الطاقات الأكاديمية والثقافية المعطلة

> د.عبده يحيى الدباني

>
د. عبده الدباني
د. عبده الدباني
يلاحظ المرء في واقعنا المعاصر لاسيما واقعنا المحلي كثرة الأكاديميين المتخصصين في شتى جوانب الحياة وكذلك كثرة من نستطيع أن نسميهم مثقفين او متعلمين او معلمين بما لديهم من علم بمجالات عدة من مجالات الحياة .
هذه الكثرة من حملة العلم والثقافة والفكر نجدها غير فاعلة إلى المستوى المطلوب أو حتى المقبول في واقع الحياة المعاصر وفي عقول ونفوس عامة الناس خاصة الأجيال الشابة والنشىء الذين يمثلون نصف الحاضر وكل المستقبل لهذا أصبحنا أمام واقع فيه علماء ومتعلمون ومتخصصون ومثقفون كثر وفيه جهل متفش وأمية مخيفة وفساد أخلاق وغيرها من السلبيات وهذا من وجهة نظرنا يعود إلى أن هذه الطاقات الأكاديمية والثقافية والفكرية معطلة إلى حد بعيد ولم يتم استثمارها الاستثمار المطلوب وتوظيفها توظيفا كاملا أو شبه كامل في نهضة المجتمع علميا وثقافيا وأخلاقيا وفكريا وغيرها.
إن هذه الطاقات التي أشرنا إليها في أكثرها مرتبطة بالوظيفة الحكومية أو شبه الحكومية فتؤدى تأدية وظيفية مفروضة يعتريها النقص وتكون مرتبطة بزمان ومكان محددين وبعدد معين من الناس ولم تتحول إلى ثقافة مجتمعية. فعلى سبيل المثال فإن الجامعة أي جامعة في الأرض تتلخص أهدافها الأساسية في البحث العلمي وتعليم الطلاب وخدمة المجتمع من خلال توعيته وتثقيفه وتنويره أكان ذلك من قبل الجامعة كمؤسسة بكلياتها ومراكزها أو من قبل الأكاديميين كأفراد يعيشون في وسطهم الاجتماعي أو من خلال منظمات المجتمع المدني التي يتبناها هؤلاء المتخصصون في شتى المجالات ، لكن الواقع المشهود أن أمر هؤلاء النخبة والطليعة في المجتمع اقتصروا على أداء الوظيفة الحكومية التقليدية فالمحاضر في الجامعة مثلا يقوم بتدريس محاضرة واحدة في الأسبوع لطلبة معينين في مستوى معين في قسم معين في كلية معينة وهذا جزء من الواجب الأخلاقي فقط ؛ بمعنى أن هذا المحاضر أو الأكاديمي المتخصص لم يحاول أن يجعل من علمه ثقافة لدى الناس من خلال نشره بطرق مناسبة كالكتابة في الصحف أو المحاضرات العامة أو عبر شبكة التواصل الاجتماعي وغير ذلك وقس على هذا سائر ذوي العلم والثقافة والفكر والتربية حيث أصبح الهاجس لديهم هو لقمة العيش وأسباب الحياة الأخرى سواءاً أكانت أساسية أو كمالية.
سأضرب مثلا آخر لتتضح الصورة أكثر اذ نجد الطبيب اليوم لا يهتم بعمله في هذا المستشفى أو ذلك المجمع بل تجده يهتم بالعمل في عيادته الخاصة كل هذا من غير أن يحول علمه في الطب بنوع من التصرف إلى ثقافة طبية لدى المجتمع من خلال قنوات كثيرة كما ذكرنا. ليس مطلوبا منه أن يعلم كل الناس الطب تعليما أكاديمياً ولكنه يستطيع أن يوجه الناس إلى بعض السلوك وإلى بعض المعارف التي تنفعهم في حياتهم كثقافة عامة ويحذرهم من بعض السلوكيات التي تتسبب في امراض عدة ؛ وقل مثل ذلك في المهندس والمحامي والتربوي وعالم العقيدة او الفقه او الحديث والإداري والاقتصادي والحقوقي واللغوي وعالم الأدب والمؤرخ والجغرافي والكيميائي والفيزيائي وعالم البيئة وعالم الفلسفة والإعلامي المتخصص وغيرهم .
لقد غاب عن هؤلاء أن العلم أمانه وأنه عهدة لدى أصحابه وعليهم نقله إلى كل من يحتاجه وليس الاقتصار على توظيفه في البحث عن وظيفة حكومية أو في أدائها المحدد زمانا ومكانا. فسوف يسألنا الله تعالى عما تعلمناه كيف وظفناه وكيف خدمنا به الناس وكيف نقلناه إلى الأجيال فالعلم ينفق ويتجدد ويزكو كما ينفق المال ويتجدد ويزكو ؛ فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن لا حسد إلا في عمل اثنين: منفق ماله ليلا ونهارا ومنفق علمه ليلا ونهارا لوجه الله تعالى.
مازلت أذكر ذلك الطبيب الرائع رحمه الله ألا وهو الدكتور أحمد الشيبة الذي لاتزال تتذكره عدن وكل اليمن حيث كان طبيباً مثقفا ينفق علمه الطبي بشكل دائم ولم يكتف بالتقوقع خلف جدران العيادة أو المستشفى فكثيراً ماكتب عن طب الأطفال وعن الأمهات وعما ينبغي أن يتناول الطفل وكيف يتم التعامل معه وغير ذلك وطالما كان ( حليب الأم) هو قضيته الكبرى التي حملها من مسجد إلى مسجد ومن صحيفة إلى أخرى ومن مؤتمر الى غيره ومن منبر إلى آخر فضلا عن عمله الاعتيادي طبيبا فأين ذهب أطباء الأطفال من بعده وما أكثرهم.
مثل هذا الرجل النادر حول علمه الطبي إلى ثقافة لدى الآباء والأمهات وغيرهم بل إلى قضية وهم ورسالة خالدة.
أننا مجتمع نام يأتي في آخر السلم في التقدم الاجتماعي ومع هذا فإن كثيرا من طاقات هذا المجتمع العلمية والثقافية والفكرية معطلة ونحن في أمس الحاجة إليها لتنهض مجتمعاتنا وتلحق بركب الشعوب المتقدمة.
اما وسائل نشر الوعي والثقافة والفكر والأدب والأخلاق وغيرها فما أكثرها فمنها تأسيس منظمات المجتمع المدني في مجالات شتى حقوقية وصحية وتربوية وأدبية وغيرها وكذا تأسيس مراكز بحث ومعلومات ومواقع الكترونية والقيام بالمحاضرات العامة والخاصة والنشاطات الثقافية والنزول إلى المدارس والكليات وغيرها وكذا الكتابات في الصحف والمواقع وكذا تذكير الناس بعد الصلوات في المساجد ولفت انتباههم إلى هذا الموضوع أو ذاك .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : بلغوا عني ولو آية .
ان رواد نهضة الشعوب واعلامها كانوا في الأصل مثقفين وذوي علم وفكر ولكنهم دخلوا التاريخ
من باب تصديهم لمهمة النهوض
الحضاري لشعوبهم وليس من باب انهم كانوا عالمين او متعلمين.
إن الملائكة لتصلي على معلمي الناس الخير كما جاء في الحديث الشريف.
*نائب رئيس اتحاد الادباء والكتاب بعدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى