استمرار حروبهم ضد محسن وأولاد عبدالله حسين الأحمر، ضلعي المثلث الحاكم لليمن منذ عقود مع صالح.
وبعد أن ثار أولاد الأحمر ومحسن الأحمر على صالح وركبا موجة الربيع العربي وأقصي الرجل إثر تلك الموجة بعد أن تم تفجير مسجد كان يصلي به، كما أعيد هيكلة الجيش الذي بناه لأسرته، أراد صالح استخدام الحوثيين مرة أخرى ضد خصومه في متوالية حروب مستمرة تتناسل في اليمن بين هذه الأضلاع الفاسدة، بينما رآها الحوثيون فرصة لإعادة وضع ما قبل الثورة السبتمبرية حتى، فكانت الحرب الأخيرة واجتياح صنعاء.
من لقاء أمير الكويت مع أمين عام الأمم المتحدة انتونيو غوتيرس
من لقاء أمير الكويت مع أمين عام الأمم المتحدة انتونيو غوتيرس

تنازل صالح كثيرا للحوثيين وتخلى عن أنيابه الدستورية، ومنها الدستور اليمني ومجلس النواب الذي حله الحوثيون في فبراير 2015 بعد دخولهم صنعاء، وأعلنوا حالة طوارئ ثم إعلان دستوري جديد لإدارة البلد، مع تشكيل لجنة ثورية للإشراف على الإدارة برئاسة أحد صقورهم، محمد علي الحوثي.
ولأن مجلس النواب تم حله والدستور ألغي كان وضع الحوثيين مشينا عالميا من الناحية القانونية في كل المفاوضات، خصوصا أن مجلس النواب لم يجتمع ولم ينظر في استقالة الرئيس هادي التي قدمها للبرلمان بعد دخول الحوثيين صنعاء، بعد استقالة رئيس الحكومة حينها، خالد بحاح.
وافق الحوثيون في العام الماضي على إصلاح الأمر بإعادة الدستور للعمل والتراجع عن حل مجلس النواب وتشكيل مجلس أعلى بالشراكة مع صالح وحزبه لإدارة العمل، وحل اللجنة الثورية العليا التي يرأسها محمد علي الحوثي، وبهذا أعاد صالح أنيابه الدستورية.
وبعد التحول الأخير في الإقليم اقترب صالح من الأحزاب والقوى اليمنية اليسارية المنادية بإنهاء الحرب، والتي أخرجت الإصلاح من بينها، مدفوعة من حلف مصر والسعودية والإمارات، مقابل اقتراب الحوثيين من الإصلاح (الأخوان المسلمين) المدفوعين بتقارب قطر وإيران، وهو ما حفز الحوثيين ضد حليفهم.
واستغل صالح اتجاه العالم لوضع حد للحرب في اليمن، وسعى لاستعراض قوته الشعبية أمام العالم في مناسبة لحزب المؤتمر بتنظيم مليونية في شارع السبعين بصنعاء لطرح نفسه وحزبه كطرف قوي يمكن للحلف العربي والعالم وضع يدهم في يده في أي سلام قادم، وسعى الحوثيون لإفشال ذلك بصنع توتر في صنعاء، ثم باستعراض قوتهم العسكرية فيها، للقول إنهم الأقوى على الأرض عسكريا، حتى وإن نجح صالح في حشد الناس لنصرته.
أقام الحوثيون استعراضا عسكريا كبيرا بساحة الرسول الأعظم في حزيز جنوب صنعاء، ثم ساروا به إلى ميدان السبعين، بعد انتهاء مليونية صالح، كما أوقفوا نجله صلاح في نقطة لهم، وقتلوا أحد أبرز رجال صالح وهو خبير في مجال الأمن والقوات الخاصة، يدعى خالد الرضي، لإظهار ضعف صالح.
*لماذا لم تستفد الشرعية من صراع الانقلابيين؟
رغم الإشارات الإيجابية القادمة من السعودية تجاه صالح، ولو كانت عبر نخب عسكرية عبر قنوات رسمية، إلا أنها تعني الكثير في بلد مثل السعودية، لا ينطق فيها خبير، وإن كان مستقلا، إلا بعد معرفة أن ذلك هو توجه القصر والسياسة العامة، إلا أن الشرعية لم تتحرك للاستفادة من انقسام الانقلابيين، ولم تستغل اضطرابات صنعاء، ولم تمد يدها لصالح، أقل أطراف الانقلاب شروطا للحل.
وجاءت دعوة الخبير العسكري السعودي للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح إلى الاستعانة بالمملكة العربية السعودية في نزاعه الأخير ضد الحوثيين.
واستبعد ضابط رفيع في الجيش السعودي أن يكون الحوثيون قد وضعوا الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح تحت الإقامة الجبرية، كما تحدثت بعض وسائل الإعلام.
وعلّق اللواء ركن زايد العمري على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي، على الأنباء التي أشاعت أن صالح يقبع تحت الإقامة الجبرية في منزله بصنعاء، بالتأكيد على أن الحوثيين لا يجيدون التمثيل، في إشارة إلى استبعاده أن يصدر عنهم مثل هذا الإجراء “الخفيف” بحسب النص.
كما لم يستبعد الضابط السعودي في تغريدة لاحقة، أن يطلب صالح “الغوث” من السعودية، مشيرا إلى أن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز “لن يخذل النداء” لكن وفق شروطه.
ونصح اللواء السعودي الرئيس اليمني السابق بعدم التأخر عن مثل هذه الخطوة، محذرا إياه من أن “الدقائق محسوبة”.
ورغم ذلك لم تحرك الشرعية ساكنا سياسيا تجاه صالح، كما لم تحرك القوات المحتشدة بمأرب ساكنا لاستغلال اضطرابات صنعاء، تماهيا مع توجه المملكة، مثلا وهي تصرفات من الشرعية كانت ستبدو غريبة لولا معرفة التأثيرات على قوى الشرعية.
فالشرعية التي يعد الأخوان المسلمون بحزب الإصلاح وشخصيات كمحسن الأحمر نافذين فيها لزمت موقف “قطر / تركيا نحو صالح” بعدم مد اليد له، كما لزمت موقف “قطر / تركيا نحو الحوثيين” بعد ضربهم، استغلالا لاضطرابات صنعاء نتيجة علاقة إيران بقطر وتركيا.
*استشراف المستقبل
ووسط كل هذه المعادلات والأحلاف والتموضع الجديد عالميا وإقليميا وانعكاسها على الساحة في اليمن يمكن القول إن الوضع سيكون تهدئة من صالح للوضع بصنعاء وضمان الاستمرار واستغلال النجاح الشعبي لفعالية السبعين وانتظار المبادرة الأممية الجديدة التي أفصح عنها الأمين العام للأمم المتحدة انتونيو غوتيرس مع أمير الكويت، وقال إنها ستكون قوية وحاسمة، وأن يسعى صالح لاحتواء الأمر بصنعاء حتى ذلك، كما ستتقارب الرؤى مع الأحزاب اليمنية اليسارية والتحالف العربي، وسيتساهل أكثر مع بنود أي اتفاق أو مبادرة دولية تبقيه في المشهد وتنهي سطوة الحوثيين.
وفي المقابل سنشهد تصعيدا إعلاميا، ليس إلا، بين جماعتي الحوثي والإصلاح، وتشدد كل منهما في شروط الحل من جانب الشرعية والانقلابيين للإبقاء على الأزمة في اليمن كمشكلة للسعودية والإمارات، واستغلال الأخطاء في الحرب، وإثارة ملفات حقوق الإنسان، وكذا الكلفة الاستنزافية للحرب، كما تخطط قطر وتركيا رعاة الإصلاح والحوثيين.
رعاة الإصلاح والحوثيين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى