محطات نضالية أفضت إلى الـ30 من نوفمبر 1967م (5).. المناضلة/ مريم سعيد عباد (دُعرة)

> كتب/ علي راوح

> سمع الكثيرون عن امرأة اسمها (دعرة) وعلم ربما البعض أن هذا الاسم ارتبط بفترة الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني منذ ما قبل ثورة 14 أكتوبر التي انطلقت من قمم ردفان الأبية، ولكن ربما الكثيرون لا يعرفون عن تاريخ هذه المرأة الأسطورة (دعرة).. فمن هي (دعرة)؟.. وما هو دورها النضالي؟
(دعرة) هي مريم سعيد عباد لعضب، ولدت في العام 1928م بمنطقة شعب الديوان بمديرية ردفان م/ لحج، تنتمي لأسرة فقيرة شأنها شأن معظم الأسر في الجنوب، ولها شقيقان وشقيقتان، كانت (دعرة) هي البكر لوالدها الذي توفي عام 1957م، وألقى بمسئولية الأسرة على عاتقها مبكراً، فخرجت للعمل الصعب، فعملت في فلاحة الأرض، وعملت في تجارة الفحم بهدف توفير سبل العيش لأسرتها. ومن بين المعاناة والظروف الصعبة تكونت شخصية (دعرة) الثائرة المتمردة على واقعها الصعب البائس.. ومثل العام 1940م البداية الأولى لامتشاق المناضلة (دعرة) السلاح، حيث شاركت في انتفاضة الحمراء خفية عن أبيها الذي ما أن أدرك فطنتها وإيمانها بالمقاومة سبيلاً للتخلص من الواقع الاستعماري الأليم حتى كان لها خير معين، بل إنه اشترى لها بندقية من نوع (فرنساوي) لإذكاء الروح الوثابة للشابة (دعرة) لاتمام غايتها ومرادها.
وبعدها جاءت مشاركتها في انتفاضة ردفان عام 1956م واستطاعت إسقاط طائرة (هيلوكبتر) تابعة للقوات البريطانية في الحبيلين، وتم اعتقالها عقب الانتفاضة، ولكنها تمكنت من الهرب من المعتقل.
وتذكر جبال ردفان وشعابها دور (دعرة) الفاعل، ومشاركتها الإيجابية في الثورة في العديد من المواجهات مع قوات المستعمر البريطاني، في فترة ما قبل ثورة 14 أكتوبر.
*قاتلت في جبال المحابشة ضد الملكيين
وعند قيام ثورة سبتمبر 1962م، كانت دُعرة ضمن طلائع أبناء ردفان الذين هبوا لتلبية نداء الواجب للدفاع عن الثورة وتثبيت النظام الجمهوري، قاطعة المسافات الطويلة سيراً على الأقدام من ردفان مروراً بتعز حتى جبال المحابشة، وهناك شاركت دعرة في العديد من المعارك ضد القوى الملكية، وأبرزها معركة (بلاد بني هجر)، كما شاركت في الدفاع عن صنعاء أثناء حصار السبعين، شانها شأن المناضلين الجنوبيين الذين هبوا من كافة مناطق الجنوب للدفاع عن النظام الجمهوري، واستشهد منهم العشرات وأصيب المئات في مختلف المناطق الشمالية. وفي سيرة أيام القتال والنضال في الدفاع عن ثورة سبتمبر تعزز لدى (دعرة) الشعور بضرورة مواصلة الثورة والتخلص من الاستعمار وتحرير الجنوب من الاحتلال البريطاني ومن السلاطين وغيرهم من المستبدين.
*في الصفوف الأولى في معركة 14 أكتوبر 1963م
عادت دعرة من تعز ومعها المئات من المناضلين من أبناء ردفان، وفي مقدمتهم الشهيد البطل راجح بن غالب لبوزة، بعد أن أبلوا بلاءً حسناً في ضرب القوى الملكية، وكان إيمانهم الأكيد بأن انتصار ثورة سبتمبر وتثبيت النظام الجمهوري سيمثل السند الاستراتيجي لدعم قيام ثورة الجنوب، وسيدعم الثوار الجنوبيين بكل الإمكانيات والمقومات التي ستعتمد عليه ثورة الجنوب، في انتهاج الكفاح المسلح ضد التواجد العسكري البريطاني، ليس في ردفان وحدها بل في كل مناطق الجنوب اليمني المحتل، وكانت هناك مجاميع تتدرب في معسكر صالة بتعز الخاص بقوات المظلات المصرية، تلك المجاميع جاءت من ردفان والحواشب والضالع والصبيحة وأبين وعدن، كلهم جمعهم هدف واحد وهو الإعداد لتفجير ثورة الجنوب المحتل.
وما إن اندلعت ثورة 14 أكتوبر 1963م إلا وكانت المناضلة (دعرة) في الصفوف الأولى للثوار في ذلك اليوم، الذي سجله التاريخ كبداية لثورة شعب الجنوب، تلك الثورة التي تواصلت على مدى أربع سنوات من النضال المرير وامتد لهيبها إلى كافة مناطق الجنوب، ولم تتوقف إلا عند رحيل آخر جندي بريطاني وإعلان فجر الاستقلال يوم الـ 30 من نوفمبر 1967.
ومنذ اللحظات الأولى لاشتعال ثورة الـ 14 من أكتوبر برز دور المناضلة (دعرة)، وكان دورا متميزا منذ تلك المعركة الأولى والتي استشهد فيها المناضل الجسور الشيخ راجح بن غالب لبوزة، كما شاركت في معارك أخرى في (وادي بناء وحردبة والربوة والحبيلين والملاح وبله)، وفي المعركة الأخيرة تعرضت (دعرة) لإصابة موجعة، إلا أن إصابتها لم تثنها عن مواصلة القتال ضد الجنود الإنجليز، بل زادتها صلابة وإصرارا في مواصلة القتال حتى تحقيق الهدف الذي نذرت حياتها من أجله وهو تحقيق الحرية ونيل الاستقلال لشعب الجنوب، وهو ما تحقق بعد تضحيات جسام قدمها المناضلون في كافة جبهات القتال التي امتدت إلى كل شبر من أرض الجنوب.
*جمال عبدالناصر يقلدها رتبة ملازم أول
كان اسم (دعرة) قد رددته الصحافة العربية والعالمية التي أشادت بالدور البطولي لهذه المرأة (الأسطورة)، وعند سفرها إلى جمهورية مصر العربية كان اسمها قد سبقها عبر الصحف المصرية للتعريف بدورها النضالي المتميز في القتال دفاعاً عن ثورة سبتمبر وإسهامها الفعال منذ اليوم الأول لثورة 14 أكتوبر، فعرفها الشعب المصري قبل وصولها إلى مصر.. عرف الشعب بقدوم هذه المناضلة القادمة من جبال ردفان الشماء، وحظيت المناضلة (دعرة) بالترحاب والاستقبال والحفاوة من قطاعات الشعب المصري، الداعم والمساعد للثورة اليمنية، كما حظيت بمقابلة الزعيم العربي الرئيس جمال عبدالناصر، الذي سعد بمقابلتها وكرمها ومنحها رتبة ملاز أول، ضمن عدد من رفاقها من جبهة التحرير ممن تلقوا تدريبهم في مصر.
*نموذج للمرأة المكافحة
في سفر حياة المناضلة (دعرة) دروس وعبر ينبغي أن تسجل للأجيال، في قدرة المرأة اليمنية، رغم التقاليد والعادات، وصعوبة الحياة، فهذه المناضلة (دعرة) علت إرادتها في سبيل الحرية لشعبها، حيث تحول السلاح في يدها إلى وسيلة للمقاومة التي خاضتها جنباً إلى جنب مع إخوتها المناضلين الأشاوس الذين أطلقت عليهم بريطانيا لقب (الذئاب الحمر) لما قدموه من كفاح مستميت وشجاعة لا تلين في مقاتلة جنود المستعمر البريطاني في ردفان، وما خاضوه من مواجهات جريئة مع جنود الاحتلال (Face to Face) وجهاً لوجه، فسموهم (الذئاب الحمر) كناية عن تلك الشجاعة الخارقة رغم عدم التكافؤ بالسلاح والإمدادات الشحيحة، ومنها الإمداد الغذائي. وتحضرني عبارة قالها المناضل/ علي أحمد ناصر (عنتر) قال: كنا نقاتل وبطوننا خاوية، وكنا نأكل (الدوم)، ونشرب الشاي، وإذا حصلنا على (كسرة) خبز (الكسرة جزء من القرص) كنا نتقاسم تلك الكسرة فيما بيننا جميعاً، وكنا رفاقا متحابين، يفدي بعضنا بعضاً.
لقد أذاقت (دعرة) ورفاقها المستعمر مرارة القتال، وعلمتهم معنى الحرية والكرامة والاستقلال، ومعنى حق الشعب في التحرير والعيش الكريم، فكانت هذه المرأة مثالا رائعا لمعنى الصمود والاستبسال والتضحية، ورغبة شعب الجنوب في الحرية والاستقلال بعيداً عن ظلم المستعمر الغاشم وسياسة (فرق تسد).. وستظل (دعرة) رحمها الله، أنموذجاً للعطاء والتضحية والإصرار على بلوغ الهدف.
كتب/ علي راوح

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى