قبيل الغروب

> أحمد بن سعد أبو حيمد

> يطل عبر نافذة غرفته، فيلامس الهواء قسمات وجهه المبعثرة. يقع منزلهم القديم بالقرب من ميدان وسط المدينة.. يرى في طرفها مجموعة من الأطفال يلعبون ويتراكضون ويرددون بصوت عال: (طاق طاق طاقية.. أحمد راكب على الفرس).يا لهذا الفرح.. أتراه سيدوم؟في الناحية الأخرى يرى مجموعة من الخيول التي تجر العربات وبالقرب منها يجلس أصحابها. يسمع أحدهم يقول رافعا صوته وملوحا بيده: إلى دخنه.. إلى العطايف.. بريالين.يغلق النافذة، فيعود السواد إليها. هكذا دائما هي أو يظن أنها كذلك. أصبحت كلماته كلها اسئلة.. تدور بلا انقطاع في فضاءات الغرفة علها تجد مرافئ غير مرافئها القديمة. كيف اختارني هذا الحزن الآتي من وراء الأبعاد على صغر سني؟! بلا مقدمات، وبلا سابق معرفة بيني وبينه.. وهكذا بدون رأفة؟لماذا أنا بالذات؟!كان وجهه قوي الملامح..لا يخطئ من يرى عينيه أن بهما شموخ صقر، واستقامة جسد ممشوقة، تجعله يشعر بالفخر بين أصدقائه، ومثار خوف لأعداء حارتهم. وفي زمن البراءة، أصبحت روحه غير روحه.. أصبحت ذاته غير ذاته، فتوارى انتماؤه لهذه الحياة خلف أسوار الضياع، والاغتراب. لم يبق من صورته القديمة سوى وجهه الذي تبدل بتجاعيد مخفية تنوء الجبال عن حملها. ينسرب إلى داخل فراشه وهو يمسح عينيه بكفيه لئلا تسقط دمعة تجمعت بلا إرادته. يسلم جسده لسكرات تجعل روحه تنسى الأسئلة للحظات.. بل تجعل روحه تعيش في حالة من اللاوعي لبضع دقائق. يتخيل أنه يطير في أجواء الرياض.. لأول مرة يرى المنازل الطينية الكبيرة بهذا الحجم الصغير. مجموعة من العصافير تزقزق فوق بوابة الثميري.. تطير مفزوعة وتتفرق عندما يحلق فوقهم. يلمح مجموعة من الازهار فارقتها الحياة بسبب العطش. يهبط إليها. يحملها وسط كفيه. تعود الحياة إليها من جديد لرؤيته. يضعها مرة أخرى. يلتفت يمينا فيرى نهرا يمر وسطه قارب صغير. يلوح له صاحبه بالركوب، وما أن توسط القارب حتى غمرته فرحة لا يعرف لها حدودا، وكأنه لأول مرة يتذوق طعم الفرح.وبعد لحظات.. أخذ القارب الصغير يتمايل وسط أمواج غاضبة.. يسقط من القارب وسط النهر العميق. يحاول أن يتكلم.. لا يستطيع، يحاول أن يتنفس.. لا يستطيع، يحاول أن يصرخ.. لا يستطيع، فجأة يستفيق مفزوعا، وقلبه يتراقص خوفا، وهلعا. يجد أنه لا يزال في غرفته السوداء، فيتنفس الصعداء.. يسمع صوت المنادي: حي على الصلاة..حي على الفلاح.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى