قيس والحب العذري الخالد

> محمد حسين الدباء

> تعلق قيس بليلى منذ الطفولة، حيث كانا يلعبان معاً ويرعيان الإبل، فلا يفرقهما إلا الليل حيث يعود كل منهما إلى داره، ما كاد الطفلان يكبران حتى وضعت العادات والتقاليد الحواجز والسدود أمام لقائهما.
لقد عاش الصغيران في ديار بني عامر القريبة من جبل التوباد يرعيان لأهلهما الغنم، واشتدت العلاقة بين هذين الصغيرين وكبرت حتى عشق كل منهما صاحبه وفي تلك الحياة الرومانسية الخاصة احتفظت ذاكرتهما بمواقف باسمة شهد عليها المكان والتاريخ، قال قيس:
تعلقت ليلى وهي غرُّ صغيرة
ولم يبدُ للأتراب من ثديها حجم
صغيران نرعى البهم يا ليت أننا
إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم
وفي يوم من الأيام قالت أم قييس:
((* كبرت ليلى يا قيس، وأصبح محرماً أن تخرج وحدها لتلتقي بك.
- ولكنني أحبها يا أمي.
* لا تذكر ذلك أمام أحد، حتى لا يتسرب الخبر إلى أهلها، فيرفضوا تزويجك بها.
- ليلى لي وأنا لها يا أمي، لن يفرقنا إلا الموت.
* يا ولدي، عليك بالصبر)).
ومن أين لعاشق مثل قيس بهذا الصبر، ومن يستطيع أن يمنعه من زيارة ليلاه أو الطواف حول بيتها.
ويروى أنه كان إذا اشتد شوقه إلى ليلى يمر على آثار المنازل التي كانت تسكنها، فتارة يقبّلها وتارة يلصق بطنه بكثبان الرمل ويتقلب على حافاتها وتارة يبكي منشداً:
أمــرّ علـى الديـار ديـار ليلـى
أقبّـل ذا الجــدار وذا الجـدارا
وما حب الديار شغفن قلبـي
ولكن حبُ مـن سكن الدّيـارا
وصلت مأساة الشاعر قمتها عندما قام أهلها بتزويجها من غيره للخلاص من تشبيب قيس بها وجعلها حكاية على كل لسان، وفي كل مجلس، عندها بدأت مرحلة الهيام، ترك قيس أهله وبيته وقبيلته، وهام في الصحراء، ينام فوق الرمل، يبكي فراق من أحب.
وفي ذات يوم اجتمع القوم إلى أبيه وقالوا:
* هذا البلاء الذي وقع على ابنك يمكن أن يرفع.
- لا يرفع البلاء إلا الله.
* لذلك نقترح عليك يا أبا قيس أن تخرج به إلى مكة ليرى بيت الله الحرام، ثم يزور قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلعله يستعيد عقله ويعافيه الله.
استجاب والد قيس لاقتراح قومه، وخرج بقيس إلى مكة فجعل يطوف بابنه ويدعو الله عز وجل له بالشفاء، ولكن قيس يجعل صلاته كلها ودعاءه لله سبحانه وتعالى في ذلك المكان المقدس لغاية واحدة هي أن يغفر الله ذنوب ليلى وأن يسعدها وألا يعيش لحظة واحدة لا يحبها فيها، فقال من معه من المرافقين العالمين بمأساته.
* اسأل الله أن يريحك من ليلى.
- بل أسأل الله أن يزيد حبي لها، اسمعوا ما يقول قلبي في هذا المكان المقدس:
دعا المحرمون الله يستغفرونه
بمكة شعثاً كي تمحى ذنوبها
وناديت يا رحمن! أول سؤلتي
لنفسي ليلى ثم أنت حسيبها
وإنْ أُعْطِ لَيْلَى فِي حَياتِي لَمْ يَتُبْ
إلى اللّه عَبدٌ تَوْبَة ً لاَ أَتوبُها
يقر لعيني قربها ويزيدني
بِها عَجَباً مَنْ كانَ عِندِي يَعيبُها
وكم قائل قد قال تب فعصيته
وَتِلْكَ لَعَمْري خَلَّة ٌ لا أُصِيبُها
وَمَا هَجرَتْكِ النَّفْسُ يا لَيْلَ أنَّها
قَلَتْكِ وَلَكِنْ قَلَّ مِنْكِ نَصِيبُها
فيا نفس صبراً لست والله فاعلمي
بِأوَّلِ نَفْسٍ غابَ عَنْها حَبِيبُها
لم تُفِدْ زيارة الكعبة ذلك العاشق إلا بجعله أكثر حباً لليلى وأكثر جنوناً بها، وانساب شعره في ذلك المكان الروحي قصيدة تلو أخرى يعبر عن خلجات نفسه والعذاب الذي يكتوى بناره في غياب ليلى.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى