الإعلام الرقمي التفاعلي الخصائص والوظائف والتحدّيات(3)

> د. قاسم المحبشي

>
د. قاسم المحبشي
د. قاسم المحبشي
الإعلام الرقمي هو خلاصة الثورة المستمرة التي شهدها ولازال عالمنا الراهن؛ ثورة المعلومات وثورة الاتصالات وثورة الحاسبات الالكترونية والإنترنت الذي وحد كل تلك الإنجازات التقنية في إطار بات يطلق عليه اسم (الإعلام الرقمي) كما سوف نوضح. إذ يمكن تعريف الإعلام الرقمي بوصفه: مجموعة من الأساليب والأنشطة الرقمية الجديدة التي تمكننا من إنتاج ونشر المحتوى الإعلامي وتلقيه، بمختلف أشكاله من خلال الأجهزة الإلكترونية (الوسائط) المتصلة بالإنترنت، في عملية تفاعلية بين المرسِل والمستقبِل. بحيث تكون جميع الوسائل والأدوات المستخدمة في إنتاج المحتوى الإعلامي من صحافة وأخبار وغيرها من الأدوات ومصادر المعلومات هي بشكل رقمي ومخزنة على وسط الخزن الإلكتروني وظهور المرحلة التفاعلية وتتميز بوجود نوع من التحكم الانتقالي من جانب أفراد الجمهور في نوعية المعلومات التي يختارونها، أي ان الفرد يمكن أن يكون رئيسا لتحرير المجلة التي يختارونها، مثل الفيس بوك والمدونات بأنوعها والفديوتيكس والتلفزيون الرقمي، أي أصبح الجمهور مشاركا في وسائل الإعلام بدلا من أن كونه متلقيا في الإعلام التقليدي.
لا شك أن وظائف الإعلام الجديد قد تنوعت واكتسبت أبعادا جديدة، إذ يرصد بعض الباحثين أربع عشرة وظيفة أو مهمة رئيسة أو فرعية لوسائل الاتصال الجديدة وهي: “مراقبة الناس والتعلم منهم، توسع آفاق التعرف على العالم، توسيع التركيز والاهتمام، رفع معنوية الناس، خلق الأجواء الملائمة للتنمية، يساعد بصورة غير مباشرة على تغيير الاتجاه، يغذي قنوات الاتصال بين الأشخاص، تدعيم الحالة الاجتماعية، توسيع نطاق الحوار السياسي، تقوية المعايير الاجتماعية، تنمية أشكال التذوق الفني والأدبي، يؤثر في الاتجاهات الضعيفة ويقويها، يعمل مدرسا ويساعد في جميع أنواع التعليم، وقد وّلد تطور الحاجات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمعات المختلفة”.
من نافل البيان إن خطاب الإعلام الجديد بما هو تعبير عن مجموعة تكنولوجيات الاتصال التي تولدت من التزاوج بين الكمبيوتر والوسائل التقليدية للإعلام، والطباعة والتصوير الفوتوغرافي والصوت والفيديو، قد أحدث ثورة كاملة في عالم الناس الراهن بما يمتلكه من وسائل وأدوات وسائط وطرق جديدة كلية في مجال التواصل والاتصال فعلى صعيد البنية التقنية لمؤسسة الإعلام الجديد يمكن تمييز أربعة عناصر أساسية هي:
أولا: شبكة الإنترنت أو ما يسمى بالشبكة العنكبوتية بمختلف تطبيقاتها بوصفها الملمح الثوري الأبرز في الإعلام الجديد، فضلا عن كونها رمز التجديد والجّدة ليس في مجال الميديا الجديدة فحسب بل وللحضارة الراهن، حضارة الموجة الثالثة كما ذهب الفين توفلر.
ثانيا: الأجهزة المحمولة، الجوالات بمختلف أنواعها وتطبيقاتها بما في ذلك أجهزة قراءة الكتب والصحف.
ثالثا: منصات الإعلام التقليدية بعد أن أعيد تجديدها وتطويرها وتأهيلها بما يتسق مع استراتيجيات الإعلام الجديد ووظائفه وأهدافه ومنها الصحافة والراديو والتلفزيون والسينما والقنوات الفضائية المتصلة بالأقمار الصناعية، إذ بات ربع عدد الأقمار الصناعية (13000) حول العالم في خدمة الإعلام الجديد، حيث بلغ عدد القنوات التلفزيونية الفضائية في العالم حوالي (31500).
رابعا: الإعلام الجديد القائم على منصة الكمبيوتر ويتم تداول هذا النوع إما شبكياً أو بوسائل الحفظ المختلفة مثل الاسطوانات الضوئية وما إليها وتشمل العروض البصرية وألعاب الفيديو والكتب الالكترونية وغيرها.
وهكذا يمكن القول إن الإعلام الجديد وتأثيره اليوم قد بلغ كل مكان يقطنه الإنسان في كوكب الأرض عبر ومن خلال شبكة هائلة من الوسائط والطرق والأدوات والقنوات المتزايدة التطور والاضطراد بوتيرة متسارعة بما تتسم به من خصائص وسمات بالغة الجدة والحداثة منها:
1 - الحرية الإعلامية: بمعنى حق كل فرد إنساني وحريته في امتلاك القدرة الإعلامية واستخدمها بكل الوسائط الممكنة بدون رقيب أو حسيب، وبذلك سقطت نظرية (حارس البوابة) التي سادت مجال الإعلام التقليدي في العصور الحديثة، إذ بات بإمكان الأفراد التعبير عن ذواتهم وأصواتهم في الفضاء التواصلي العام بوصفهم فاعليين إيجابيين، وليس مجرد متلقين سلبيين.
2 - التفاعلية: بمعنى القدرة على الاستجابة أو المبادرة التي يقوم بها المستخدم مقارنة بما يقدمه المصدر، على عكس الإعلام التقليدي، حيث كان المستهدفون غير فاعلين بل مفعول بهم، كمتلقين سلبيين للرسائل الآتية من المرسل، مع الإعلام الجديد وشبكات التواصل الاجتماعي انتقل المستهدفون إلى فاعلين إعلاميين ومتفاعلين إيجابيين، في عملية حوارية تبادلية حية ومباشرة، كما هو الحال في عملية المحادثة المباشرة بين الأشخاص وجه لوجه.
3 - اللاتزامنية: بمعنى تحرر الفاعلين الإعلاميين من السياق الزمني المحدد سلفا إذ بات بمستطاعهم التفاعل مع العملية الاتصالية في الأوقات المناسبة لهم وبحسب ما تقتضيه حاجاتهم وظروفهم، سواء كانوا مستقبلين أو مرسلين.
4 - المشاركة والانتشار: بمعنى ما ينطوي عليه الإعلام الجديد من ممكنات وآفاق واسعة للمشاركة والانتشار في بث ونشر وتبادل المنشورات على أوسع نطاق من المستهدفين الاجتماعيين لأي فرد يمتلك الوسائط والأدوات الإعلامية الجديدة، حتى وإن كانت بسيطة.
5 - الدينامية والمرونة: بمعنى القدرة على الحركة والسرعة والتحديث والتبديل والتحويل وادماج المواد المنشورة في أكثر من وسيلة وطريقة (النصوص، والصوت، والصورة الثابتة، والصورة المتحركة، والرسوم البيانية ثنائية وثلاثية الأبعاد) فضلا عن قدرة الأفراد على ممارسة فعل التواصل والاتصال من أي مكان كانوا وأثناء حركتهم عبر التليفون المحمول، تليفون السيارة، التليفون المدمج في ساعة اليد، آلة تصوير المستندات وزنها عدة أوقيات، وجهاز فيديو صغير، وجهاز فاكسميل، وحاسب آلي نقال مزود بطابعة.
6 - العالمية: بمعنى أن الإعلام الجديد يفعل في فضاء تواصلي عالمي عابر للثقافات واللغات والمكان والزمان.
7 - الحفظ والتخزين: يتيح الإعلام الجديد للفاعلين الاجتماعيين القدرة على حفظ وتخزين منشوراتهم او مستندات غيرهم واسترجاعها متى شاؤوا، في وسائط متنوعة وفعالة.
8 - التربية والتعليم: إذ أتاحت وسائط الإعلام الجديد لكل المستهدفين من مختلف الشرائح الاجتماعية والفئات العمرية إمكانية التعلم والتعليم والتدريب والتثقيف الذاتي عبر ومن خلال البرامج والمنشورة التي تضخها على مدار الساعة، وهذا ما يسميه اولفين توفلر بـ(تحول السلطة).
وهناك عدد واسع من الأبعاد والممكنات التي ينطوي عليها الإعلام الجديد لا يتسع المجال لحصرها، بل نكتفي بالاتفاق مع فرانك كيلش، إن ثورة الانفوميديا قد غيرت العالم وغيرت حياتنا معه.
إذ ان التغيرات المتسارعة في مختلف مناحي حياتنا الراهنة قد جعلت كثيرا من اعتقاداتنا ومفاهيمنا عن الحياة والتاريخ والعلم والحضارة وعن التربية والتعليم التقليدية موضع تساؤل: إذ كيف نعلّم التلاميذ بينما هناك نظريات ومناهج وموضوعات يكون قد عفا عليها الزمن قبل أن يترك التلاميذ مقاعدهم في المدرسة؟!.
وفِي هذا يرى أحد علماء التربية الأمريكان: “أننا نعيش لحظة تاريخية فارقة تجعل التغييرات في نفوس وأذهان الأشخاص عاجزة عن ملاحقة سرعة التغيرات الاجتماعية والثقافية والعلمية والاقتصادية والإعلامية المتسارعة في العالم المعولم الذي يشهد انفجار الثورة العلمية والتقنية الرقمية على نحو لم يسبق له مثيل من آدم حتى الآن”، بمعنى أن العلاقات والأفعال والممارسات والأشياء والمعارف العلمية والقيم التربوية في عصر انكماش الزمان والمكان عصر العلم والميديا الجديدة تعيش حالة من التغيير والتبدل بوتيرة متسارعة في بضع ساعات فقط، ومن بين كل مجالات الحياة التي تشهد متغيرات عاصفة يأتي الإعلام والإعلام الجديد في المقدمة.
وأن العالم بوجود الإعلام الجديد لم يعد يدار بالأسلحة أو الطاقة أو المال، بل إنه صار يدار بالأرقام والرموز الصغيرة… وأن هناك حربا تحدث الآن… إنها ليست من يملك رصاصاً أكثر أو أسلحة فتّاكة، إنها حول من يسيطر على المعرفة بمعناها الواسع، علم ونظريات ومناهج ومعلومات وثقافة وإعلان وأخبار: ماذا نسمع أو نرى، كيف نقوم بعملنا؟ وكيف نفكر؟ فماذا يمكننا قوله للعالم؟ وماذا نمتلك من طاقة معرفية علمية مفيدة قادرة على المنافسة؟
ختاماً نقول: إن الإعلام الجديد وأدواته وخصائصه المتزايد النمو والاتساع في الفضاء الرقمي بات سيفا ذا حدين؛ إذ بقدر ما لهذا النجاح من آثار إيجابية على تقديم وإيصال المعارف دون حواجز ودون قيود، بقدر ما له العديد من الآثار السلبية على حياة المجتمعات المستهلكة التي لا تمتلك ثقافة علمية وتقنية راسخة للتعامل مع قيم وأدوات العلم والتقنية المعاصرة.
* نائب عميد كلية الآداب لشؤون الطلاب - جامعة عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى