الرئيس علي ناصر في خطاب سياسي بمناسبة اليوبيل الذهبي لـ30 من نوفمبر: رجال نوفمبر حققوا الاستقلال وذهبوا لممارسة حياتهم الطبيعية ولم يطالبوا بثمن أو ينشئوا ميلشيات خاصة

> القاهرة «الأيام» خاص

> قال الرئيس الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد أن الرجال الذين حققوا الاستقلال عن بريطانيا مارسوا حياتهم الطبيعية والتحقوا بما كلفتهم به القيادة، ولم يطالبوا بثمن أو ينشئوا ميلشيات خاصة وينفرد كل منهم باقتطاع جزء من عدن.
وأضاف ناصر في بيان سياسي بذكرى 30 نوفمبر إن هذه واحدة من تجارب الاستقلال "ينبغي أن نستفيد منها في واقعنا الراهن المليء بالصعوبات في محاولة شعبنا صياغة واقع جديد".
*نص الكلمة
خمسون عاما على الاستقلال
في 30 نوفمبر هذا العام تمر خمسون سنة كاملة على يوم الاستقلال الوطني في جنوبنا الحبيب .
في البدء أتوجه بخالص التهاني الى شعبنا العظيم صانع ذلك النصر والحدث في لحظة تاريخية اكتملت فيها كل عوامل النجاح وادواته، وتهيأت فيها الظروف المحلية الوطنية والإقليمية والدولية لدحر الاحتلال و انتصار الثورة التحررية التي انطلقت من جبال ردفان في الرابع عشر من اكتوبر 1963 وتحقيق الاستقلال الناجز في 30 نوفمبر 1967 وإعلان جمهورية اليمن الجنوبية دولة حرة مستقلة ذات سيادة لها سلطة واحدة، وحكومة
واحدة، وعلم واحد، وجيش واحد وأمن واحد وسلطة قرار واحدة، ورئيسجمهورية يمارس سلطة الدولة من قصر الشعب في التواهي الذي كان مقر اللمندوب السامي البريطاني هو الزعيم قحطان محمد الشعبي.. حيث أصبح الجنوب يحكم من أبنائه لأول مرة في إطار دولة واحدة من حوف الى باب المندب منذ قرابة 129 عاما من الإحتلال البريطاني لعدن وبقية الجنوب.
الرجال الذين حققوا الاستقلال بعد ان أنجزوا المهمة ذهبوا لممارسةحياتهم الطبيعية، والتحقوا بالأعمال التي كلفوا بها من قبل القيادة، ولم يطالبوا بثمن، او ينشئوا ميلشيات خاصة وينفرد كل منهم بإقتطاع جزء من عدن، اومنطقة من المناطق المحررة، بل تفرغوا لمهمة بناء الدولة وعملية التنمية والدفاع عن الثورة والوطن كل في موقعه.
ولقد كان مشهدا مهيبا ذلك اليوم فالكل يلتقون لأول مرة وجه ا لوجه بعدانسحاب القوات البريطانية وتحقيق النصر على قوات الاحتلال.. العائدون من الخارج برئاسة المناضل قحطان محمد الشعبي والفدائيون الذين خرجوا من مرابضهم القتالية وهم يظهرون لأول مرة أمام العالم بعد عمل سري استمر لأكثر من 4 سنوات ولا يعرفون إلا بأسمائهم الحركية ، والمناضلون القادمون من جبهات القتال في الريف، والعسكريون الذين كانوا يناصرون ويساندون الثورة بالمال والسلاح والمعلومات، يظهرون لأول مرة أمام الكاميرات وهم يحتفلون والجماهير تهتف للجبهة القومية وتردد )برع برع يا استعمار
برع من أرض الأحرار( وغيرها من الأغاني والأناشيد والأهازيج التي تعبر عن فرحتهم بهذا النصر الذي تحول إلى عرس وطني كبير لم يشهد له التاريخ مثيلا في الجنوب قبل ذلك التاريخ الذي شاركت فيه جماهير شعبنا بمختلف مكوناته وأطيافه ومن كل المناطق.
هذا حدث من حوادث التاريخ، وحقيقة من حقائق الواقع أرساه شعبنا المناضل من أجل الحرية والاستقلال، ولا يحق لأي كان أن ينتقص من الاستقلال الوطني، أو التشكيك فيه او بتضحيات الشعب، لأن شعبنا عندما ثار على الاحتلال واختار طريق المقاومة الشاملة، فإنما كان يمارس حقه الطبيعي الذي شرعته كل الشرائع السماوية والأرضية، بما في ذلك حق تقرير المصير الذي أقرته شرعة الامم المتحدة ولجنة تصفية الاستعمار، وحقه كشعب حر أبي يرفض ورفض الاحتلال لوطنه منذ اللحظة الاولى، ولم تتوقف مقاومته
حتى رحيل آخر جندي بريطاني من أرضه الطاهرة، وكانت عدن عصية على كل الغزاة والطغاة عبر التاريخ لأنها لم ولن تقبل إلا بحكم أبنائها.
هذا مجال لامكان فيه للتشكيك لأنه كان محل إجماع وطني في كل المراحل، ولم يكن هدف الاستقلال محل خلاف من القوى الوطنية. بل ربما كان الإختلاف حول السبل والطرائق لتحقيق الهدف الأسمى . وقد كان الكفاح المسلح لانتزاع الاستقلال هي الرؤية التي كتب لها الانتصار في الاخير، وهي التي أنجزت النصر وحققت الاستقلال بقيادة الجبهة القومية وبالشراكة مع جبهة التحرير، ومعهما كل القوى والشخصيات الوطنية التي آمنت بإرادة
الحرية والاستقلال . بعد ان استخلصت الدروس والعبر من الانتفاضات والمقاومات السابقة خلال كل المراحل في مختلف المناطق، وخرجت برؤية واحدة واداة تقود النضال وقيادة واحدة وحدت ارادة الشعب وحولت الاستقلال من فكرة وحلم الى واقع ودولة بفضل الدعم الشعبي العربي وفي المقدمة مصر وشعبها العظيم عبر عملية (صلاح الدين).
هذه واحدة من تجارب الاستقلال ينبغي أن نستفيد منها في واقعنا الراهن المعقد والمليء بالصعوبات والمطبات في محاولة شعبنا صياغة واقع جديد، بعدما اعترى دولة الاستقلال من إخفاقات وصراعات ولأسباب ذاتية وموضوعية.
في الذكرى الخمسين للاستقلال ينبغي تسجيل أنه كان أحد أعظم إنجازات العصر في الوطن العربي في نهاية ستينيات القرن العشرين المنصرم، والنقطة التي شهدت نهاية امبراطورية لم تكن تغرب عنها الشمس.
وللتاريخ والإنصاف فإن عصر ا جديدا بدأ منذ تلك اللحظة، إذ نشأت دولة جديدة شكلا وواقع ا في المنطقة وحدت نحو 23 سلطنة وإمارة ومشيخة في دولة واحدة تمتد من باب المندب حتى المهرة، تبلغ مساحتها 332 الف كم، وتتحكم في باب المندب وهو من أهم الممرات المائية الاستراتيجية في العالم.
يحسب لهذه الدولة انها أرست حالة من الإستقرار السياسي والأمني، وكان هذا واحد ا من أهم إنجازاتها على طول أراضيها ، ولم تسجل طوال وجودها حالة تقطع واحدة، أو حالة ثأر واحد، أو خطف لمواطن أوسائح، وأحبطت بقوة قواتها المسلحة وجهازها الأمني ووعي وتعاون مواطنيها كل محاولات التخريب التي استهدفتها من الداخل أو من الخارج منذ 30 نوفمبر 1967 حتى عام 1990.
ويحسب لهذه الدولة وكما يعرف الجميع بأنها كانت دولة النظام والقانون وحكم المؤسسات، وبنظام إداري ومالي ورثته عن بريطانيا وقامت بتطويره وتعميمه على ربوع الجمهورية وفق ا لمقتضيات العصر وتوجهات الدولة السياسية والاقتصادية والإجتماعية.
والأهم أنها كانت دولة خالية من الفساد بكل صوره بما فيه نهب المال العام الذي لم يكن له وجود يذكر كما نراه اليوم على حساب آلام الناس مما يصيبهم بالفقر والعوز ويقوض أحلامهم بحياة حرة كريمة ويجعلهم فريسة للفوضى والإرهاب وإنعدام الأمن الذي لا استقرار ولا تنمية بدونه. ووفقا لامكانياتها ومواردها المحدودة ، ومساعدات أشقائها وأصدقائها التي لم تكن كبيرة، لكنها استغلتها أفضل استغلال بشهادة المنظمات الدولية،
فإن هذه الدولة أولت اهتمامها بالإنسان بالدرجة الاولى، بالتعليم والصحة وبقية الخدمات، فكان التعليم فيها مجان ا من الروضة الى الجامعة، وقضت على الأ أمية وعلى البطالة، وكان التطبيب فيها مجانيا، وأعطت الأهمية لغذاء الشعب فكانت تدعم السلع الأساسية والدواء والكتاب عبر صندوق دعم الأسعار الذي أنشأته لهذا الغرض. وكان التأهيل في مختلف التخصصات العلمية هو الاستثمار الكبير في بناء الدولة والمجتمع في تجربة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية . وفي هذه الدولة، لم تقطع الكهرباء ولا المياه يوم ا عن عاصمتها عدن وحتى عندما حدثت أزمة طاقة لبعض الوقت في بداية الثمانينيات فإن الحكومة سرعان ما وضعت الحلول وأنشأت محطات كهرباء جديدة لسنا بصدد الحديث
عن تفاصيلها.
كما كانت رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين تدفع في مواعيدها كل شهر حتى في أوج الأزمات والصراعات، وكانت لديها عملة قوية حيث تمتع الدينار بقوة شرائية وبسعر صرف ثابت هو نحو ثلاثة دولارات منذ 30 نوفمبر 1967م وحتى عام 1990م.
وفي هذه الدولة كانت السجون عبارة عن مؤسسات إصلاحية حقيقية وعلى سبيل المثال كان السجين يحظى بإجازة يومي الخميس والجمعة يذهب فيها الى أهله، ويعود بإرادته الى السجن دون رقابة، وكان يتاح لمن يرغب منهم مواصلة تعليمه، وفي إحدى السنوات كان الأول على الثانوية العامة أحد نزلاء السجن المركزي في عدن وتم تكريمه في عيد العلم وأطلق سراحه لمواصلة تعليمه الجامعي. كما كانوا يحظون بنظام تأهيل مهني يساعدهم على العمل والإندماج في المجتمع بعد إنتهاء محكوميتهم وكانوا يتلقون أجرا على عملهم في الورش المختلفة مساويا لأجور نظرائهم في مؤسسات الدولة خارج السجن.
ويحسب لهذه الدولة أنها بنت قوات مسلحة برية وبحرية وجوية ذات جاهزية عالية، صانت استقلال الجنوب وحمت سيادته وجعلت من اليمن الديمقراطية دولة قوية مهابة. وأولت الدولة أهمية للثقافة والفكر والفنون، ورعت المثقفين والأدباء والكتاب والفنانين والمبدعين والموهوبين من أبناء الشعب بما يحقق السيادة الثقافية للشعب الى جانب السيادة السياسية على الارض.
هذا وغيره من إنجازات الاستقلال الوطني تم خلال 23 عاما فقط وسط تحديات وصعوبات وتعقيدات لم تكن بالقليلة ولا الهينة، وحالة عداء وحصار من المحيط ومن خارجه لكن الدولة تحملت مسؤلياتها بجدارة ولم تفرط بسيادتها أو بقرارها الوطني المستقل، وكانت مصلحة شعبها وبلادها في المقام الاول. ونجحت في فترة نهاية السبعينيات ومنتصف الثمانينيات أن تحول حالة العداء التي كانت قائمة منذ الاستقلال مع بعض دول الجوار الى
علاقات إخاء وتعاون بما يخدم أمن واستقرار اليمن والخليج والجزيرة، وامتد هذا القوس الى المساهمة في تحقيق أمن واستقرار دول البحر الاحمر والقرن الافريقي والمحيط الهندي. كما ساهمت بقسطها في صيانة الأمن القومي العربي، والمشاركة في معارك الأمة الكبرى من خلال إغلاق باب المندب في وجه اسرائيل بالتعاون مع البحرية المصرية في حرب أكتوبر 1973 ، ومن خلال دعمها لنضال الشعب العربي الفلسطيني بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية. وهناك الكثير من الإنجازات التي يمكن الحديث عنها والتي أنجزتها
دولة الاستقلال في زمن قياسي، ويجب الأعتراف أيضا بأنه كانت هناك إخفاقات وأخطاء في التجربة بوصفها تجربة إنسانية ككل تجارب الشعوب.
وعلى الجيل الحالي والأجيال القادمة الاستفادة من هذه التجربة سلبا وإيجابا، وتقويمها والحكم عليها في ظروفها وزمانها. وعلى قياداتها الذين ألقت عليهم الظروف تحمل عبء القيادة دون سابق خبرة أو تجربة لكنهم تحملوا ذلك العبء الثقيل وتبعاته وعواقبه دون أن يجنوا من ورائه ثروة، بل ان الكثيرين منهم قدموا حياتهم ثمنا لما آمنوا به ورأوا أنه حق خدمة لوطنهم وشعبهم، أو ذهبوا ضحية صراعات السلطة التي كانت نتائجها مؤلمة على الوطن والشعب. لقد حقق جيلنا حلم الاستقلال وبقدر طاقته ورؤيته وإمكانياته وفقا للظروف والإمكانيات التي كانت شحيحة، حاول أن يحقق حلم بناء دولة مدنية حديثة، نجح في أشياء وأخفق في أخرى، ولانريد لأجيالنا الجديدة أن تكرر أخطاء الماضي بل ان تستفيد منها ونريد ان نراها تتقدم لا أن تتراجع .. ونريد أن تعزز عناصر القوة والنجاح وأولها صيانة الوحدة الوطنية والسلم الأهلي. والحفاظ على مبدأ التصالح والتسامح كقيمة وطنية وإنسانية عظيمة وأن ينبذوا ويتجنبوا كل مايقود إلى الفرقة والصراعات من أي نوع، وأن يدركوا أن حراكهم السلمي الشعبي ومقاومتهم، قد جعل منهم قوة يحسب حسابها في موازين القوى والحلول للقضية الجنوبية العادلة . . وهذه ورقة سياسية بيدهم لتحقيق ما يصبون إليه من آمال وطموحات، وأي تفريط في هذا الانجاز سيكون ثمنه فادحا والخسارة الناجمة عنه مؤلمة بل كارثية.
وبمناسبة الذكرى الخمسين للاستقلال الوطني ندعو كافة الأطراف المحلية والإقليمية والدولية لوقف الحرب والإحتكام الى لغة الحوار وتجنيب شعبنا وبلادنا المزيد من الدمار والدماء لمصلحة أمن واستقرار اليمن والمنطقة لأن العنف لايولد إلا العنف والإرهاب.
كما نناشد بوقف الحرب فورا باسم الشهداء والضحايا الذين سقطوا منذ مارس 2015 وحتى الآن وباسم الجرحى والمشوهين والأطفال والنساء والشيوخ والمهجرين قسرا في الداخل والخارج حيث لم يشهد اليمن مثل هذه الهجرات القسرية التي ألحقت ضررا بقدراته البشرية الاقتصادية والعسكرية وعلى حساب مستقبله.
في الأخير، نكرر التهنئة من القلب الى جماهير شعبنا العظيمة بالذكرى الخمسين لعيد الاستقلال الوطني 30 نوفمبر، وندعوها للاحتفال وإحياء ذكراها في مكان واحد في ساحة الشهداء بخور مكسر وبحضور الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومته، ولا يغيبوا عن هذه المناسبة العظيمة كما غابوا عن احتفالات ثورة 14 أكتوبر المجيدة، لما لها من رمزية، فهذه الساحة هي التي كانت تشهد احتفالات شعبنا بأعياده الوطنية وهي التي شهدت مليونياته العديدة منذ انطلاق الحراك السلمي الشعبي الجنوبي ومقاومته الجنوبية، وسقط الكثير من أبناء شعبنا فيها دفاع ا عن الحرية والاستقلال.. وعن التصالح والتسامح وبهذه المناسبة نحيي أسر الشهداء ومناضلي حرب التحرير لما قدموه من تضحيات في سبيل الوطن وتحقيق الاستقلال.
المجد والخلود لشهداء الثورة والاستقلال.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى