الأسباب والمعالجات للتدهور المتسارع للعملة اليمنية!

> عمر علي الشاطري

> بعيداً عن قواعد ونظريات الكنزيين والتقليديين التي لا تتطابق مع الواقع المعاش لأوضاعنا النقدية، فإننا من خلال مداخلتنا هذه نلخص - بكل ثقة - المعاناة التي نواجهها جراء تدهور العملة مع تحديد الأسباب والمعالجات.
أولاً: الأسباب:
1 - السبب الرئيس في تدهور العملة الوطنية هو انعدام الغطاء الحامي لثباتها والمتمثل في الاحتياطي النقدي للدولة من العملات الأجنبية الصعبة، بالذات الدولار الذي لم يعد المتبقي منه سوى نصف مليار دولار على وجه التقريب.. وبدون توفر هذا الغطاء لا يمكن على الإطلاق الحؤول دون تواصل التدهور.. ولا يمكن التعويل على المعالجات الأخرى بما فيها إخراج الأطقم الأمنية لمحاصرة الصرافين والتضييق عليهم.. فمثل هذه الإجراءات لا يمكن لها أن تحد من التدهور.. والصرافون لن يعدموا الوسائل والبدائل لاختراق الحصار المفروض.
2 - لقد تسبب التعويم الحر للعملة من جهة، وتوفير السيولة عن طريق الإصدار النقدي غير المعطى بأصول خارجية للبنك المركزي، في تفاقم الوضع ونشوء حالة من التضخم في أسعار مختلف السلع.. وهو أمر كان متوقعاً نتيجة لهذه المعالجات الخاطئة التي أوضحناها. علماً أن الأساس النقدي من جانب المطلوبات في الميزانية العمومية للبنك المركزي هو عبارة عن العملة المصدرة واحتياطات المصارف (والعملة المصدرة هي حصيلة عمليتين هما إنفاق الحكومة من حسابها الجاري المعزز بمبيعاتها من العملة الأجنبية للبنك المركزي ومبيعات العملة الأجنبية للقطاع الخاص.. واللجوء إلى هذه الإجراءات غير متاح في الظروف الراهنة).
3 - إن ضعف أداء البنك المركزي وغياب دوره الرقابي في مراقبة حجم دورة السيولة النقدية من العملة الوطنية التي يتم ضخها إلى البنوك والصيارفة نجم عنه نشوء مسارب ومنافذ إلى خارج المحافظات المحررة وإلى خزائن الصيارفة، الذين أصبحوا يشكلون بنوكا موازية تلبي حاجة العرض والطلب، وتبيع مخزونها من عملات الدولار والريال السعودي والدرهم الإماراتي إلى التجار والمتعاملين سواء عبر التبادل المباشر أو عن طريق التحويلات إلى فروعها بالخارج، وبأسعار تفوق أسعار صرف العملة المعلن عنها من قبل البنك المركزي، بينما تراجع دور البنوك والمصارف الرسمية، فلم تعد هناك اعتمادات تفتح كما في السابق، وأصبحت معظم المستوردات الخارجية تتم من خلال التحويلات النقدية عبر الصيارفة.
وتعطلت دورة السيولة النقدية بين البنوك والصرافين من جهة والبنك المركزي من جهة أخرى، ونجم عن ذلك شح في السيولة لدى البنك المركزي والبنوك والمصارف الرسمية.
4 - في ظل هذا الوضع المضطرب فقدت البنوك والمصارف الثقة في أوساط العملاء والمتعاملين، خصوصاً بعد أن عجزت معظم البنوك عن تلبية وتوفير المسحوبات النقدية من أرصدة العملاء المودعة لديها إلا بشكل جزئي وفي حدود ما هو متاح، لأن معظم أصول وموجودات البنوك والمصارف ظلت ولا زالت مودعة لدى البنك المركزي، ولم يتمكن المركزي حتى اللحظة من إيجاد المعالجات المناسبة. وهذا بالتالي جعل من معظم العملاء والمتعاملين يؤثرون الاحتفاظ بمدخراتهم ومالديهم من سيولة بخزائنهم الخاصة، وهو ما أدى إلى شحة السيولة النقدية لدى البنوك وتعطل الدورة النقدية عن الدوران للأسباب التي أوضحناها.
ثانياً: المعالجات العاجلة التي يتوجب العمل بها في الظروف الراهنة:
في ظل محدودية وضآلة موارد الدولة بسبب النتائج الكارثية التي خلفتها الحرب.. وامتناع المحافظات التي تقع تحت سيطرة الحوثيين وحلفائهم من توريد الإيرادات المحصلة إلى البنك المركزي بعدن، وليس هناك من خيار أمام السلطة الشرعية إلا اللجوء إلى المعالجات الطارئة، وهي كالتالي:
1 - المسارعة في البحث عن فرص للحصول على قروض من دول كالسعودية ودول الخليج وصندوق النقد العربي، ومؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بحيث يكون حجم هذه القروض كافياً لتكوين احتياطي نقدي يكفي لتغطية استيراد السلع الغذائية الضرورية والأدوية والمشتقات النفطية اللازمة لتشغيل محطات التوليد الكهربائية، علاوة على الحصول على تسهيلات انتمائية تسهم في تصحيح الاختلالات في ميزانية المدفوعات.
2 - تكثيف التواصل مع الدول المانحة التي وعدت بتقديم الدعم المالي لإصلاح الأضرار والبني التحتية التي دمرتها الحرب.
3 - دعوة البنك المركزي إلى قرار تعويم العملة الوطنية والعمل بتحرير سعر الصرف وفق نظام سعر الصرف المقيد الذي يتيح تثبيت سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية مع السماح لها بالتذبذب انخفاضاً وارتفاعاً بحدود معينة لا تتجاوز 2.5 % في كلا الاتجاهين.. وبالتالي فإن هذا النظام لأسعار الصرف يأخذ مزايا النظامين.. أي يتوسط نظام سعر الصرف الحر وسعر الصرف الثابت. كما أنه لا يمتاز بالجمود كما في نظام أسعار الصرف الثابت، وأيضا لا يسمح لسعر الصرف بالتذبذب بشكل كبير مما يؤدي إلى عدم استقرار حجم التجارة الوطنية.
4 - أن يقوم البنك المركزي بتفعيل الرقابة على الصرافين من خلال تكليف مراقبين منتدبين من قبله بغرض تجميع بيانات عن حركة البيع والشراء للنقد الأجنبي والتحقق من التزام الصرافين بأسعار الصرف المحددة (سعر نظام الصرف المرن)، والتحقق أيضاً من خلو أداء الصرافين من أية عمليات غير مشروعة تقع في نطاق المضاربة أو غسيل الأموال أو تمويل الإرهاب وخلافه.
5 - ضرورة قيام الدولة بترشيد الإنفاق والحد من التعيينات في الوظائف الحكومية والسلك الدبلوماسي وانتداب الوفود إلى الخارج لتمثيل المرافق الحكومية للدولة في مؤتمرات لا ضرورة لها في الظروف الراهنة وتكليف الدولة لتغطية تكاليفها بالعملة الصعبة.. واختصار ذلك على المهام الضرورية التي تعود بالنفع على الدولة.
6 - العمل على رفع نسبة الرسوم الجمركية على استيراد الكماليات، وبالذات السيارات الخاصة بمعدل 200 % إن لم يكن 300 %، وذلك بغرض الحد من الحجم المهول للسيارات التي تزدحم بها الطرقات غير المؤهلة أصلاً.. وهذا بالتالي سيحد من كمية المشتقات النفطية المستوردة التي تستنزف موارد الدولة من النقد الأجنبي.
7 - ضرورة تفعيل العمل بتحصل رسوم استهلاك الكهرباء والمياه التي تعزز من موارد الدولة ومحاربة الربط العشوائي الذي يستنزف قرابة 40 % أو أكثر من إجمالي الطاقة المنتجة.
8 - إن تسارع الدولة في التوصل مع الأشقاء بالسعودية ومناشدتهم بتأجيل تطبيق الإجراءات التي تم استحداثها مؤخرا على المغتربين المقيمين بالسعودية، بحيث يؤجل تطبيقها على المغتربين اليمنيين لمدة عامين في أسوأ الحال، لكون تطبيقها سيؤدي إلى مغادرة أعداد كبيرة من المغتربين خلال نهاية العام الحالي 2017 والذي يليه 2018م، وبالتالي حرمان الدولة من موارد مهمة من النقد الأجنبي.
هذه باختصار بعض المعالجات الضرورية العاجلة التي يتوجب العمل بها. وتأتي لاحقاً المعالجات الأخرى بعد استقرار الوضع نسبياً..!
*استشاري مالي ومصرفي/ عمر علي الشاطري

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى