72 مليون دولار + 23 مليون دولار = 95 مليون دولار

> محمد نجيب

>
محمد نجيب
محمد نجيب
أعلاه هو إجمالي مطالبات (بالدولار الأمريكي) رجل الأعمال والبر المعروف أحمد العيسي الحكومة مقابل توريده لمادة الديزل لـ(4) أشهر.
ومن هذا المبلغ الإجمالي والشرح المصاحب له من خلال التصريح الصحفي للتاجر العيسي سنحاول - بكل أمانة وحرفية ومهنية - معرفة 3 أمور (سنحددها لاحقا)، تتعلق بنشاطه في توريد المشتقات النفطية (الديزل) المخصصة لتوليد الكهرباء في العاصمة عدن .
وبالعودة إلى التاجر، نحن لا نسخر (نتلاكع)، أو نحاول أن نجمل صورة المذكور. ولكن نقتدي بالآية الكريمة: “ولا تبخسوا الناس أشياءهم..”. ذلك أن مناقب المقصود ومواقفه الإنسانية تتداول بين الحين والآخر بين العامة بمختلف الفئات الاجتماعية. ومما قدمه ولا يزال، على سبيل المثال وليس الحصر، مساعدته المادية والعينية المستدامة لأسر عديدة. كذلك ما أنجزه في تخفيف معضلة ومعاناة المواطنين الذين تقطعت بهم السبل، وكانوا خارج الوطن في بدايات “عاصفة الحزم” المنقذة. إضافة إلى تكفله أو مساهمته في نفقات علاج أبناء الوطن الذين شاء قدرهم السفر إلى الخارج للتطبيب من أمراض مستعصية جنبا إلى جانب أعداد أكبر يتلقون المساعدة في المستشفيات الأهلية داخل الوطن. ولا يفوتنا التذكير بالتزام العيسي المطلق بتمويل كل متعلقات ومتطلبات واحتياجات وضروريات منتخبات كرة القدم الوطنية.
ولكن وبرغم هذه المقدمة الإيجابية (المجردة والصادقة)، وإكمالا لبقية الآية الكريمة: "..ولا تعثوا في الأرض مفسدين"، فـ"احتكاره" عن طريق شركاته لعمليات توريد المشتقات النفطية (الديزل) لمحطات توليد الكهرباء، والتي كانت قد بدأت منذ فترة، فإن هذا الوضع كان و لايزال يثير جدلاً واسعاً واستنكارا لدى جميع فئات المجتمع بمختلف أطيافه في العاصمة عدن، المحروسة بإذن الله. وأدى غض بصر السلطة والقائمين على شؤون التحالف، على مثل هذه الحالة غير المسبوقة إلى استياء واستنكار أبناء وأهالي عدن، الذين تأسس لديهم مفهوم وواقع يربط مباشرةً بين تصرفات العيسي وانقطاعات الكهرباء، وبالأخص الطويلة منها التي يشار حينها بالبنان بأن المسؤولية تقع على عاتق المذكور ومن يدور في دائرة أعماله، لسبب أو لآخر.. (وهذا الحاصل في الوقت الراهن وتحديدا منذ 24 اكتوبر 2017م إلى حين كتابة هذا المقال).
وبرغم ما كتب عن هذا الموضوع، إلا أن التاجر العيسي لم يحاول إبداء رأي أو حتى توضيح موقفه. والواقع القائم والحاصل هو أكبر برهان.. فالعيسي مستمر في نشاطه “الاحتكاري”، دون اكتراث لأحد. ويبدو أن القرار ليس بيده!.. كما أنه لا يريد فقدان هذه الصفة التجارية (الاحتكار) والذي نهانا عنها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم. ولعل الربحية الخيالية (كما سنثبتها لاحقاً) سبب رئيس يجعله لا يتراجع حتى يُتاح دخول تجار آخرين في هذا النشاط بطريقة تنافسية تكون حصيلتها استدامة وتحسن الأحوال الحياتية ومستوى رضا المواطن في العاصمة عدن، المباركة والمحروسة.
ولكن وقبل البدء والخوض في مهمتنا دعونا نتعرف على قليل من المعارف عن النفط وعن صناعة تكرير النفط (تختلف عن صناعة النفط). يعتبر النفط أهم سلعة يتم تداولها يومياً حول العالم، بسبب أهميته في تحريك عجلات ومكونات الاقتصاد العالمي، وكذا استخداماته الأخرى كسلاح اقتصادي وأداة ضغط سياسي...إلخ.
ينتج العالم نحو 100 مليون برميل نفط خام يومياً، وهناك ما يقارب الـ 160 صنفا من النفط، ولكن 3-أصناف من الخام هم الأشهر وهي: خام برنت (أساساً لسوق أوروبا “الأشهر إطلاقا”) وخام غرب تكساس (سوق أمريكا الشمالية)، وهناك أيضاً خام دبي (للشرق الأوسط وآسيا).
ويطلق على هذه الأنواع الثلاثة بـ“الخامات القياسية”، ويتم استخدامهم لتسعير بقية النفوط طبقاً لعاملين اثنين أساسين هما:
1- كثافة الخام (ثقيل، متوسط، خفيف)، كلما كان الخام خفيفا فهو الأفضل، برنت وغرب تكساس يعتبران من النوع الخفيف. دبي يعتبر من الثقيل/المتوسط.
2- نسبة الشوائب (تحديداً الكبريت) في الخام، فكلما قلّت النسبة كان الخام الأجود كما في برنت وغرب تكساس، وأيضا الخام الليبي الذي يعتبر واحدا من أجود أنواع الخامات عالمياً. أما جودة خام دبي فهي الأقل نسبيا، لاحتوائه على نسبة كبريت تعادل 6 أضعاف بالتي في برنت وتكساس.
يتم تسعير النفط (خام/ مكرر) بإعطائه قيمة مالية للبرميل الواحد. مثلاً : 50 دولار للبرميل الذي هو بسعة نحو 159 لترا أو 42 جالونا امريكا. وهناك عدة عوامل تتحكم في أسعار النفط (خام/ مكرر) أهمها “العرض والطلب”، بالإضافة إلى أسباب اقتصادية، سياسية، كوارث طبيعية والحروب.
يتم تكرير الخام بالمصافي وذلك بتسخينه (250~ 300 درجة مئوية)، ومن تم تكسيره (تكريره) واستخراج مشتقاته بالنسب الآتية:

ويتم التعامل والتداول في المشتقات النفطية مباشرة مع المصافي في بلدان الإنتاج من خلال أذرع البيع والتسويق فيها، وأيضا من وكالات وشركات بيع الجملة المتخصصة في هذا المجال. ويمكن معرفة الأسعار والتي تتغير باستمرار (طلوعا ونزولا) من خلال نشرات أسعار تظهر إلكترونيا في مواقع في الإنترنت. والتي تتضمن سعر البرميل المكرر والتسليم (بحرا/برا) أو مكان التخزين (صهاريج).
ويتداول بيع وتسليم المشتق حاضرا (فوري) أو البيع والتسليم والدفع في آجال مستقبلية (من شهر إلى 24 شهرا) بناءً على أسعار تحدد حاضرا (Future Options/ Contracts).
وفيما يتعلق بأساسيات تكلفة تكرير وإنتاج المشتقات النفطية (بترول وديزل) فإنها تختلف من مصفاة إلى مصفاة أخرى، تزيد أو تقل بناء على عمر وحجم منشأة المصفاة والتقنية المستخدمة وفعالية طرق الإنتاج.. إلخ. وعموماً نجد أدناه دليلا تقريبيا لعوامل التكاليف لتكرير برميل واحد من الخام إلى مشتقات (بترول/ديزل):
1. سعر برميل النفط الخام، وهو أهم عامل .
2. تكلفة التكرير وأرباح المصفاة، وهي تراوح 22-14 % من سعر برميل النفط الخام.
3. مصاريف التوزيع والتسويق وهي ما بين 16-13 % من سعر برميل النفط الخام.
4. تكلفة النقل (بحرا + تأمين) وهي نحو 5-10 % من سعر برميل النفط.
ويعتبر قرب بلدة المصفاة(نقطة الشحن) من الوجهة الأخيرة (في حالتنا البريقة - عدن) عاملا مهما في قرار الشراء. ذلك إن هذا يخفض في تكلفة النقل. في حال موضوعنا ، فلابد أن التاجر يتعامل مع مصافي/شركات متواجدة في دول مجلس التعاون الخليجي تسوق لمشتقات أساسها خامها الثقيل/المتوسط (خام دبي) ربما إمارة الفجيرة تحديدا.
خزانات الوقود - الأرشيف
خزانات الوقود - الأرشيف

وقد بلغ متوسط سعربرميل خام دبي خلال الأشهر الأربعة (مايو - أغسطس 2017) نحو 48.42 دولار للبرميل.
وبالعودة إلى مقالنا وعنوانه والذي وعلى ضوء ما سبق لدينا الأسئلة الآتية:
1 - كم هو الحجم الشهري (التقريبي) بالطن من المشتقات النفطية (الديزل) التي يوردها التاجر؟.
2 - ما هي التكلفة (تقديرا) الإجمالية، لكل شحنة شهرية والتي يدفعها العيسي إلى مصادر وجهات البيع في المنشأ (بالخارج)، إضافة إلى أي نفقات ومصروفات يقوم بتحملها (أجور نقل/ شحن، تأمين... إلخ) حتى وصول باخرته إلى عدن وإفراغ حمولتها في ميناء الزيت في البريقة؟
3 - ما هو صافي الربح التقديري عن كل شحنة يتم إفراغها بميناء الزيت في البريقة؟
ومن أجل إيجاد إجابات عن هذه الأسئلة، استندنا إلى افتراضات مستمدة أساسا من تصريح العيسي الصحفي. وكما قمنا بالاستعانة بمؤشرات الصناعة تم أخذها من عوامل التكلفة (Cost Factors) الأهم والرئيسة في تحديد السعر/القيمة لعملية تكرير برميل النفط الخام وتحويله إلى مشتقات (ديزل).
وللمعلومية فإن مثل هذه العوامل والمؤشرات متوفرة بكل توضيح وسهولة في مواقع لا تعد ولا تحصى في الشبكة العنكبوتية. ولكي تظهر كل العوامل المذكورة أعلاه بالمسؤولية فقد انتهجنا قاعدة “التحفظ” (conservatism) عند التعامل بالأرقام، وتحديدا المتعلقة بعوامل تكاليف التكرير، أي سوف نتعامل مع نسبة تكاليف الأعلى لهذه العوامل للوصول إلى التكلفة التقديرية (النهائية للمشتق) حتى تبرز أكثر واقعية..
كما تحصلنا على متوسط أسعار برميل خام دبي خلال الأربعة الأشهر المذكورة (مايو - أغسطس2017)
نستهل أولا بالحقائق الدامغة والتي ذكرها التاجر العيسي في مقابلته الصحفية وكانت:
1 - مطالبته بمبلغ 23 مليون دولار قيمة حمولة باخرة (لم يذكر حجمها) تعود لشهر مايو 2017.
2 - ومطالبته بمبلغ آخر وقدره 72 مليون دولار قيمة مشتقات نفطية (هنا أيضاً لم يصرح بحجمها الشهري أو الإجمالي) وردها خلال يونيو ويوليو وأغسطس 2017 (لـ3 أشهر بالترتيب).
وبقسمة مبلغ الـ 72 مليون دولار على الـ 3 أشهر نجد أن الناتج هو 24 مليون دولار في كل شهر. لذا بإمكاننا أن نقدر تقديرا مؤكدا توريده لـ3 شحنات شهرية متساوية الحجم والقيمة من مادة الديزل (يونيو - أغسطس).
مع ملاحظة أن قيمة شحنة مايو تقل بنحو 4 % فقط عن قيم الـ3 شحنات اللاحقة. وهي باعتقادنا نسبة هامشية ربما تعود أساساً إلى تذبذب (نزولاً) أسعار المشتقات في ذلك الشهر مقارنةً مع الـ 3 الأشهر الأخرى المذكورة. إذن تمَّ توريد 4 شحنات ديزل متساوية الحجم وبقيمة متساوية لثلاث شحنات (يونيو، يوليو، أغسطس) وقيمة أقل (4 %) لشحنة مايو 2017م.
وبالعودة بالزمن قليلا إلى أوائل شهر يونيو 2017م، عندما كانت انقطاعات الكهرباء الأطول والأشد منذ التحرير. حينها كان يقال إن السبب الرئيس والوحيد كان نفاد مادة الديزل من محطات الكهرباء وخزانات المصفاة. (كما هو الحال الآن، أوائل نوفمبر 2017)، هذا برغم ما كان يتداول حينها بين الجميع في المنتديات ومن خلال شبكات التواصل الاجتماعي عن “وجود” باخرة وقود ديزل تابعة للتاجر العيسي راسية خارج ميناء التفريغ (الغاطس)، وكانت محملة بنحو “42 ألف طن من الديزل”. وقيل حينها إن التاجر أمر الباخرة “بعدم إفراغ” حمولتها الغالية بسبب مماطلة وتقاعس الحكومة في سداد فواتير سابقة (ربما لأشهر مايو - يوليو).. وانتهت هذه الدراما بتدخل “فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس الوزراء” وأفرغت الباخرة حمولتها بعد التعهد بسداد المستحقات القائمة القديمة (أو هكذا قيل)... وعليه نصل إلى الاحتمال القوي بأن قيمة شحنة الـ 42 ألف طن لابد وإن كانت في حدود الـ 24 مليون دولار.
وللعلم، فإن الطن الواحد من المشتقات يحتوي تقريبا على 7 براميل من المنتج.
وبتطبيق معادلة الربط لرقمين معروفين لدينا، نستنتج أن إجمالي حجم الشحنات التي وردها العيسي للأربعة أشهر (مايو - أغسطس 2017) كان 168 ألف طن من المشتقات النفطية بقيمة إجمالية تصل إلى 95 مليون دولار، كما ذكر التاجر في المقال. وعليه يكون سعر الطن من المشتقات نحو 565 دولارا. وإذا كان هذا الرقم هو المبلغ الذي يستلمه الموقر مقابل كل طن من المشتقات، فكم كانت التكلفة الإجمالية والشاملة لذات الطن والذي دفعها ذات التاجر إلى جهات البيع وخلافه؟
في هذه الحالة ستكون تكلفة/قيمة البرميل الواحد من المشتقات بتطبيق عوامل تكاليف التكرير المذكورة سلفا هي الآتية:
متوسط سعر برميل الخام = 48.42 دولار
تكلفة التكرير والأرباح = 22 % = 10.7 دولار/ برميل
مصاريف التوزيع والتسويق = 16 % = 7.75 دولار/ برميل
تكلفة النقل (بحرا) = 5 دولار/ برميل
الإجمالي = 72 دولار/ برميل
التكلفة بالطن = 72× 7 = 504 دولار أمريكي/ طن مكرر
* الإستنتاج:
كم الربحية الصافية التقديرية التي يجنيها التاجر العيسي عملا بالفرضيات والتقديرات والمؤشرات والتي تمّ الاسترشاد بها؟
نحن قد أوجدنا (تقديرا) تكلفة شراء المشتقات من المصدر والتي قدرت بنحو 504 دولار امريكي/طن.
كذلك أوضحنا إجمالي حجم الشحنات وكانت نحو 168الف طن في الديزل.
كذلك وصلنا إلى القيمة التي يبيع بها التاجر الطن من الديزل إلى الدولة وهي تقريبا 565دولار امريكي/ طن.
* إذاً، الربح الصافي الذي يتحصل عليه المورد هو = 565 دولار/طن 504 دولار/ طن = 61 دولار لكل طن.
* وبما أن إجمالي الشحنات قد كانت نحو 168 ألف طن للأربعة أشهر (مايو - أغسطس2017م) فإن الربح الذي تحصل عليه التاجر هو:
61 دولارا × 168000= 10.248,000 دولار أمريكي في 4 أشهر، أي بمعدل 2,56 مليون دولار شهريا.
هذه هي وجهة نظرنا المتواضعة بناء على الفرضيات والمؤشرات والتقديرات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى