الرئيس علي ناصر محمد في حوار صحفي مع "الأهرام العربي":الانفصال رهن تعقيدات جنوبية ورغبات دولية وليس بالحوثي وصالح

> «الأيام» عن «الأهرام العربي»

> في حوار مع مجلة «الأهرام العربي»، فتح الرئيس اليمني الأسبق علي ناصر محمد الملفات الساخنة في المشهد اليمني، وفجر العديد من القضايا المسكوت عنها، وكشف عن المعلومات والمفاوضات السرية التي تدور بين الأطراف المختلفة، وقال رئيس جنوب اليمن الأسبق إن الحل السياسي هو الوحيد لإخراج اليمن من هذه الأزمة، وذلك بإبعاد كل القيادات الحالية من الطرفين عن المشهد الحالي، والعودة لاتفاق القاهرة، الذى ينص على وجود إقليمين شمالي وجنوبي، وأضاف أن الرئيس علي عبدالله صالح لا يمكن أن يعود مرة أخرى للسطة، لافتا النظر إلى أن هناك أمراء حرب يرفضون إنهاء الحروب اليمنية، وأنه نصح الحوثيين بتأسيس حزب سياسي، وعدم الاقتراب من الحدود السعودية، مؤكداً أن التهديد للملاحة الدولية قائم، داعيا لوضع آلية لتنفيذ أفكار الوسيط الدولي إسماعيل ولد الشيخ، منوهاً بأن الجنوب غير مستقر، والدليل على ذلك غياب الرئيس والمحافظ الجديد عن العاصمة المؤقتة.. وهذا نص الحوار:
* بمناسبة مرور 3 سنوات على سيطرة الحوثيين على صنعاء، هل تعتقد أن سيطرتهم بالتعاون مع علي عبدالله صالح ستستمر كثيراً على الحكم؟
- من المفيد القول بادىء ذي بدء إن سيطرة الحوثيين وعلي عبدالله صالح ليست سيطرة طارئة.. بمعنى أن علي عبدالله صالح حكم النظام فى صنعاء منذ 1978 وحكم اليمن الموحد منذ 1990 حتى قيام ثورة الشباب فبراير 2011 والاتفاق على المبادرة الخليجية التي منحته حصانة ونقلت السلطة لنائبه عبدربه منصور هادي.. وتوالت الأحداث بعد تلك العملية المفصلية.. أما الحوثيون فلم يكونوا حكاما بل كانوا محكومين بالحديد والنار من قبل نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي تحالف معهم اضطراريا قبل وبعد عاصفة الحزم، وكانت قد اندلعت ست حروب عليهم من قبل الدولة منذ صيف 2004 وحتى 2010 تقريبا.
الحوثيون “أنصار الله” سيطروا على صنعاء، حين توافرت لهم الفرصة وعملوا بنفس طويل وشاركوا الانتفاضة الشعبية ضد النظام، ولم يشاركوا في مفاوضات الكواليس التي أفضت إلى المبادرة الخليجية وانتظروا الفرصة السانحة، وذلك حينما أعلنت السلطة في صنعاء الجرعة السعرية في 2014، واستثمرها الحوثيون أنصار الله برفع شعار إسقاط الحكومة وإسقاط الجرعة وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وهو الحوار الذي شاركوا فيه واعترضوا على بعض مقرراته أو بعض ما صدر على هامشه، خصوصا موضوع الأقاليم الستة التي تسلب إقليمهم الإطلالة على البحر حسبما يمكن فهمه من الاعتراض، وكان ثمة معترضون آخرون على الأقاليم الستة بما فى ذلك ما سمي بإقليم آزال (صنعاء) وتيارات جنوبية ترفض فكرة اليمن الاتحادي، أو لا تحبذ تقسيم الجنوب إلى إقليمين في سياق ذلك المشروع.
وعودة لجواب سؤالكم بأنه وفقا لما ذكرته آنفا باختزال واختصار، فإن سيطرة الحوثيين بعد دخولهم صنعاء تمت بتواطؤ حكومي أو بسوء تقدير للعواقب، وباتت سيطرتهم التي بدأت بالتقارب مع معارضي النظام، ثم في النهاية بالتحالف مع علي عبدالله صالح أمرا واقعا.
أما طول استمرار سيطرتهم من عدمه، فهو مرهون بمدى ما سيفرضه الواقع الميداني العسكري من جانب، وما يمكن توخيه من الجانب السياسي والحلول الممكنة من جانب آخر فيما لو جرى الضغط على مختلف الأطراف لإحلال السلام عبر اتفاق لا يزال غير واضح المعالم وغير ذي أفق حسب المعطيات الراهنة، ولا يزال المجتمع الدولي ممثلاً بمبعوثه الأممي السيد إسماعيل ولد الشيخ، يحاول اجتراح حل سلمي إلا أن النتائج لا تزال جراحاً، لأن تجار الحروب لا يريدون نهاية لهذه الحرب والذى يدفع الثمن هو الشعب فى اليمن شمالا وجنوبا.
* كيف ترى موازين القوى على الأرض، الشرعية تقول إنها تسيطر على 80 % من اليمن، والحوثيون يؤكدون أنهم يسيطرون على المناطق الأهم؟
- موازين القوى لا يحكمها البعد الجغرافي فقط، فما هو تحت سيطرة السلطة الشرعية لا شك أنه الأكبر جغرافياً.. لا ننسى أن الجنوب مساحته أوسع من الشمال وأن الشمال يتمتع بأكثرية سكانية.. العاصمة صنعاء ومدينة الحديدة بيد الحوثيين وأنصار صالح.. وتعز لا تزال محل نزاع وحرب ضروس، وهى تمثل مساحة كبيرة من جهة وكثافة سكانية هى الأكبر بين المحافظات على الإطلاق.. الأهمية ذاتها ليست ذات صلة بالحجم الجغرافي، فهناك مأرب خرجت عن سيطرة الحوثيين وتتشكل اليوم كإقليم مستقل وتحظى بالدعم الخارجى وتمتلك ثروة نفطية وموارد مختلفة، لكنها فى المقابل لا تبدو منسجمة مع عدن مع أنهما تواليان الشرعية.. إنها مشكلة بنيوية عميقة لأن ثمة شرخا يعبر عن حالة غير متوازنة يعيشها اليمن بسبب العديد من التراكمات التاريخية (والتدخلات الخارجية) وتجعل مثل هذه الأحكام غير ذات معنى، وتدفع بالمجتمع الدولي للبحث عن معالجات تضمن استقرارا نسبيا لهذا البلد الذي يشرف على باب المندب كموقع استراتيجى هو الأهم على الإطلاق في المنطقة.
* ما رؤيتكم لأسباب الصراع الحالي وهل هي نتاج خطايا علي عبدالله صالح فقط؟
- الصراع على السلطة هو أساس المشكلة اليمنية، هذه الحقيقة التي كان آخرها محاولة صالح توريث نجله حكم اليمن في بلد جمهوري وحدوي (تصفير العداد كما يقال) فضلا عن إقصائه للجنوب الذي كان دولة وشعبا، والحروب التي افتعلها خلال فترة حكمه وانقلبت وبالا عليه .
* كيف ترى الدور الإيراني في اليمن، وهل النفوذ الإيراني قوي للدرجة التي يتحدث فيها البعض عن سيطرة إيران على العاصمة العربية الرابعة؟
- إيران مثلها مثل اللاعبين الآخرين في المنطقة واليمن جزء من هذه المنطقة، لاسيما وأنها لصيقة جغرافيا وتاريخيا وسياسيا بغريمتها المملكة العربية السعودية.. إيران تبدو مستفيدة من الصراع في اليمن أكثر منها متورطة، فلا نرى لها في الأرقام (الخسائر العسكرية والمدنية والإنسانية والمالية) أي حضور.. نراها متورطة إعلاميا (مع تقديم دعم معنوي وخبرات واستشارات) في الأساس، وهذا يعني أنها مستفيدة وغرماؤها غارقون في محنة.. إنها لعبة الأمم البسيطة والمركبة، لاسيما حينما يكون اللاعبون المحليون لايرون أبعد من أنوفهم.. فمثلاً كانت المناورات التى أجراها الحوثيون على الحدود السعودية خطأ كبيرا يتماهى مع اللعبة.. وللعلم فقد نصحت هذه الجماعة أقصد أنصار الله الحوثيين مبكرا بتشكيل حزب سياسي.. وعندما سيطروا على السلطة نصحتهم بعدم الاقتراب من أربعة محظورات: عدم الاقتراب من الحدود مع السعودية، عدم الاقتراب من عدن والجنوب، عدم الاقتراب من باب المندب وطريق الملاحة الدولية، وعدم المساس بشرعية الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، ولم يستفيدوا من النصائح الأربع ويحصدون نتائج إصرارهم على هذه الأخطاء.
* كيف ترى مشروع الحوثيين هل هو مشروع طائفي سلالي أم أنه مشروع سياسي ويمكن احتواؤهم سياسياً؟
- هو مشروع لم يتحول بعد إلى عمل واضح لنحاكمه كليا، وكان الأفضل أن يشكلوا حزبا سياسيا ليكون منصة لظهورهم كأفكار ومعتقدات ويحاكمها الناس، لكنه كمشروع أظهر الكثير من العلامات كونه خليطا، بمعنى أنه يتكىء على الأيديولوجي لنيل السياسي، وأنه ربما يخشى الدولة التي عنفته ويريد أن يلوي عنقها كثأر تاريخي.
* هناك من يقول إن جنوب اليمن سينفصل صباح اليوم التالي لحل مشكلة الحوثيين، هل تتفق مع هؤلاء؟
- لا أتفق مع ذلك، فالانفصال في الجنوب لم يعد رهنا لحالة الحوثيين وصالح، بل لتعقيدات ذاتية وموضوعية جنوبية خالصة في جزء منها وأيضا لرغبات إقليمية ودولية.
* هل تعتقد أن القضية الجنوبية ستظل جرحاً في الجسد اليمني أم أن نظام الأقاليم الستة يحل هذه الإشكالية؟
- بالإمكان ألا تظل جرحاً نازفاً وقد توافرت فرص تاريخية لعدم تغولها، ولم يستفد منها الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وكذلك لم يفعل خلفه الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي الذي يصر على مشروع الأقاليم الستة، برغم الحرب على خلفيتها أو لكونها أحد أسبابها، وبالرغم من أنها لا تحظى بإجماع كامل ومرفوضة من تيارات جنوبية (واسعة) كما أشرنا آنفاً، وعليه، فإن الحوار كان وسيبقى المدخل الحقيقي لحل القضية الجنوبية، ولا نزال نتمسك نحن بمخرجات مؤتمر القاهرة 2011 بدولة اتحادية من إقليمين بحدود العام 1990م لفترة مزمنة يتفق بشأنها مع كل الأطراف.
* هل القرار 2216 قابل للتطبيق أم أننا نحتاج لأفكار جديدة خارج مخرجات الحوار الوطني؟
- القرار 2216 لو كان قابلاً للتطبيق أو للنقل ولو كانت ثمة قوة حقيقية تكفل تطبيقه لكان قد حدث ذلك، وهناك قرارات أممية لم تطبق ومرت عليها عقود من بينها ما يخص اليمن إبان حرب صيف 1994م، وهناك قرارات تاريخية بخصوص القضية الفلسطينية ذهبت أدراج الرياح وغيرها وغيرها. ما يميز القرار 2216 بشأن اليمن أنه يصدر ضمن الفصل السابع للأمم المتحدة إلا أن فصولاً سبعة عاشها ويعيشها اليمن، تثبت أن التوافق الوطني أقرب إلى التطبيق من الحلول الخارجية بما في ذلك المستندة إلى الشرعية الدولية التي نطالب باحترامها كمرجعية في النزاعات حول العالم.
* أوضاع المناطق المحررة خصوصا في الجنوب هل تؤشر إلى استقرار اليمن بعد انتهاء الأزمة الحالية؟
- ما ينقله المراقبون المحايدون من سياسيين (ومتابعين) ميدانيين وحقوقيين وصحفيين يقول إن مؤشرات الاستقرار تكاد تكون منعدمة، وأن بؤر التوتر تتنامى، وهو عين ما حذرنا منه قبل اجتياح قوات الحوثي - صالح لعدن وبعدها، لاسيما أن الجماعات المتطرفة استغلت ظروف الحرب واستفحلت، كما أن انعدام الخدمات الأساسية لا يزال عنوانا لشكاوى عدن والجنوب، إضافة إلى عدم التمكن من السيطرة بقيادة موحدة فى ظل التنازع بين الفصائل، وما حدث ويحدث علناً من صراع بين القيادة برئاسة هادي وبعض الأطراف الأخرى، ولعل غياب الرئيس والمحافظ الجديد الأستاذ الشيخ عبدالعزيز المفلحى عن عدن يعبر عن تعقيدات الوضع هناك، وبالملخص لا توجد مؤشرات استقرار بالمعنى التام.. هناك متغيرات يومية تؤثر على الواقع، وهذا يعني أن الاستقرار بعيد المنال ما لم يوجد حل سياسي للأزمة في اليمن شمالا وجنوبا.. على الأقل في المدى المنظور.
* هل تتفق مع الرأي القائل بأن حل الأزمة في اليمن يكمن في رحيل الرئيس علي عبدالله صالح عن اليمن، وهل يمكن أن يتحقق ذلك؟
- أنا دعوت صالح إلى مغادرة المشهد مبكرا وقلت له بأن (خسارة) السلطة ليست نهاية الحياة، كان ذلك عندما أعلن عدم ترشحه للرئاسة مجددا فى العام 2005، ولكنه عاد عن قراره إلى أن جاءت رياح التغيير بدءا من الحراك الجنوبي 2007 مرورا بثورة الشباب 2011 وصولا إلى الحرب الراهنة والقائمة منذ 2014 بدخول الحوثيين صنعاء إلى 26 مارس يوم انطلاق عاصفة الحزم 2015.
* هل يمكن أن يعود صالح رئيساً مرة أخرى كطريق للحل؟
- لا أعتقد ذلك مطلقاً كما أكد ذلك بنفسه.
* ما نظرتكم للخلافات بين صالح والحوثيين، هل هو صراع تكتيكي مرحلي أم أنه صراع أيديولوجي وخلاف قديم؟
- هو صراع كامن (وثارات وتحالفات تكتيكية) تدركه القوى في الشمال أكثر بحكم طبيعة المجتمع هناك المختلفة عما عرفه الجنوب.
* هل يمكن أن تتطور الأوضاع في اليمن بما يهدد الملاحة بشكل أكبر على البحر الأحمر؟
- التهديد للملاحة الدولية قائم حالياً والضغط الدولي باتجاه الحل السياسي يستند إلى خطورة ذلك، ولن يسمح المجتمع الدولي بتنامي هذا الخطر حتى لو كان على حساب شركاء وحلفاء إقليميين للقوى العظمى المؤثرة على القرار الدولي.
* ما رؤيتكم للأفكار التي قدمها المبعوث الأممي ولد الشيخ عن تسليم ميناء الحديدة لجهات محايدة مقابل فتح مطار صنعاء؟
- نحن ندعم مساعي الحل السياسي في اليمن، بما في ذلك أفكار السيد اسماعيل ولد الشيخ حول الحديدة وفتح مطار صنعاء، ولكننا نعتقد بأنها لا تزال بحاجة إلى دراسة معمقة لآليات تطبيقها فيما لو وافقت الأطراف المعنية، ولكن الحل من وجهة نظرنا هو حل سياسي شامل للأزمة، وهذا ما تحدثنا عنه أكثر من مرة مع جميع الأطراف ومع المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ.
وما يجري اليوم يذكرنا بحروب الملكيين والجمهوريين فى الستينيات وفشل كل المساعي السلمية حينها بما في ذلك مؤتمر (حرض) بين الملكيين والجمهوريين والذي استمر لأكثر من أسبوعين، وهم يناقشون جدول الأعمال وانفض المؤتمر واتفقوا على ألا يتفقوا، لأن تجار الحروب كانوا لا يريدون نهاية لهذه الحرب، إلى أن حسم مصير الحرب الرئيس جمال عبدالناصر والملك فيصل في مؤتمر الخرطوم عام 1967 دون علم الطرفين المتصارعين في الحرب، وعندما يتفق الكبار يدفع الصغار ثمن حماقاتهم وأحيانا عمالتهم.
*ما مقترحاتكم لحل الأزمة اليمنية والسيناريوهات الأقرب لهذا الحل؟
- لقد أجريت اتصالات ومشاورات مع كافة الأطراف المحلية والإقليمية والدولية تقدمت بعدها بمبادرة تضمنت النقاط التالية:
العمل على وقف إطلاق النار بالتنسيق والتعاون مع الدول الإقليمية والأمم المتحدة، وتشكيل لجان عسكرية للإشراف على وقف إطلاق النار، وتشكيل مجلس رئاسي مؤقت حتى تجري الانتخابات لاختيار قيادة جديدة ودستور جديد، وتشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية، واستبعاد العناصر الأساسية المتسببة في الحرب من الطرفين من أي مناصب رسمية خلال المرحلة الانتقالية، وسحب السلاح من كل الأطراف والأحزاب وتسليمها إلى وزارة الدفاع، لأن اليمن بحاجة إلى رئيس واحد وحكومة واحدة ووزير دفاع واحد، والاحتكام إلى صندوق الانتخابات في المرحلة المقبلة، والتواصل مع كل القوى السياسية اليمنية والإقليمية والدولية للعودة إلى الحوار اليمني - اليمني في المكان والزمان الذي يتفق عليه بين جميع الأطراف، والتأكيد على قيام دولة اتحادية من إقليمين بحدود 21 مايو 1990 لفترة مزمنة.
حاوره/ أيمن سمير

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى