تاريخ التعليم في عدن 1839م - 1967م.. عدن منارة العلم والعلماء.. مدارسها هي مساجدها.. أخرجت عدداً من أقطاب العلماء.. أقدم المدارس.. المنصورية والياقوتية والسفيانية

> تقرير / علي راوح

> واقع التعليم في عدن، وربما في بقية محافظات الجنوب، وصل إلى وضع مزرٍ، بل ومخزٍ، فمنذ العام 1995م، صب الفاسدون فسادهم صباً على قطاع التربية والتعليم، بهدف إفساد عقل المجتمع، وعمدوا إلى إدخال كافة أنواع الخراب إلى عقول التلاميذ والطلاب والمعلمين، وصولاً إلى الإدارات التربوية القائمة على الأمر.. أمور مخزية ومحزنة تدمي القلوب وتحبط النفوس، أمور تفقد المرء الأمل في مستقبل مشرق، عمد الفاسدون فأدخلوا الغش في مختلف مراحل التعليم، وجعلوه نظاماً مفروضاً وحقاً مكتسباً للتلاميذ والطلاب.
ووصل الأمر لدى بعض المعلمين إلى خيانة واجبهم وأمانتهم في مراقبة الامتحانات وضبط إي اختلالات، فبدلاً من ذلك ينشطون في تلقين الطلاب بالإجابات من الكتب المقررة ويسمحون بإدخال (الروشتات)، بل وبعض الكتب في المواد الدراسية.
تفشت هذه الظاهرة الضارة والهدامة، والجميع يتفرج ويبارك، غابت الضمائر وماتت الأمانة، وأحبطت النفوس لدى الطلاب المجتهدين الذين يسهرون ويكدّون في مراجعة الدروس والاعتماد على الذات في التحصيل العلمي.
أمور عجيبة وظواهر غريبة لم تألفها. ولم نكن نتصور حدوثها فجاءت إلينا بعد العام 1995م، وكل هذه السلوكيات خراباً ودماراً على المجتمع، فعدن بعد أن كانت مناراً للعلم والثقافة والحضارة، أصبحت مناراً للجهل والتخلف، فماذا نتوقع من تلميذ تربى على الغش والجهل، فكيف سيصبح نافعاً لنفسه ولمجتمعه؟، فهل من صحوة وهل من هبة وانتفاضة للقضاء على هذه السلبيات الضارة؟ فالمسئولية لا تنحصر على جهة بذاتها، بل تقع على جميع أفراد المجتمع، فكلنا في سفينة واحدة، وإن لم نتدارك ونسد ثقوبها فسنغرق جميعاً.
*واقع التعليم بالماضي
أقول هذا وبين يدي كتاب تاريخي بعنوان (تاريخ التعليم في عدن 1839 - 1967م) أهداه لنا مؤلفه الدكتور علي صلاح محمد الأرضي، الأستاذ المحاضر في جامعة عدن، فهل نجد من يؤلفون كتباً عن تاريخ التعليم في عدن بعد العام 1990م؟.
يقول الأرضي في مقدمة كتابه: التعليم في اليمن عموماً وفي عدن خصوصاً كان - ولا يزال - يعاني الكثير من المشاكل التي حالت دون تحقيق أهدافه السامية المتمثلة في الرفع من شأن الوطن ومستقبل أبنائه.
وأضاف: كانت الفكرة في تقديم هذه الرسالة، وهي الكتابة في تاريخ التعليم في عدن (حاضرة اليمن والجزيرة العربية)، وهي عبارة عن توثيق تاريخي للتعليم في عدن 1839م - 1967م، حيث اشتمل الباب الأول على تناول الجوانب الجغرافية والتاريخية والثقافية والسياسية لعدن، فيما اشتمل الباب الثاني على التعليم الإسلامي وقاعدته الأساسية في مساجد عدن والكتاتيب (المعلامات) في مختلف أحياء عدن، وتناول الباب الثالث التعليم النظامي في عدن 1839 - 1937م. وتناول الباب الرابع التعليم في عدن 1937م - 1956م أما الباب الخامس فقد تناول التعليم في عدن 1958م - 1967م، في حين تناول الباب السادس دور المنظمات الاجتماعية في النهضة العلمية والثقافية في عدن.
والكتاب يوثق للبدايات الأولى للتعليم في عدن، وكيفية النهوض به، وحتى العام 1967م، ويحوي معلومات تاريخية هامة في تاريخ التعليم جداً مفيدة.
اعتمد فيها المؤلف على جملة كبيرة من المصادر والوثائق والإحصائيات، وكان فيه من الجهد الشيء الكبير، وباختصار فإن الكتاب كنز مليء بالمعلومات التي تعد أغلى من الذهب.
*عدن منارة العلم والعلماء
يقول المؤلف: أشتهرت عدن بعد الإسلام بالعديد من العلماء والفقهاء والأدباء والشعراء، وكانت مدارس عدن هي مساجدها التي أخرجت للعالم الإسلامي عدداً وافراً من أقطاب العلماء والمفكرين، ومن أبرز هذه المساجد: مسجد أبان بن عثمان بن الحكم بن عثمان بن عفان، ومساجد: المنارة، والنبي، والتوبة، والسماع، والعيدروس، وجوهر.. إلخ.
أما بالنسبة للمدارس فقد كانت هناك المدرسة المنصورية التي بناها الأمير نور الدين عمر بن علي الرسولي (665 - 647 هجرية)، وهذه السيدة زوجة الظاهر يحيى الرسولي تبني المدرسة الياقوتية بحافة البصال بعدن، وكذلك وجدت في عدن المدرسة السفيانية والتي أصابها الحريق عام 914 هجرية 1508م.
ويلاحظ أن ازدهار عدن علمياً كان في فترة الدولة الرسولية (665 - 958 هجرية) يشهد بذلك الرحالة العربي (ابن بطوطة) الذي زارها ووجد أن قاضيها (سالم بن عبدالله الهندي) كان والده من الحمالين العبيد، وهذه دلالة واضحة على ازدهار التعليم في عدن، والاهتمام به، كما وجدت في عدن الأربطة، كرباط الشيخ أحمد الرفاعي في (حافة حسين)، وكذلك رباط الشيخ صالح (أبو محمد الصوفي).
ومن أشهر قضاة عدن ومدرسيها (الحكم بن أبان بن عثمان) و (أبو إسحاق القريضي)، وأبو الفداء (إسماعيل الدينوري)، وأبو الربيع (سليمان بن فضل القاضي)، وأبوعبدالله (صالح الطرابلسي) مغربي الجنسية، و(أبو عبدالله الفرغاني) و(محمد بن عبدالله الجزري) فارسي الجنسية، و(عماد الدين اليافعي) و(محمد بن يحيى الحضرمي).
ومن أشهر المعيدين في عدن، وخاصة في المدرسة المنصورية الفقيه العالم (الزاكي بن الحسن البليقاني) و(الشيخ سالم بن أبي السرور) و(أبو محمد عبدالعزيز الأبيني) وابنة أبو القاسم.
ومن العلوم التي كانت تدرس في عدن علوم الدين بمختلف فروعها من قرآن، وسنة، وحديث، وفقه، وعلم الشرع والشعر والرياضيات والأدب والهندسة والفلك واللغة العربية بفروعها والحساب.
التعليم الإسلامي في عدن
التربية الإسلامية وفلسفة التربية الإسلامية، حيث تعتبر الفلسفة التربوية الإسلامية جزءاً من الفلسفة الكلية للإسلام في نظرته للإنسان والكون والحياة.
وبدأ الاتجاه العلمي للإسلام وبرزت أهدافه بصورة جليّة مع أول كلمة في أول آية من أول سورة في القرآن، وهي كلمة (اقرأ)، ويعتبر العلم في النظرية الإسلامية وسيلة من وسائل تثبيت الإيمان، وتقويته.
*المنهاج عند أهل عدن
اليمن عامة وعدن خاصة لم تختلف كثيراً عن غيرها من الأمصار الإسلامية حول منهاج التربية الإسلامية، وما يدرس من علوم دينية ودنيوية.
ولوحظ في القرنين السابع والثامن الهجري أن العلوم التي اشتهرت بتدريسها هي العلوم القرآنية، والفقه، وعلم الشرع، والحديث، والسيرة النبوية، واللغة العربية، وعلم الحساب، والفلك، والطب، والمنطق.
ومن الكتب التي كانت تدرس في عدن (جمع التبيه) للشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وكتابي (الوسيط والمهذب) و(المنهاج) للإمام النووي، و(الحصن الحصين) و(العدة) و(الجنة) و(معجم ابن جُميع الغساني) وكتاب (البيان) للإمام الجاحظ، وكتاب (شمائل النبي) للترمذي.
وقد رفدت الكتب التي ألفها علماء عدن مكتبة ومنهاج التربية الإسلامية، ومنها كتاب (الجامع) وهي أربعة مجلدات للعلامة قاضي عدن (أحمد العلهي)، ورسالة في (العلوم المختلفة فيها من كل مشكلة ومن كل فن أفضله) للعلامة أبو الحسن الغساني.
وفي القرنين السابع والثامن الهجري، أصاب الركود منهاج التربية الإسلامية، حيث تدخلت الدول الإسلامية في المنهاج ووضعه فحصرته في مذهب الدولة نفسها، كما فعل الأيوبيون في مصر حيث ركزوا على المذاهب الأربعة للسنة، كما انحصر المنهاج في القرن الثامن الهجري في علوم الدين وحدها، واستمر ذلك في القرنين التاسع والعاشر الهجري.
أساليب التدريس عند أهل عدن
اليمن بصفة عامة وعدن بصفة خاصة سعى العلماء فيها إلى استخدام مختلف الأساليب والطرق لإيصال أهداف التربية الإسلامية إلى الطلاب والتي أساسها القرآن والسنة، وكذا مختلف العلوم الحياتية، وبما أن عدن كونها ميناء هاما ترتاده الكثير من السفن التي تأتي محملة بالتجارة والعلم والعلماء في نفس الوقت.
لذا وجد في عدن الكثير من المدرسين ومن مختلف الدول الإسلامية، بالإضافة للمراكز الدينية التعليمية كالمساجد والكتاب والرباط، ووجدت المدارس كالمدرسة السفيانية، والياقوتية، والمنصورية.
وتطور التعليم ووسائله وأساليبه في عدن وفي مدارسها ما يعرف اليوم بنظام الإعادة، فكان هناك معيدون في مدارسها، ولأن المعلمين في عدن استخدموا مختلف طرق التدريس، ومزجوا بين أكثر من طريق للوصول إلى الأهداف المتوخاة، ومن هؤلاء في عدن والذين وصفهم بامخرمة في كتابه من لهم رئاسة التدريس في عدن (أبوعبدالله سالم بن نصر الحرازي) له قضاء ورئاسة الفتوى في عدن، وأبو الحسن العامري، والذي وصفه بأنه مبارك التدريس، ومن علماء عدن من كان يستخدم أسلوب نقل الطلاب من مكان إلى آخر لزيادة الفهم.
والملاحظ أن مدارس عدن كانت هي مساجدها، والتي أخرجت للعالم الإسلامي، عدداً وافراً من أقطاب العلماء وأعلام المفكرين.
*تأهيل المعلمين في عدن
برز في عدن بشكل خاص الكثير من العلماء الذين اشتهروا بتدريس منهاج التربية الإسلامية المرتكز على (القرآن والسنة) منهم اليمنيون ومنهم من استوطنوا عدن، ولأن التأهيل الفردي على يد العلماء هو أساس التأهيل في العالم الإسلامي، قبل أن يكون هناك مراكز لتأهيل المعلمين، نجد أن المؤهل يرتبط اسمه بالأستاذ الذي قام بتأهيله، وفي عدن نجد العلامة (أحمد بن علي الحرازي)، الذي تأهل على يد (أبي محمد الاسكندري).
وهذا (أحمد القزويني) يؤهل طلابه في عدن لدراسة الحديث الشريف وتفسيره، وكان يدرس في مسجد (السماع) أي كان هذا المسجد مدرسة متخصصة لتأهيل مدرسي الحديث وتفسيره، وهذا قاضي عدن (ابن كبن) بقوله بأنه أخذ دروسه في النحو من الفقيه (رضي الدين اليافعي) وكان إماماً في النحو، والفقيه (أبو اسحاق الأزدي)، أهل الفقيه (إسماعيل بن محمد الحضرمي) في الفقه، والفقيه (أبو الفداء إسماعيل البغدادي) والذي تأهل على يده في عدن القاضي (أحمد القريضي) وغيره من فقهاء عدن.
والملاحظ أن حلقات العلم في المساجد قد تطورت بتطور المشرفين عليها، واشتهرت حلقات العلم في مختلف الأقطار الإسلامية.
وفي اليمن كان أول من وضع أسس حلقات العلم الصحابي الجليل (معاذ بن جبل)، أما في عدن وبالرغم من صغر مساحتها، إلا أنها احتوت على عدد كبير من المساجد، فقد كانت مركزاً دينياً وسياسياً وأدبياً وحربياً.
ومن أشهر مساجد عدن القديمة التي اندثرت وعفا على أثارها الزمن : مسجد النبي، ومسجد التوبة، ومسجد السماع، ومسجد ابن عبلول، ومسجد البليقاني، ومسجد الزيادي، ومسجد الدوري، ومسجد السوق، لم يبق منه سوى المنارة بجانب بريد كريتر، ومسجد الزنجيلي، ومسجد ابن البصري، ومسجد ابن بندر، ومسجد إسماعيل، ومسجد العندي.
ومن أشهر الرباط في عدن، رباط الشيخ الصالح (أبو محمد الصوفي)، ورباط الشيخ (أحمد بن الرفاعي) في حارة حسين.
تقرير / علي راوح

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى