جريمة جلب المخدرات في القانون اليمني «دراسة مقارنة»

> عهد جميل عثمان

>
عهد جميل عثمان
عهد جميل عثمان
هناك أسئلة تطرح وبشكل مستمر عن كيف يتم تمييز جلب المخدرات عما يشتبه به من الأفعال مثل نقل المخدرات واستيرادها وإحرازها وحيازتها والاستعمال الشخصي لها؟!
نرى بأن القانون اليمني رقم (3) لسنة 1993م بشأن مكافحة الاتجار والاستعمال غير المشروعين للمخدرات والمؤثرات العقلية، وأيضا القانون الاتحادي الإماراتي رقم (14) لعام 1995م، قد اعتمدوا معيار الأقاليم والمحافظات وهو معيار شكلي وذلك للتميز بشأن نقل المخدرات واستيرادها عن جلب المخدرات.
لقد جاء في نص المادة (1) في القانون الاتحادي بشان مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية عن الاستيراد «إدخال المواد المخدرة والمؤثرات العقلية إلى إقليم الدولة».
وإن النقل هو «نقل المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية من خارج إقليم الدولة». أما الجلب فقد عرفه بأنه «إحضار المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية من خارج إقليم الدولة».
وعرفت أيضا المادة (2) من القانون رقم (3) بشأن مكافحة الاتجار بالمخدرات والاستعمال غير المشروعين للمخدرات والمؤثرات العقلية في الفصل الثاني حول الجلب والتصدير والنقل على أنه «يحضر على أي شخص أن يجلب أو يصدر أو ينتج أو يملك أو يحرز أو يبيع مواد مخدرة أو يتبادلها أو ينزل عنها بأي صفة أو أن يدخل بصفته وسيطا أو مستخدما بأجر أو بدون أجر إلا في الأحوال المنصوص عليها في القانون والشروط المبينة».
ويلاحظ من ذلك تشابه كبير جدا بين القوانين وأيضا المفاهيم وذلك في الاستيراد للمخدرات وجلبها.
إن النقل عملية داخل إقليم الدولة أو أي محافظة معينة وهي لا تثير أي إشكالية في التطبيق، خاصة إذا علمنا بأن إقليم دولة الإمارات مثلا يمثل أرضها ومياهها الإقليمية وفضاءها الذي يعلوها، وكذلك الجزر الواقعة تحت الاحتلال الإيراني جنب الكبرى والصغرى وجزيرة أبو موسى، فإذا تم نقل تلك المواد المخدرة داخل الإقليم وعبر الإمارات المعروفة التي يتأكد منها الاتحاد فإن ذلك يعد نقلا داخل الإقليم ولو تم مرور تلك المخدرات عبر النقاط الجمركية ونقاط التفتيش لتلك الإمارات، أي مثلا المرور بين دبي وأبو ظبي أو الشارقة... إلخ.
بينما تبرز الصعوبة في التمييز بين الاستيراد والجلب رغم اعتماد المشرع معيار الإقليم من حيث وقوف الأفعال المحققة للجلب عن خط الحدود الجمركي دون تجاوزها إلى داخل إقليم الدولة، بينما تعد أفعال استيراد إذا تجاوزت تلكم الأفعال خط الحدود الجمركية إلى داخل إقليم الدولة فإن ذلك يحقق جريمة استيراد المخدرات وليس جلبها.
ولقد لاحظنا بأن محكمة تمييز دبي قد أضافت إلى مفهوم الجلب المحدد في نصوص القانون رقم (14) لعام 1994م بأن اعتبرت نقل المخدر من خارج إقليم الدولة وإدخاله إلى نطاقها الإقليمي محققا لجريمة جلب المخدرات ونقلها وهذا الأمر لم يرد نص المادة (1) من القانون، ولقد لجأت المحكمة إلى ذلك نتيجة عدم وضوح مفهوم الجلب في القانون، فإحضار المخدرات من خارج الإقليم يعني بالضرورة إدخال المخدر إلى حدود الدولة وهو ما يمثل نطاقها الإقليمي غير أن محكمة تمييز دبي قد ذهبت في قضائها إلى أبعد من ذلك عندما اعتبرت الجلب بأنه استيراد، وذلك بقولها المقصود بالجلب في حكم القانون رقم (14) لسنة 1995م في شأن مكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية (هو استيراد المخدر بالذات أو الواسطة متى تجاوز بفعله الخط الجمركي لإقليم الدولة، فكل واقعة يتحقق بها نقل المخدر من خارج الدولة وإدخالها إلى المجال الخاضع لاختصاص إمارة دبي الإقليمي على خلاف الأحكام المنظمة لجلبها المنصوص عليها في القانون يعتبر جليا حتى ولو كان المتهم قد دخل البلاد عن طريق الترانزيت قاصدا التوجه إلى خارجها).
بعد تدقيق لهذا النص من قبلنا فإننا لم نعثر له وجودا في القانون الاتحادي رقم (14) لسنة1995م، لأن نص المادة (1) قد قدمت تعاريف لكل من الجلب والاستيراد جرى استعراضهما والتمييز بينهما وإن ما ذهبت إليه محكمة تتميز دبي هو مأخوذ عن قضاء محكمة النقض المصرية في أحد تعاريفها للجلب والذي أوردته في قضائها بصدد الطعن رقم (511) لسنة 1976 جلسة رقم(46) عندما قضت بأن القانون رقم (182) لسنة 1960م إذ عاقب في المادة(33) منه على جلب المواد المخدرة، فقد دل على أن المراد بجلب المواد المخدرة استيراده بالذات أو بالواسطة ملحوظا في ذلك طرحه وتداوله بين الناس سواء كان الجالب قد استورده لحساب نفسه أو لحساب غيره متى تجاوز بفعله الخط الجمركي... الخ.
ولذلك نرى بأنه كان على محكمة تمييز دبي أن تتصدى لتعريف الجلب باعتباره استيرادا، جريا وراء قضاء محكمة النقض المصرية، وذلك لاختلاف النصوص القانونية المطبقة، ولأن المشرع الإماراتي قد أورد مفهومي الجلب والاستيراد كمفاهيم مستقلة إذا تتحقق أحدها شكل جريمة مختلفة، الأمر الذي لم يأخذ به المشرع المصري عندما أحل لفظ الجلب محل لفظ الاستيراد، ونصه على حظر الجلب والتصدير، بينما حظر المشرع الإماراتي الجلب والاستيراد والتصدير، الأمر الذي يجعل حكم محكمة تمييز دبي باطلا طالما ذهب إلى اعتماد تعريف لمحكمة النقض المصرية وعدم اعتماده على تعريف القانون رقم (14) لعام 1995م لمفهوم الجلب وهو يختلف عن مفهوم الاستيراد، وهذا يدل على عدم الرجوع إلى نصوص القانون الواجب التطبيق لمعرفة المفاهيم التي قصدها المشرع.
أما بالنسبة للمشرع المصري فإنه لم يكتفِ بمعيار الإقليم لأغراض تحقق جريمة جلب المخدرات حيث إن فاعل الجلب ينبغي أن يتجاوز الخط الجمركي إلى داخل إقليم الدولة، بل ولابد أن يقصد جالب المخدر طرح المخدر بين الناس أو تداوله في هذا الإقليم.
ولذلك فإن مفهوم جلب المخدرات في القانون المصري حسب تطبيقات محكمة النقض المصرية يختلف عن مفهوم الجلب في قانون مكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية لدولة الإمارات العربية المتحدة رقم (14) لعام1995م، حيث إن فعل الجلب في هذا القانون يجب ألا يتجاوز خط الحدود الجمركية وإلا عد استيرادا لا جلبا، ولذلك لا يمكن تصور الشروع في جلب المخدرات في القانون الإماراتي، بينما يمكن تصوره في القانون المصري، باعتبار أن عدم تجاوز خط الجمرك بالمواد المخدرة وكان حاملها قد قصد إدخالها إلى إقليم الدولة بل وقصد طرحها للتداول بين الناس فإن ذلك الفعل لا يعد أن يكون شروعا في الجريمة ولا يحقق الجريمة التامة استنادا إلى تعريف الشروع بأنه البدء بتنفيذ فعل يقصد ارتكاب جريمة إذا أوقف سلوك الفاعل أو خاب أثره بسبب لا دخل لإرادته فيه.
أما في القانون الفرنسي فإن تطبيقات محكمة النقض الفرنسية قد ذهبت إلى أن تجهيز المواد المخدرة لشحنها على أحد السفن من ميناء المغرب المتجه إلى فرنسا يعد شروعا في جلب المخدرات، هذا يعني أن أفعال الجلب المحققة للشروع قد تبدء في الخارج طالما قصد الجاني نقلها إلى دولة معينة، وهذا القضاء يؤدي ما ذهبنا إليه من إمكانية تصور الشروع في جريمة جلب المخدرات.
*الباحث في قسم القانون الجنائي
كلية الحقوق بجامعة عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى