في معركة الخط الثاني بردفان استبسل الثوار فوصفهم الاحتلال بـ«الذئاب الحمر» !

> تقرير / رائد الغزالي

> مثلت ثورة الرابع عشر من أكتوبر التي تفجرت من جبال ردفان العام 1963م بقيادة الشهيد راجح غالب لبوزة ومعه رجال أبطال نقطة تحول تاريخية وملحمة وطنية كان ثمرتها وطن أعيد إلى أبنائه من قبضة الاحتلال البريطاني الذي جثم على صدر الجنوب 129 عاماً.
ونحن نعيش الذكرى الرابعة والخمسين والفرحة التي تعم محافظات ومديريات الجنوب ورغم صعوبات الأوضاع المعيشية وتعليق المرتبات وتصاعد رقعة الاحتجاجات المطالبة بقلع الفساد وتغيير نهج سياسات الإقصاء إلا أن ذلك لم يثنِ شعب الجنوب عن حب وتقدير ثورة الأجداد الذين أعادوا للشعب هويته وكرامته وأوجدوا تاريخاً ومجداً لا يمحى.
هنا تناولت «الأيام» جانبا مما حدث في يوميات الثورة الأكتوبرية والكفاح المسلح، وكان ذلك جزءا من التاريخ وذكريات الثورة.
*تقسيم الكفاح المسلح في ردفان
سلطنا الضوء بهذه الذكرى على استشهادات حية أوردها كتاب “جزء من التاريخ” للمؤلف المناضل الفقيد الشيخ صالح علي الغزالي، رحمه الله، الذي صدر في سنة 2010م عن الهيئة العامة للكتاب، وتحدث فيه المناضل عن مراحل الكفاح المسلح في فترة الثورة مجتهداً ومسترجعاً بما استطاعت أن تقوله ذاكرته من حقائق هذه المراحل وهي:
المرحلة الأولى من 14 أكتوبر إلى نهاية إبريل 64م والمرحلة الثانية من نهاية إبريل إلى نهاية 1964م وكانت المرحلة الثالثة من عام 1965م والمرحلة الرابعة من عام 66 - 67م.
ونحن في إعدادنا لهذا التقرير سنتناول مع ما تعيشه بلادنا من ذكرى الأعياد الوطنية، وفي هذه الذكرى الرابعة والخمسين لثورة أكتوبر موقفاً وحدثاً شهدت فيه معارك ضد القوات البريطانية (a great Britain) ومما قاله صاحب هذا الكتاب: توقفوا ستة أيام، وهو يقصد بذلك القوات البريطانية عند اجتياحها لردفان، وكان اتجاههم الخط الأول وهو وادي تيم، والخط الثاني هو نقيل الربوة وجبال البكري والحجيلي حتى بلوغ جبال القطيبي نحو دبسان، والخط الثالث الحبيلين مركز ردفان ووادي المصراح حتى الوصول إلى أعلى حيد ردفان والخط الرابع وادي نخلين، فبدأوا بالهجوم على الخط الأول جبل بطة وحبيل السبحة في أول مايو تقريباً مع مطلع الفجر، وبدأوا بالاشتباك مع المناضلين من أبناء ردفان الذين كانوا متمركزين في جبل بطة وحبيل السبحة، ودارت المعركة من فجر ذلك اليوم حتى ظلام الليل، استخدم فيها الإنجليز الطائرات الهيلو كبتر والطائرات المقاتلات والمدفعية المنقولة جوا إلى موقع القتال، وصمد المقاتلون الثوار مع بعض المواطنين، وأسقطت طائرة هيلو كبتر فوق أرض المعركة، وقتلوا من الجنود البريطانيين أكثر من اثني عشر جندياً، حسب المعلومات، وجرح عدد منهم واستشهد أربعة من الثوار هم: صالح صائل منصر ونصر بن عبادي حنش وصالح عبدالله وراجح سالم.
ويتابع السرد: وعند الليل انسحب المناضلون والمواطنون عندما تقدمت القوات البريطانية إلى حبيل الذنب، وبدأ المواطنون بالنزوح، ويتابع: قصف الطيران استمر على مناطق ردفان من يناير 1964م وكان تركيز القصف على وادي دبسان، منطقة الشهيد لبوزة، قائد الثورة، ومناطق ضرعة والقويرة والبلد أيمن، حيث كانت توجد في هذه المناطق قيادة الجبهة القومية، كما استمر قصف القرى الأخرى منذ بدء الهجوم.

*قرار القوات البريطانية ضرب ردفان بالكامل
يتابع الراوي سرد حديثه الذي ذكره في كتابه ويقول: قررت القوات البريطانية والاتحادية ضرب ردفان بكامله، فكانت الدوريات في الخط الأول تصل إلى مشارف بنا، واستشهد من هذه الدوريات في المفتح بالقرب من وادي بنا الشهيد هيثم حسين بعلية وراجح جباري وأصيب آخرون كانوا ضمن هذه الدوريات. أما الهجوم على هذه القوات البريطانية كان مستمراً، فتوقفت القوات البريطانية في جبل بطة وحبيل المصداق ونقيل الربوة وحبيل القنبوس وحبيل الذنب واتجهت قوات من الحبيلين في الخط الثاني وكثفوا القصف بالمدفعية والطيران على تلك الجبال التي ذكرت في بداية الحديث. وتلك القوات التي تقدمت واجهت قتالاً عنيفاً على طول هذه الجبال، واعترفت القوات البريطانية بضراوتها نتيجة المقاومة الشرسة، لأن القتال كان صداميا وموقعيا في عدة مواجهات بدون أن يتزعزع المقاتلون الثوار من مواقعهم.
وواصلت القوات البريطانية بدون القوات الاتحادية المهزومة من نقيل الربوة سابقاً، فالقتال استمر في الخط الثاني من فترة مايو إلى عشرين وخمسة وعشرين استطاعوا أن يسيطروا على هذا الخط ونزلوا بالإنزال الجوي على وادي دبسان ودارت معركة ضارية هناك أطلق الإنجليز على الثوار في هذه المعركة بالذئاب الحمر، اسقطت فيها طائرة هيلو كبتر وهوكنتر مقاتلة أصيبت وسقطت فوق الرمال فاعترفت القوات البريطانية بها كما قتل خمسة منهم وجرح سبعة آخرين ورافقتهم في هذه المعركة صحيفة فتاة الجزيرة، واستشهد في هذه المواجهة البطل محمد صالح غالب الحيمدي مساء ذلك اليوم، وهو كان أحد رفاق القائد الشهيد لبوزة في جبال المحابشة في ثورة سبتمبر، وهذا بعد أن كانوا مسيطرين على جبل حقلة ثم انسحبوا إلى جبل القطيعا أحد جبال ردفان الشماء رأس الخط الثاني، ووضعوا عدة مراكز في هذا الخط في شعب تيم والثاني في جبل جهور والثالث الحاجب والرابع غول الظرفي والخامس العقروب والسادس جبل القطيعا ثم توجهت قوات الخط الثالث من الحبيلين، حيث كانت القاعدة البريطانية في الحبيلين وبعض قوات اتحاد الجنوب العربي، واتجهت تلك القوات إلى وادي المصراح، وهناك بدأ الثوار يقاتلون من قرية الشرجة عبر وادي المصراح، وفي كل شبر من هذا الوادي كانت مقاومة حتى وصول القوات البريطانية بين الواديين (وادي البوبة والعقلة) ثم استولت تلك القوات على جبل الشعرى وقصفت بالمدفعية والطائرات المواطنين الذين لجأوا للكهوف وجرحت أسرة بكاملها، هي أسرة الشهيد نصر بن سيف مهتم الذي استشهد في نقيل يسلح بالشمال. ويتابع: وبنفس الاتجاة اتجهت قوات إلى الخط الرابع وادي نخلين ودارت معركة استمرت يومين وترددت القوات البريطانية على وادي نخلين أكثر من مرة وانسحبت القوات في الخط الثالث، واستمرت بالقصف من الطيران والمدفعي واستمرت الطائرات بطلعات ليلية استكشافية، وقاذفات القنابل المضيئة على طول جبال ردفان حتى قريب من أبين، تمكن الثوار من إسقاط مروحية في حيد ردفان واستطاعت القوات البريطانية أن تسيطر على حيد ردفان وهو يطل على الكثير من الوديان.
وادي عقيية وادي ذي الهجيرة وادي ذالبير وادي المصراح، وأقام الإنجليز عدداً من المراكز في الخط الثالث مركز في الشرجة ومركز في حبيل النامس ومركز في الشعرى ومركز في جبل الحورية الذي يتوسط حيد ردفان ومركز الجميمة الذي يطل على وادي نمرة وضرعة ومركز في منطقة الرفصة التي تطل على وادي عقيبة وذي الهجيرة ووحدة والمصراح، وتشرد المواطنون من تلك المناطق معظمهم نزح إلى القشعة صهيب وآخرون توجهوا إلى يافع وأبين، والكثير من مواطني ردفان نزحوا إلى يافع والبعض إلى حالمين والبعض إلى أبين، وبعضهم وصل إلى عدن.

ويواصل الحديث: والقوات البريطانية في الخط الأول واصلت تقدمها ووقفت في حبيل الذنب وواصلت هجومها على بنا وواجهت مقاومة شرسة في النهار والليل من قبل الثوار على مراكزها كان التعزيز يأتي دفعة ثالثة عن طريق درب ذي ناعم البيضاء يافع حتى وصولهم وادي بنا، وكان عبدالله المجعلي والأخوة المناضلون والقياديون متواجدين في هذه المنطقة، منطقة يمن، وخزنوا الأسلحة في جرف مدثة وواصلت القوات زحفها حتى وصلت منطقة الرقة فانسحبوا إلى حبيل جلدة، واستولوا على جبل المقنع المطل على وادي محلى ودارت معركة بين المناضلين والقوات البريطانية، واستشهد على إثرها البطل صالح سالم العطافي، ثم قصفت القوات البريطانية مخزن الأسلحة في مدثة، وكان الصحفيون الأوائل أمثال الصحفي جمال حمدي قد رأى تلك المشاهد المروعة بين الأطفال والشيوخ وحياة الناس المنهكة بسبب المجاعة، كما جاء اثنان صحفيان آخران من صحيفة روز اليوسف المصرية وصوروا بعض المقاتلين الثوار والحالة التي يعيشونها والمواطنين أيضاً، وكان الزمان 29 - 30 يوليو 1964م فقرر عبدالله المجعلي أن يعود إلى تعز وبرفقة المصريين والمناضلين محمد غالب لبوزة، وودعناهم إلى منطقة عراعر في منطقة بنا، ثم وزعت الدفعة الثانية التي جاءت عبر جبن وهي عبارة عن قطعة من السلاح على المناضلين الثوار الذين تدربوا في تعز ثم عادوا إلى بنا.
ويضيف: فبينما كنا في طريقنا إلى منطقة عراعر فاجأتنا طائرتان بريطانية نوع هوكر هنتر وطائرة من قاذفات القنابل زنة ألف رطل بقصف موقع القيادة في مدثة ومخازن السلاح، لكنه لم يسفر عن أية خسائر، وعاودت اليوم الثاني بقصف الموقع الذي كان يتواجد فيه بعض الثوار وهو المخزن، وتم نقل الأسلحة والذخائر من منطقة إلى أخرى إلى منطقة تسمى منطقة شمخ، وأودعنا فيها السلاح في كهف.
ويتابع: في يوليو سمعنا إعلان بلاغات عن فتح ثلاث جبهات: وهي المنطقة الوسطى أبين وجبهة الضالع وجبهة عدن وكانت جبهة المنطقة الوسطى قد أخذت من تموين ردفان من الأسلحة والذخائر والألغام من الدفعة الثالثة من أجل فتح جبهة فحمان بقيادة السيد ناصر السقاف ومحمد عبدالله المجعلي، ومعهم اثنان من مناضلي ردفان هما: قائد علي وهيثم صادق، اللذين اصطحبهم المجعلي معه إلى مودية، وبالعودة إلى ردفان فقد واصلت القوات البريطانية زحفها على جبل ودنة بعد قصف مكثف على الجبل وتم الاستيلاء عليه في أغسطس واستشهد فيه محمد حسين الصراني، وبالنسبة لخسائر المناضلين في الخط الثاني استشهاد محسن يحيى قفاعي، وكذلك شهيدة اسمها (قبول زيد مانع)، وفي الخط الثالث استشهاد طالب مقبل الهدوي وابنه حيدرة مقبل الهدوي، اللذان استشهدا في وادي المصراح، وكذلك الشهيد ناشر ناصر مهدي، الذي استشهد برصاص القوات البريطانية عندما كان في الكهف، وكان عمره 120 سنة، ونتيجة ذلك القصف استشهد الكثيرون، ولم تحفظهم الذاكرة بعد أربعين عاماً.
وبالنسبة للقرى دمرت معظمها وقتلت الأغنام والأبقار والإبل وكذلك استهدفت النحل ودمرت كل ما كان يمتلكه المواطنون من أبناء ردفان على الأرض، وكذلك الجبال والوديان، وكانت وعرة لا توجد حتى طريق آمنة مستوية لتمر منها ما تبقى من جمال، وكان يصعب المرور على الأسر التي تنزح ولا يتمكنون من اصطحاب حتى البطانيات أو قوت معهم، فكان الجوع يشتد والحر والبرد، والأمراض تتزايد، ولا توجد علاجات، لقد عانوا ظروفاً صعبة جداً فحلت المعاناة واستفحلت عند الشيوخ والنساء والأطفال، وكانت مشاهد مأساة بكل ما تعنيه الكلمة، حتى السيول كانت تسحب الأطفال معها عند المرور من طريق الوادي الوعر في بنا في خريف 1964م لحدوث أمطار غزيرة وجرفت أطفال من حيد ردفان.
ويقول: أذكر منهم: أطفال محمد جابر بن نعيم والحاجة بنت جابر بن صالح لخرم، وكانت هناك مشاهد مروعة حقاً، وحدثت مأسأة للأسرة التي اتجهت إلى باتيس وإلى عدن، وفي وادي بنا وفقدت أسر بالكامل، كان هذا نشر كلامي قليل من الذاكرة عما حدث من بعض المواقف في مرحلة الكفاح المسلح في مناطق وجبال ردفان الذي قاله الفقيد المناضل المؤلف والشاعر صالح علي الغزالي في كتابه “جزء من التاريخ” فالحديث لا ينتهي عن ذلك التاريخ النضالي فيحتاج إلى سرد كبير وكتباً كثيرة.
وماهذا الجزء من الحديث إلا اجتهاد من المناضل بحسب ما استطاعت أن تصل إليه ذاكرته، وسنذكر إن شاء الله في قادم الأيام وفي نشر قادم بعض من ذكريات الكفاح المسلح وكذلك ذكريات من مواقف بطولية وجبهات قبيل إعلان الكفاح المسلح المنظم في 14أكتوبر 1963م.
تقرير / رائد الغزالي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى