الجنوب.. الموت الصامت

> جلال السعيدي

> لقد قُدِّر لكل الوطنيين هنا أن لن يكونوا إلا أرواحا تتأرجح بين ردهات الموت المحقق!
لا يعبأ الكثيرون منا في ما دبر لهذه الأمة بليل بهيم، ولا يفقه بعضنا حقيقة أن جراح الوطن لا تداوى عند بائع العلل !
لكن أين من يعي اليوم هذا الأمر، ويتنبه له بعد أن بلغ السيل الزبى؟!
كان حريّ بنا أن نرمم تلك الجراح الغائرة بتضحيات شبابنا، وأن نسد ثغرات الزمن الغابر بمكتسبات النصر والتحرير، قبل أن تأخذنا العزة إلى مفاسد الإفراط بالفرحة واستعراض البطولات.
لقد كان الأعداء يترقبون في ذروة نصرنا، ويرصدون مكامن قوتنا وضعفنا، لم يفوّتوا لنا أي صغيرة أو كبيرة في انتظار لحظة الانقضاض الأخير علينا، من حيث لا يعلم المنتشي بنصره الآني.
كانوا يدركون بأنهم أسقطوا سقوطا مدويا، لم يكن في حسبانهم يوما بأنهم سيسقطوا ذلك السقوط المريع على الإطلاق !
إن سقوطهم هذا يعني سقوط سلطة وجاه ونفوذ وعنفوان، إذ كيف لهم اليوم أن يفقدوا كل شيء سخروا لأجله كل أسباب الحلال والحرام دفعة واحدة ؟!
كل هذا يجري ونحن هنا قد قطعنا باعا طويلا في الغوص نحو أعماق الفتنة والتخوين والاصطفافات المناطقية العفنة المقيتة، فنصبوا شراكهم خلسة، وأخذوا يصطادون فرائسهم فينا واحدا تلو الآخر، فأسرفوا في قتلنا، وبلغوا بطغيانهم حدا لا يحتمل ولا يطاق.
حتى لقد أصبحت حكاية نصرنا ذكرى أسطورية مملة، وضربا من ضروب الماضي، ألصقت بها كل تداعيات الحرب ظلما وحقدا، وكبت على عاتقها صنائع السفهاء زورا وبهتانا.
قلنا وما زلنا نقول، وسنظل كذلك إلى أن يفيق الناس من سباتهم، وتنهض هممهم من الإسفاف، وينأوا بأنفسهم إلى الحق، عن زيغ الهوى والخذلان.
إن العدو اليوم، وإن جهلنا مدى البلوى وبعد الرزيئة، قد أعد لنا عدته، وجمع علينا ما استطاع من أدوات الشر والأذى والوقيعة.
فأصبح ينتقي ضحاياه بدقة فائقة، ويتحين فرصة النيل من كل مكتسب وطني برغبة جامحة فاقت حدود الوصف مع كل لحظة تمر بنا في ليل أو نهار.
وحسبي بعد اليوم أن لا يظن المرء منا أنه قد بات في مأمن من كل بائقة طالت جسد أمتنا يوما أو لأمة أطبقت مخالبها علينا في غفلة من تلك الأيام وتلك الليالي السوداء، التي لم نتعلم من حصصها المريرة دروسا تقينا ووطننا خبائث المكر وغدر المكيدة.
جلال السعيدي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى