90 وزيرا في حكومتين بعدن وصنعاء تستنزفان ما تبقى من موارد.. تضخم الوكلاء والمحافظين بالشرعية وعشرات الآلاف من القبائل بجيش الانقلاب

> صنعاء/ «المصدر أونلاين»

> في اليمن الفقير، ووسط الحرب وأزمة اقتصادية حادة، حيث مليون موظف حكومي بلا رواتب منذ 11 شهرا، وفي الوقت الذي يعاني فيه ملايين السكان من الفقر ويصارعون الجوع، توجد سلطتان تضمان 90 وزيراً يتصرفون بمعزل عن واقع البلد والناس.
وتتنازع اليمن سلطتان تغرقان في الفساد، إحداهما شرعية معترف بها دوليا، برئاسة أحمد بن دغر، تعمل من العاصمة المؤقتة عدن (جنوبي البلاد)، وأخرى غير معترف بها، مشكّلة من تحالف الحوثيين وحزب الرئيس السابق علي عبد الله صالح، تسيطر على محافظة صنعاء ومحافظات في شمالي وغربي البلاد.
وتشكل حكومتا أطراف الحرب مفارقة غريبة وصارخة، ففيما يصرخ الملايين من الجوع والفقر، ينعم الوزراء والمسؤولون بالثراء والامتيازات، كما لو كانوا في بلد متعافٍ ووضع طبيعي ومستقر.. ويظهرون على شاشات التلفزة بربطات عنق وبدلات من ماركات عالمية لا تقل ثمن البدلة الواحدة عن 10 آلاف دولار.
ولم يستقبل اليمن أي سائح منذ عام 2011، وتحول إلى بلد مدمر خلال الحرب، وبات من الصعب زيارته. وتحذر البلدان في جميع أنحاء العالم من السفر إلى اليمن، رغم ذلك لليمن وزيران للسياحة ومجلسان للترويج السياحي، وهيئتان للتنمية السياحة موزعة ما بين عدن وصنعاء.
ليس اليمن ضحية الحرب وفريسة الكوليرا فحسب، بل هو فريسة لسلطتين إحداهما تمثل الشرعية والأخرى موالية للانقلاب. ووسط الحرب يمن فقير وموظفون بلا رواتب وملايين الجائعون. لكن مسؤوليه أثرياء يتسابقون على جني الأرباح الشخصية وجمع الأموال ويقبضون رواتب باهظة.
وتعاني الحكومة الشرعية من تضخم عددي هائل، فلكل وزير عدد كبير من الوكلاء، ونفس الوضع لمحافظي المحافظات، وعلى سبيل المثال تضم وزارة الإعلام في الحكومة الشرعية 15 وكيلا ووكيلا مساعدا.. وبحجة مخاطر الحرب، لكل مسؤول عدد كبير من الحراس الشخصيين يتم إضافتهم إلى الجهاز الأمني للدولة، واعتماد رواتب لهم.
ورسميا لا يتجاوز راتب الوزير في الحكومة اليمنية 180 ألف ريال شهريا (720 دولار)، بحسب الاستراتيجية الوطنية للأجور والمرتبات التي حددت الرواتب على مستوى السلطة العليا والمستويات الستة التي تليها وفئاتها المختلفة.
لكن كبار المسؤولين في الوزارات والمؤسسات والمصالح والجهات لا يكتفون بالراتب، ويستحوذون على بنود أبواب في الموازنات (بدل سفر، تغذية، مكافآت وحوافز، تدريب وتشغيل، مشتريات وعمولات).
وإلى ما قبل الحرب، كان الوزير يحصل على قرابة 12 ألف دولار شهريا، ورفعت الحكومة رواتب الوزراء وبقية مستحقاتهم تحت مبررات الحرب نفسها إلى حوالي 18 ألف دولار شهريا، بدلا من تخفيضها في ظل شحة الموارد، ومع ارتفاع معاناة نحو مليون موظف يمني بلا رواتب.
ويتسلم أعضاء البرلمان، الموزع بين الشرعية والانقلاب، والبالغ عددهم 301 عضو، رواتبهم بانتظام، ويبلغ راتب عضو البرلمان سنويا حوالي 34 مليار ريال (136 مليون دولار).
ويعيش أكثر من مليون موظف حكومي يمني في صنعاء ومناطق الحوثيين بدون رواتب منذ 11 شهرا، ويواجهون ظروفا معيشية صعبة، فيما لا يتجاوز عدد الموظفين بمناطق الحكومة الشرعية 200 ألف موظف يستلمون رواتبهم.
وصرفت جماعة الحوثيين التي تسيطر على صنعاء، منذ سبتمبر 2014، أراضي وعقارات لمسؤوليها ووزراء الحكومة الموالية لها المشكلة بالتحالف مع حزب صالح.
وأثارت رواتب المسؤولين في حكومة الشرعية وسلطات الانقلابيين، غضب اليمنيين وبينهم نحو مليون موظف بلا رواتب منذ 11 شهرا. وشن نشطاء حملات على مواقع التواصل الاجتماعي، تنتقد فساد سلطات يعيش مسؤوليها حياة البذخ، بينما يغرق الملايين في الفقر والجوع والكوليرا.
وأدى الصراع في اليمن إلى تدهور كبير في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.. وانكمش الناتج بشكل حاد، وتوقفت الموارد وأهمها إيرادات النفط، مما أدى إلى تراجع دخل الأسر، بحسب تقرير حديث للبنك الدولي. وأصبحت مؤسسات هامة - مثل البنك المركزي - معطّلة في أواخر عام 2016.
وأوضح المحلل والباحث الاقتصادي، حسام السعيدي، أن “النفقات والتعيينات لحكومتي الشرعية والانقلاب والتضخم في الجهاز الإداري للدولة عملية فساد وقحة، تستنزف ما تبقى من موارد البلد”.
وقال السعيدي لـ«المصدر أونلاين»: «يقوم الانقلابيون بتشكيل لجان ثورية وقيادات محسوبة عليهم بمناصب جديدة، بالإضافة إلى قيامهم بتشكيل ما يسمى بالمجلس السياسي والحكومة المنبثقة عنه، والتي بدورها تشكل تضخما جديدا، خاصة بعد ظهور روائح الفساد منها، وبالذات عقب الكشف عن توجهها إلى توزيع أراض للوزراء فيها، الوزراء الذين لا يجدون أعمالا بالأصل.. وتشكل هذه اللجان والحكومة ثاني بنود النفقات بعد النفقات العسكرية على جبهات القتال، بينما بقي عشرات الآلاف من موظفي الدولة دون مرتبات منذ سنة تقريبا».
وتابع السعيدي: «من جهة أخرى، فإن مسلسل التعيينات لا يتوقف في الجهة المقابلة، وهي الحكومة الشرعية، والكثير من شاغلي المناصب العليا والموظفين الجدد يتم منحهم وظائف ومرتبات دون مقابل يقدمونه من مناصبهم. ولعل الشرعية تبدو أحيانا مجبرة على إعادة توظيف موظفين وسفراء بعد أن كان الانقلابيون وموالوهم يشغلون تلك المناصب، إلا أنه يمكن ملاحظة أن هناك تضخما غير مبرر في الوظائف والتعيينات حتى في الحكومة ذاتها».
واعتبر السعيدي أن الانقلابيين “سطوا على مؤسسات الدولة بتعيينات من الموالين لهم بما يمكنهم من الاستحواذ على الموارد المالية التي يقومون بتحصيلها أو تلك التي تم نهبها، بالإضافة إلى دورها الكارثي المتمثل في إحلال العناصر الانقلابية محل الموظفين الحكوميين القدامى وحرمانهم من مرتباتهم وتحويلهم إلى معدمين”.
وقال المحلل الاقتصادي اليمني: «إن التضخم في التوظيف الذي تقوم به الشرعية، بالإضافة إلى عمليات التجنيد الوهمية، يمثل واحدة من صور الفساد والتخبط الحكومي، وهذا التضخم الوظيفي يعيق عمل الحكومة ذاتها التي تجد نفسها محاطة بالتزامات مالية كبيرة، وسيؤدي إلى مزيد من التضخم في الأسعار، وانخفاض في قيمة العملة، كما أنه سيحد من قدرات الحكومة التنموية في الأجلين القصير والمتوسط».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى