قيادات الجنوب والعجز عن فهم المرحلة

> د.حسين لقور بن عيدان

>
د.حسين لقور بن عيدان
د.حسين لقور بن عيدان
قيل الكثير في المآلات التي تنتظر الجنوب بعد ما عصفت به خلال نصف قرن من الزمن، وأمعنت في تدميره سياسيا واقتصاديا واجتماعيا قوى كثيرة يقف في مقدمتها دعاة اليمننة السياسية، وما قيل ويقال وما يكتب دون شك تختلف فيه الآراء وتعكس دائما خلفيات الكتاب السياسية والثقافية ومواقفهم من الصراعات التي عاني منها الجنوب خلال حقبة الاستقلال وما بعد إعلان الوحدة مع اليمن.
الحقيقة التي لا يجب أن ننكرها والاعتراف بها سيساعدنا على تجاوزها هي أن كل القوى السياسية الجنوبية - ولا أستثني أياً منها - عجزت عن إبراز قيادات على قدر عال من التأهيل والكاريزما السياسية التي تلفت الانتباه. نعم لدينا مناضلون أشداء ومقاتلون أشد، لكننا مازلنا في عملية البحث عن تلك القيادة التي تستطيع أن يكون لها حضور سياسي يتجاوز حدود الجنوب، تستطيع التخاطب مع العالم بلغة يريد أن يسمعها الآخرون وليست اللغة التي نعيدها ونكررها فيما بيننا وفي حواراتنا السياسية.
وحتى لا نسرف في جلد الذات علينا أن ندرك أن حجم المؤامرة على الجنوب - إقليميا ودوليا - كانت كبيرة، لكنها ليست مبررة لعدم قدرتنا على تجاوز هذا العجز. ساهم في هذا العجز ما نقرأه يوميا في وسائل الإعلام المتاحة من مواقع إخبارية ومنصات تواصل اجتماعي، حيث ينقسم اليوم من يكتب في الجنوب بين حالمين لرؤية جنوب جديد لا علاقة له لا بماض ما قبل 67 ولا بنظام الاشتراكي ولا بوحدة ربع القرن من القهر، وهؤلاء في كثير من الأحيان تشعر أنهم لا يقرأون المشهد الذي يعيشونه بموضوعية، خصوصا حين تشعر أنهم يريدون حرق مراحل كثيرة، وبين ناقمين يعملون بكل ما أوتوا من قوة وإمكانيات على التثبيط والإحباط فقط خدمة لقوى لا تريد للجنوب أن يخرج من هذه الدوامة ورغبة في إبقاء الجنوب تحت هيمنة قوى النفوذ اليمنية ومسار اليمننة السياسية.
وهناك من يجيدون مسك العصا من الوسط و يديرون أمورهم بطريقة المثل الشعبي في شبوة (اللهم جمَل هؤلاء وانصر أولئك)، ينتظرون من ينجح لكي يقولوا لقد كنا معكم، كما يقول الله عزوجل في كتابه الكريم: “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ * أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ”..
بين كل هذه الكتابات والآراء يعيش الشارع في حالة من التخبط وعدم القدرة على استيعاب أيّ من هذه الاتجاهات خصوصا عندما نرى سرعة الانتقالات في المواقف السياسية لبعض من يكتبون حتى أصبحوا ينافسون نجوم كرة القدم في الانتقالات في موسم الشتاء والصيف، فتراهم اليوم يتموضعون في جلباب القائد فلان، وبعد غد في مئزر قائد آخر.
مازلنا بحاجة إلى خطاب سياسي جديد لا يجتر الماضي ورموزه بما لها وما عليها، لأننا نعيش عصرا غير كل العصور السابقة التي مرت بنا، فالزمن اليوم شاب سريع الحركة لا يؤمن بالمتكلين عليه فقط ولا يعين المرتهنين على الآخرين.
* أكاديمي وباحث سياسي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى