صفحات من نضال المقاومة الجنوبية ضد المستعمر البريطاني (4) المناضل أحمد يوسف النهاري: بدأنا النضال ضد المستعمر منذ عام 1957م وكانت النقابات العمالية قاعدة شعبية كبيرة

> كتب/ علي راوح

> توطئة
عبر كل السنوات التي مرت منذ غزو المستعمر البريطاني للجنوب في 19 يناير 1939م، واصل شعبنا الجنوبي نضاله وكفاحه ضد الغزاة المستعمرين، وهو كفاح ونضال شاق وطويل تكلل بنيل الحرية وتحقيق الاستقلال وقيام الدولة الوطنية في الـ 30 من نوفمبر 1967م.
لكن ما تزال هناك صفحات منسية لملاحم بطولية قدمها الكثير من المناضلين بدءاً من يوم الـ 19 من يناير 1839م وحتى تحقيق الاستقلال والحرية لشعب الجنوب.
هناك أبطال قدموا أرواحهم رخيصة من أجل الوطن، ولم يكن هدفهم الكسب المادي أو الوصول إلى السلطة، بل ناضلوا وكافحوا من أجل هدف وحيد وهو تحرير الوطن ونيل الحرية لشعب الجنوب، ذلكم الهدف السامي والغالي لكل الشرفاء من أبناء الجنوب،
أبطال يجب علينا ذكر مآثرهم البطولية وتوثيقها بأحرف من ذهب.
هناك رجال سطروا أروع ملاحم البطولات والفداء في سفر مسيرة النضال الوطني التي كان من ثمارها تحقيق الاستقلال الوطني، وجلاء الاستعمار البريطاني عن جزء غالٍ من وطننا الحبيب في الـ 30 من نوفمبر 67م.
ونتناول هنا المناضل أحمد يوسف النهاري، والذي بدأ نضاله ضد المستعمر منذ العام 1957م ضمن مجموعة من الشباب المتحمسين لقضية الوطن ومنهم حسين باوزير، محمد سعيد غالب، عبدالقادر فروي، محمد عبده نعمان، عبده خليل، الذهب، سلام الرعدي، عبدالمنان ثابت، وهؤلاء من المعلا والتواهي.. ومجموعة من كريتر أمثال:الأصنج، محمد سالم علي، علي ناجي، محمد زليخي، محمد ياسين وعلي عثمان، ومن أبناء الشيخ عثمان: محمد مسواط، عبدالعزيز باوزير، إدريس حنبلة، وآخرون.
*تشكيل الجبهة الوطنية المتحدة
بدأ المناضل أحمد يوسف النهاري مع أولئك الشباب بدراسة كيفية قيام العمل الوطني وكيف ومع من يتعاملون؟، وتم تكليف محمد سعيد غالب وحسين باوزير بالتنسيق مع الشباب الوطنيين، وتم اللقاء بالمجموعات من التواهي وكريتر والشيخ عثمان، وتم الاتفاق على تأسيس الجبهة الوطنية المتحدة، وكانت أول انطلاقة أواخر العام 54م، ومن ثم العام 55 / 1956م، وكانت لديهم صحيفة أسموها صحيفة (المظلوم) يرأس تحريرها الأستاذ سعيد الجريك، كانوا يكتبونها باليد ويوزعونها على المحلات التجارية (الدكاكين).
واعتمدت الجبهة الوطنية المتحدة على قاعدة عريضة من الشعب وتم تشكيل عدد من النقابات والتي تشكل فيها المؤتمر العمالي، وقاد الأستاذ محمد عبده نعمان الانتخابات. ثم تغير اسم الجبهة الوطنية إلى حزب الشعب الاشتراكي الذي انضمت إليه الدفعات المتخرجة من بريطانيا أمثال: سعيد صبحي، فؤاد بارحيم، أشرف خان، محمد مرجان، ومجاميع أخرى، كما انضم محمد مرشد ناجي، ناصر عرجي، وكان المناضل أحمد يوسف النهاري يعمل لدى شركة (لوكتامس) وانتخب في النقابة وكانت مهمته توعية الشباب، واستطاع أن يوزع الحس الوطني فيهم. ومن نادي الجزيرة بالمعلا تخرج عدد من النقابيين، حيث كان يتردد عليهم محسن العيني وآخرون.
*مقاطعة المجلس التشريعي
يقول النهاري في عدة لقاءات أجريتها معه:
وكنا قد نظمنا مسيرة كبرى لمقاطعة انتخابات المجلس التشريعي وبدأنا بالمسيرة من التواهي ثم المعلا وكريتر والشيخ عثمان ومن ثم توجهنا إلى البريقة، وهناك جمع عبد علي عبيد عمال البريقة وسجل محمد مرشد ناجي أنشودة وطنية بعنوان (قاطعوا الانتخابات يا شباب) وأتذكر في إضرابات «لوكتامس» أن الإنجليز أطلقوا علينا النار من شرطة التواهي وكنت أنا وعلي محسن مريسي وعباد أحمد واستشهد منا أحد الشباب واستمررنا في الإضراب.
*الزحف على المجلس التشريعي
وفي 24 سبتمبر 1962م شاركنا مشاركة فعالة في الزحف على المجلس التشريعي، وتعرضنا للرصاص والقنابل المسيلة للدموع، وأصيب العديد من مناضلينا، وبعد يومين جاء الخبر المفرح بقيام ثورة 26 سبتمبر 62م، وساهم المؤتمر العمالي بجمع الشباب وإرسالهم إلى صنعاء للدفاع عن الثورة. وفي ديسمبر 1962م أرسلنا وفداً للتفاوض مع القيادة المصرية في تعز وطلبنا تشكيل جبهة في الجنوب ولكن حينها كانت الجهود متجهة نحو تثبيت النظام الجمهوري في الشمال ولم يوافقوا.
وفي عام 1963م تفاجأنا بخبر عبر صحيفة مصرية أنه تم تشكيل جبهة، بعد أن استدعي قحطان الشعبي وكل من سيف الضالعي وفيصل عبداللطيف وأولاد السلامي وعبدالباري قاسم وآخرون لتأسيس الجبهة القومية، وقيل إن هؤلاء منتمون إلى حركة القوميين العرب، ولكن لم تكن لهم قاعدة شعبية، فتم دعمهم بمجاميع من الجنوبيين الذين تدربوا عسكرياً في مصر وطعموا الجبهة ببعض الشخصيات.
*صراع الدمج
حينها أدركنا أن نضالنا الطويل الذي قدمناه منذ الخمسينات وما حققناه من تفعيل لقضية الجنوب سوف يضيع، فاجتمعنا وقلنا لابد من عمل شيء، وتم تشكيل منظمة التحرير، ولعب الأصنج دوراً كبيراً وجمع عدداً من أبناء الجنوب أمثال: عبدالله عيدروس وجعبل بن حسين. وفي 13 يناير 1966م حصل الدمج بين التحرير والقومية، ودار نوع من الصراع حول تسمية الجبهة واتفق على أن تكون (جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل) بقيادة مشتركة، وباركنا وحدة الصف الوطني، وسارت الأمور حتى بداية 67م، وبدأ الصراع، فقمت أنا بإنزال بيان باسم نادي الجزيرة شجبت فيه أي صراع بين المناضلين، ثم حدث الخلاف بين النقابيين، وكان لبريطانيا دور كبير في هذا الانشقاق والصراع الذي تعمق بين الجبهتين، وكنا حريصين نحن في جبهة التحرير على ألا يتحول هذا الصراع إلى صراع مسلح، ولكنهم بدأوا بقتل علي حسين القاضي رئيس المؤتمر العمالي، واستمر الخلاف فعقدنا اجتماعاً في الاسكندرية بين ممثلينا وممثلين من الجبهة القومية، وطرحنا عليهم توحيد الصف بدلاً من توجيه السلاح إلى صدور بعضنا البعض، فيتم توحيد القوى الوطنية ونذوب في إطار جمهورية يمنية واحدة، فرفضوا هذا الطرح بينما نحن نادينا بالوحدة منذ 1955م، وكان لا فرق بين شمالي وجنوبي، بعد ذلك اكتشفنا مخططاً باغتيال العناصر البارزة في جبهة التحرير، وكانت القائمة تشمل تصفية عبدالرحيم قاسم العمودي وسعيد محمد حسن، وكان وراء ذلك عبد الهادي شهاب الرجل الثاني في الأمن البريطاني الذي شكل فرقة أسماها مكافحة الجريمة، وتم اغتيال عبدالرحيم قاسم العمودي، فاضطررنا إلى تهريب الباقين إلى الخارج، وحينها كنت مسئولاً عن منطقتي المعلا وخور مكسر فتحملت أيضاً مسئولية التواهي بعد مغادرة ملهي، ووصلت إلينا معلومات أن جماعة الجبهة القومية مخططون للنيل منا، فوضعنا لهم كميناً واعتقلنا عدداً منهم في الحواشب ونقلناهم إلى تعز ثم تم نقلهم إلى صنعاء، واكتشفنا أنه تم تهريبهم إلى القاهرة.
*تصعيد الموقف بين المتصارعين
بعد ذلك اجتمعنا في تعز مع وفد من الجبهة القومية، وكنت أنا وعلي السلامي وباسندوة، فقلنا لهم أنتم تقولون إنكم ممثلون شرعيون ونحن نقول كذلك، فلماذا نوجه سلاحنا إلى صدور بعضنا؟!، دعونا نشرك جميع القوى الوطنية، فقالوا لا يمكن، وحدثت المصادمات في دار سعد وقتل من الجبهة القومية حوالي أربعة أشخاص، فاستغلوا الوضع وجهزوا عشر جنازات ونقلوها إلى مودية ولودر ودثينة وحرضوا المواطنين بأن أصحاب عدن قتلوا أبناءهم بهدف زرع الحقد والفتنة والتفرقة، لكننا استمررنا بالتفاوض معهم، ونزل كل من قحطان الشعبي وعبدالفتاح إسماعيل وسيف الضالعي إلى عدن، وتغدوا في منزلي وحاولنا إقناعهم بوحدة الصف فكان ردهم أنهم سينزلون إلى الضالع لإقناع المجاميع التابعة لهم.
وأضاف النهاري: نحن صعدنا قضية الجنوب في الخارج وتبنت القضية لجنة تصفية الاستعمار، وكان لنا مكاتب في القاهرة ودمشق وبغداد والجزائر، وأرسلنا العديد من الشباب للدراسة على حساب حزب الشعب الاشتراكي.
*اقتحموا مكتبي وحاولوا اعتقالي
وفي نوفمبر 1963م جاءت لجنة تصفية الاستعمار ومنع أي شخص من مقابلة اللجنة، وبحكم أنني عضو في مجلس الحكومة المحلية (بلدية عدن) شكلت وفداً من المناضلين وقابلنا اللجنة، ويومها قامت القوات البريطانية باقتحام مكتبي، ومن حسن حظي أنني كنت خارج المكتب وأخذوا عدداً من الشعارات التي كنا نقوم بكتابتها، وشعرت أنهم متوجهون إلى منزلي لاعتقالي فغادرت ليلاً إلى دار سعد بصحبة علي محسن مريسي وعبدالرحمن باوزير ومعنا شباب يقومون بحراستنا، ومن ثم غادرت إلى تعز.
*مفاوضات لندن
وفي عام 1965م تم التفاوض في لندن بحضور ممثلين من الأمم المتحدة ولجنة تصفية الاستعمار وحضر مندوبون من حزب الرابطة والسلاطين ومن حزب الشعب الاشتراكي، وكنت أنا وزميلي عدنان كامل مراقبين، واتفق في هذا الاجتماع بأنه سيتم منح الاستقلال للجنوب في إبريل عام 1968م.
كتب/ علي راوح

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى