الخلاف بين الحوثيين وصالح وفرص صنع السلام في شمال اليمن (1 - 3) للاستفادة من التوترات بين الحوثيين وصالح على الرياض أن تدعم عملية سياسية وتعلق العمليات العسكرية

> «الأيام»/ بروكسل

> نشر مركز الأزمات الدولية - في العاصمة البلجيكية بروكسل - تقريرا معمقا عن الخلافات بين جماعة أنصار الله الحوثيين وحزب الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، وما يمكن أن تحدثه تلك الخلافات من فرص لصنع السلام وإيقاف العلمليات العسكرية للتحالف العربي.
«الأيام» تسلمت نسخة من التقرير، وتعيد نشره هنا في ثلاث حلقات:
*الحلقة الأولى:
- لمحة عامة
إن ظهور خلاف علني بين حزب المؤتمر الشعبي العام بقيادة علي عبدالله صالح وبين الحوثيين، المعروفين أيضاً بـ(أنصار الله) قد يغير مسار الحرب اليمنية الدائرة منذ سنتين ونصف السنة. رغم الاختلافات الأيديولوجية والسياسية الكبيرة بينهما، فإن الطرفين متحالفان ضد التدخل العسكري الذي تقوده السعودية دعماً للحكومة اليمنية برئاسة عبدربه منصور هادي. غير أن التوترات بين الطرفين تصاعدت إلى أقصى درجاتها في أعقاب مهرجان حاشد أقامه المؤتمر الشعبي العام بصنعاء في 24 أغسطس الماضي احتفالاً بالذكرى الخامسة والثلاثين لتأسيس الحزب ولإظهار قوته السياسية.
يمكن لهذا الخلاف أن يؤدي إلى توسيع وإطالة أمد الحرب اليمنية التي باتت حرباً إقليمية، ما سيؤدي إلى المزيد من تمزيق البلد وتهديد الأمن الإقليمي، أو يمكن التقاطه كفرصة للدفع قدماً نحو السلام. وهذا سيتطلب من السعودية وداعميها الدوليين، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، العمل على الاستفادة بسرعة من انقسام يشجعونه هم أنفسهم، وذلك بدعم التوصل إلى وقف إطلاق نار فوري والشروع في عملية سياسية شاملة.
بعد فترة من التقدم السريع، خسر تحالف الحوثي/ صالح مناطق في الجنوب في يوليو وأغسطس 2015.
ومنذ ذلك الحين، حارب ضد الطرف الخصم إلى أن أوصله إلى طريق مسدود، بينما احتفظ هو بالسيطرة على المرتفعات الشمالية الزيدية (والزيدية نسخة من الإسلام الشيعي)، التي تضم صنعاء، وأغلبية سكان اليمن.
لقد أدى هذا إلى وضع راهن متوتر تستفيد منه عدة أطراف في الصراع، لكنه تسبب بمعاناة هائلة للشعب اليمني وبمزيد من عدم الاستقرار في منطقة لا ينقصها عدم الاستقرار.
وبالنسبة للسعودية على نحو خاص، فإن القتال أوجد تهديداً أمنياً متنامياً، حيث تطلق قوات الحوثي/ صالح الصواريخ إلى عمق الأراضي السعودية وتهدد باستهداف حليفة الرياض الأوثق، أبوظبي.
إنها حرب مكلفة مالياً وتتسبب بصداع دبلوماسي، حيث تعرضت الرياض لانتقادات كثيرة بسبب التبعات الإنسانية المدمرة للحرب، بما في ذلك انتشار المجاعة والكوليرا على نطاق واسع.
من أجل الاستفادة من التوترات بين الحوثيين وصالح، على الرياض أن تدعم عملية سياسية، وأن توافق على تعليق العمليات العسكرية، وأن تتخلى عن الإغراء المتمثل في الانتظار ببساطة إلى أن يوجه خصومها أسلحتهم ضد بعضهم البعض.
في الواقع، فإنه من غير المرجح نشوء مواجهة بين الحوثيين وصالح، وحتى لو حدثت مثل تلك المواجهة، فإنه من غير المرجح أن تكون النتيجة لصالح الرياض؛ إذ يمكن للحوثيين أن يلحقوا الهزيمة بالمؤتمر الشعبي العام أو يمكن أن تنتشر الحرب الأهلية إلى المرتفعات، ما سيمنح المزيد من التسهيلات للتدخل الإيراني ولتوسّع القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
على النقيض من ذلك، إذا قام السعوديون – بالشراكة مع دول إقليمية مثل عُمان وبدعم من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومبعوث الأمم المتحدة الخاص – برعاية مبادرة سلام واقعية، فإن المسؤولية ستقع على الحوثيين والمؤتمر الشعبي العام كي يقبلوا بها، خشية التسبب بدرجة أكبر من المعاناة وربما زعزعة استقرار المناطق الواقعة تحت سيطرتهم.
من شبه المؤكد أن المؤتمر الشعبي العام بزعامة صالح سيقبل العرض، ما سيضع المتشددين الحوثيين في موقف محرج إذا رفضوه، الأمر الذي سيغير الديناميات السياسية وقد يمهد الطريق للتوصل إلى تسوية.
لم تكن الرهانات مرتفعة في أي وقت من الأوقات كما هي الآن. مع تهديد القوات الحوثية باستهداف الرياض وأبوظبي ومع حرص إدارة ترامب للدفع ضد إيران في المنطقة، ثمة مخاطرة جدية بتوسع دائرة التصعيد. وهذا قد يشمل مواجهة أمريكية مباشرة مع إيران، التي تتهمها واشنطن وحلفاؤها بتزويد الحوثيين بالتكنولوجيا الضرورية لصناعة الصواريخ.
لقد كان هناك العديد من الفرص لإنهاء الحرب اليمنية التي ظهرت ثم تلاشت. أما الآن فلا اليمنيون ولا جيرانهم يستطيعون تحمل إضاعة هذه الفرصة.
*العلاقات بين المؤتمر والحوثيين السياق التاريخي والتحديات المعاصرة
التوتر بين الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام بزعامة صالح ليس جديداً. بين عامي 2004 و2010، خاض الرئيس اليمني حينذاك علي عبد الله صالح ستة حروب مع الحوثيين، وقتل زعيمهم، حسين بدر الدين الحوثي في العام 2004 وأحدث دماراً في جزء كبير من معقلهم الرئيسي في محافظة صعدة. وجود أعداء مشتركين قرّب بين الطرفين في العام 2014 في مسعاهما لتغيير ميزان القوى في شمال اليمن ضد الحزب الإسلامي السني، الإصلاح، وهادي، الذي كان قد همّش كلا المجموعتين خلال الفترة الانتقالية في البلاد (التي نقل فيها صالح السلطة إلى هادي من خلال اتفاق سياسي عُرف بمبادرة مجلس التعاون الخليجي).
كان يمكن لتعاونهما، الذي كان ضمنياً في البداية، أن يتلاشى لولا التدخل العسكري السعودي، الذي بدأ في مارس 2015، لإعادة تنصيب هادي وعكس التقدم الذي حققته قوات الحوثي/ صالح. عززت تلك الحملة الأواصر بينهما ضد ما يسود من تصور في المرتفعات الشمالية في اليمن بأنه صراع وطني وجودي ضد السعودية – وليس باعتباره حرباً أهلية يمنية، كما ينظر إلى هذا الصراع الوطني في مناطق أخرى من البلاد.
لكن تحت السطح تفاعلت الاختلافات، حيث ينظر حزب المؤتمر الشعبي العام إلى نفسه بوصفه حزباً سياسياً وسطياً، أي بوصفه مظلة جامعة تشمل طيفاً من الرؤى السياسية والمجموعات الطائفية، تحظى بالدعم في سائر أنحاء البلاد. وينظر إلى الحوثيين تقريباً بنفس الطريقة التي ينظر فيها إلى الإصلاح، بوصفهم منظمة سياسية دينية غير متسامحة تربطها علاقات بلاعبين أجانب – إيران في حالة الحوثيين، وقطر وفروع الإخوان المسلمين في أنحاء أخرى من المنطقة في حالة الإصلاح. كالعديد من اليمنيين، لديهم شكوكهم في أن الحوثيين يتآمرون لاستعادة حكم الأئمة الزيديين، الذين حكموا شمال اليمن لمدة ألف عام قبل أن تطيح بهم الثورة الجمهورية في العام 1962.
من هذا المنظور، فإن الحوثيين يمثلون عودة إلى الماضي القمعي التمييزي لليمن، الذي يتناقض مع وجود دولة ومؤسسات حديثة، ناهيك عن وجود ديمقراطية شاملة.
على نحو مماثل، فإن للحوثيين مشاكل جوهرية مع صالح وحزب المؤتمر الشعبي العام. إنهم ينظرون إليه وإلى أنصاره المقربين بوصفهم حلفاء خطيرين ولا يمكن الركون إليهم.
من منظورهم، فإن حزب المؤتمر الشعبي العام بزعامة صالح مسؤول عن ماضٍ فاسد فشلت خلاله الحكومة في تطوير البلاد، وهمشتهم سياسياً، ويسّرت انتشار العقيدة السلفية/ الوهابية (خصمهم الأيديولوجي) ودمرت مناطقهم.
الحوثيون معادون للولايات المتحدة، حيث ينظرون إلى سياستها في الشرق الأوسط بوصفها جزءاً من مؤامرة إسرائيلية/ سعودية/ وهابية غير واقعية لزرع الشقاق بين المسلمين، وبالتالي تساورهم شكوك عميقة حيال دعم صالح للولايات المتحدة في الماضي وتعاونه معها ومع أنشطتها في محاربة الإرهاب.
بعض الحوثيين يريدون في المحصلة إخضاع صالح وغيره من قادة حزب المؤتمر الشعبي العام للمساءلة عن جرائم ارتكبت في الماضي، بما في ذلك قتل حسين الحوثي. ومثلما يشك حزب المؤتمر الشعبي العام بالتزام الحوثيين بالديمقراطية، فإن الحوثيين يشكون في التزام المؤتمر الشعبي العام بتقاسم حقيقي للسلطة.
هذه الشكوك المتبادلة تركت كلا الطرفين بحالة عدم ارتياح. منذ أكتوبر 2016، عندما شكلا “حكومة إنقاذ وطني” مع الحوثيين، اشتكى قادة المؤتمر الشعبي العام من أن الحوثيين لم يفوا بالتزامهم بتفكيك “اللجنة الثورية”، التي كان الحوثيون قد شكلوها في فبراير 2015 بعد إطاحتهم بحكومة هادي. هذه اللجنة، التي لا تزال نشطة، تشرف على وظائف الحكومة وتشكل نوعاً من حكومة ظل لها الكلمة الأخيرة في صنع القرار، ما يقوض فعلياً مؤسسات الدولة الضعيفة. تفاقم إحباطهم جراء تدخل الحوثيين بسبب انعدام خبرة هؤلاء نسبياً في مجال الحكم، ليس فقط لأنهم كحركة يفتقرون إلى الدراية، بل لأنهم عينوا في كثير من الحالات موالين شباب يتدخلون في عملية صنع القرار التي يضطلع بها بيروقراطيون مخضرمون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى