نشال ولكن

> عبدالقوي الأشول

>
عبدالقوي الأشول
عبدالقوي الأشول
ربما قرأ في ملامحي حالة الاجهاد جراء السهر ليلاً بحكم انقطاع التيار الكهربائي المستمر، اقترب مني وحياني بحرارة وابتسامة عريضة، كان رجلاً نحيفاً في العقد الخامس من العمر بثياب مهلهلة، الا ان بريق عينيه ينم عن ذكاء شديد وفطنة.
خاطبني باسمي، ثم اخذ يحدثني عن قضايا الشأن السياسي، مشيراً بيديه إلى طبيعة تداخلات الامور وشدة تعقيدها.
عند الحديث يقترب الرجل ويمطرني بتساؤلات عدة.. ثم اخذ يحدثني عما تكتبه الصحف، وكيف أنه عزف عن قراءة الكثير منها لأنها ببساطة، كما قال، بعيدة عن المهنية والواقع والمصداقية.
اشار إلى مواضيع كنت قد كتبتها في صحيفة «الأيام» تحديداً.. فذاكرته رائعة الحضور، قارئ جيد ومثقف واسع المعرفة، إلا ان ملامحه شديدة البؤس، يوحي بشيء من المعاناة، وحين حدثني عما اكتبه استأنسته أكثر، خصوصاً وهو يشير إلى مواضيع سابقة بكل تفاصيلها، وتلك عادتي في التعاطي مع من يشيرون الى ما اكتب، حرصاً على أن لا انقل لهم صورة مختلفة عما يرسمون في اذهانهم، في حين اني لا اكون كذلك مع من يشيرون مجاملة إلى بعض عناوين ما يكتب لا اكثر.
هكذا بدا قارئي العزيز ودودا للغاية مهذبا ظريفا، ربما استشف بدهائه وفراسته بأني خارج نطاق التغطية في ذلك الصباح شديد الحرارة صيفاً، وأشرك في الحديث من كان حولنا في مقهى تناول شاهي الصباح.
وكنت قبل ان اخرج من منزلي في ذلك اليوم قد وضعت ما يكفي لمصاريف اليوم وبنزين سيارتي في محفظة الجيب، التي بدت هي ايضا فاتحة فاها امام محدثي اللامع وقارئي العجيب.
ودعته بحرارة وأثنيت على ثقافته الواسعة ونبل ملامحة الانسانية وفرط لطفه وظرفه. غادرنا بابتسامة واسعة وبريق عينين ذكية للغاية.
بعد حين التفت إلى محفظة جيبي ولم اجد مصاريف اليوم، التي استطاع ان يمرق لها بدهاء مطلق، فكانت من نصيبه دون ريب، فلم اجد بداً الا ان ابتسم، قلت ما اظرفه من نشال، وما اعجب اسلوبه، ألم يقل العرب الحاجة ام الاختراع، وهذا ابتكر ولكن على طريقته، مع يقيني التام ان الرجل لم يكن في الاصل نشالاً، وان لم يكن قد حبس في رجليه ضوضاء الاغارة، وفق قصيدة اللص مع شاعرنا العظيم المرحوم عبدالله البردوني، الا ان لصنا هنا استعان بخفة يديه وحركاتهما المتداخلة التي بلغت جيبي بكل بساطة بعد ان اجاد تقديم توطئة بارعة كانت وسيلته المثلى في تحقيق ما يريد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى