اليزيديون بين مطرقة السلطة في بغداد وسندان الأكراد

> سنجار (العراق) «الأيام» ريا جلبي

> منذ أخرجت القوات العراقية الأكراد من منطقة سنجار الجبلية التي تعتبر موطن اليزيديين في شمال العراق خلال شهر أكتوبر يتساءل سكان المنطقة عما يمكن أن يؤول إليه مصيرهم.
فقد قلت الأموال والمواد الغذائية منذ أوقفت منظمات الإغاثة شحناتها بعد تقدم القوات العراقية. وانهارت مبان في الاشتباكات كما أن الكثير من المباني السليمة عليها آثار الرصاص وتنتشر فيها العبوات الناسفة.
ومنذ فترة طويلة تنظر جماعات أخرى في العراق بعين الارتياب لليزيديين الذي تجمع معتقداتهم عناصر من عدة أديان قديمة بمنطقة الشرق الأوسط كما تعرضوا للاضطهاد على أيدي جماعات أخرى.
وفي عام 2014 قتل رجال تنظيم الدولة الإسلامية أكثر من 3000 من اليزيديين في حملة وصفتها الأمم المتحدة بأنها إبادة جماعية.
والآن فإن الأرض التي عاشوا عليها منذ قرون أصبحت ورقة في خلاف بين بغداد وأكراد العراق الذين سيطروا على المنطقة منذ سقوط صدام حسين عام 2003.
وقال أحد سكان مدينة سنجار يدعى كمال علي “نحن محاصرون في مباراة الكرة السياسية هذه بين العراق والأكراد. لكن لا أحد من الطرفين يهتم بمستقبلنا”.
وقد رفعت الفصائل المسلحة علم العراق بألوانه الثلاثة على المباني الحكومية وكُتب على أي أعلام باقية من أعلام الأكراد كلمات العراق والله أكبر وطُمست الشمس المتوهجة في وسط العلم الكردي باللون الأسود.
ولسنجار أهمية سياسية لأنها تقع في الأراضي المتنازع عليها وهي المناطق المختلطة عرقيا في شمال العراق إذ أنها موضع نزاع دستوري قديم بين بغداد والأكراد ويطالب بها كل من الطرفين.
وخضعت سنجار لسيطرة الأكراد رغم وقوعها خارج الحدود المعترف بها لإقليم كردستان العراق.
ولم تفعل بغداد شيئا يذكر للاعتراض على هذا الترتيب حتى الهجوم الذي شنته قواتها في أكتوبر عقابا للأكراد على إجراء استفتاء على الاستقلال في 25 سبتمبر. وسيطرت القوات العراقية على المناطق المتنازع عليها التي توسع فيها الأكراد ومنها سنجار.
وجدد الاستفتاء التوترات الكامنة تحت السطح حول حدود السيطرة في شمال البلاد الغني بالنفط بين بغداد وحكومة إقليم كردستان بعد أن حارب الطرفان جنبا إلى جنب في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية.
*انقسام
تنقسم آراء اليزيديين فيما يجب أن يحدث الآن.
فبعضهم أسعده رحيل الأكراد ورأى فرصة في قدر أكبر من الحكم الذاتي بعد أن أصبحوا تحت سيطرة السلطة الاتحادية في أعقاب الهجوم الذي شنته القوات العراقية في أكتوبر. وقد سلمت القوات الكردية مدينة سنجار دون قتال إلى فوج لالش وهو فصيل يزيدي مسلح تدعمه الفصائل الشيعية شبه العسكرية.
ويتحدث أغلب اليزيديين بلهجة كردية لكن كثيرين منهم لا يعتبرون أنفسهم أكرادا من الناحية العرقية.
وقال يزيدي يبلغ من العمر 47 عاما يدعى أبو سردار “نحن سعداء برحيل الأكراد. فنحن يزيديون ولسنا أكرادا. ولا نريد أن نكون جزءا من كردستان”.
وشكا أبو سردار مثل آخرين من أن الأكراد أرغموه على الإدلاء بصوته في الاستفتاء. وتنفي حكومة إقليم كردستان هذه الاتهامات.
وقد عاد أبو سردار قبل شهرين إلى أطلال بيته في حي سينوني في سنجار وأعرب عن شعوره بخيبة أمل شديدة لأن شيئا لم يتغير منذ رحيله في عام 2014 فالمستشفيات والمدارس لا تزال مغلقة ولا يزال أغلب المدينة عبارة عن ركام.
وهو يأمل أن تعيد بغداد والفصائل بناء سنجار.
غير أن آخرين يتحسرون على رحيل الأكراد.
وتحمل حكومة إقليم كردستان العراق والجماعات اليزيدية المتحالفة معها رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي مسؤولية الحملة التي شنها تنظيم الدولة الإسلامية. ويقول هؤلاء إن هروب القوات العراقية من الموصل سمح للمتطرفين بالاستيلاء على أسلحة بمليارات الدولارات استخدموها فيما بعد في مهاجمة الأقلية اليزيدية.
ويقول القائد اليزيدي قاسم شيشو إن الحكومة العراقية طائفية وتبغض اليزيديين بقدر ما يبغضهم تنظيم الدولة الإسلامية.
وهو مثل كثيرين غيره يحمل الأكراد مسؤولية الهجوم الذي شنه التنظيم.
غير أنه يضيف “لكنهم كل ما لدينا”.
وشيشو متحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في الإقليم الكردي وذلك رغم أن الأكراد قطعوا مرتبات مقاتليه بعد أن سيطر فوج لالش على سنجار.
*«مدينة أشباح»
يقول سكان إنه في بعض الأيام لا يوجد سوى عظام في سنجار. فقد تم الكشف عن حوالي 50 قبرا جماعيا خارج المدينة منذ عام 2014.
وقال علي سرحان عيسى قائد فوج لالش والمعروف باسم خال علي “سنجار مدينة أشباح”.
فقد فر عشرات الآلاف من اليزيديين أمام هجوم المتطرفين واتجهوا إلى جبل سنجار. وقُتل من لم يصل منهم إلى الجبل أي حوالي 3100 فرد وتم القضاء على أكثر من نصفهم رميا بالرصاص أو بقطع الرؤوس أو الحرق أحياء وتم التخلص منهم في مقابر جماعية.
وكان مصير آخرين البيع كإماء أو أرغموا على القتال وذلك وفقا لما جاء في تقرير في نشرة بلوس ميديسن.
ولا يزال البعض فوق الجبل مقبلين على قضاء ثالث شتاء بارد في الخيام.
وقبل هجوم التنظيم كانت سنجار موطنا لنحو 400 ألف شخص أغلبهم من اليزيديين والعرب السنة. وتوضح تقديرات لمنظمات إنسانية أن 15 في المئة فقط من اليزيديين عادوا إلى ديارهم.. ولا يزال أغلب اليزيديين في مخيمات في إقليم كردستان مع معظم السنة الذين خرجوا من ديارهم في المنطقة. ويخشى العاملون في مجال الإغاثة إغلاق المخيمات إذا اشتعل التوتر بين بغداد والأكراد.
ومما يعقد الصورة وجود مقاتلين من حزب العمال الكردستاني الانفصالي التركي. وينسب كثيرون من اليزيديين لهم الفضل في فتح طريق بري للسماح للعالقين في جبل سنجار بالهروب من المتطرفين عام 2014.
وقد رسخ حزب العمال الكردستاني وجوده وسط الطائفة بل وأسس وحدة محلية أطلق عليها اسم وحدات مقاومة سنجار وهي تسيطر على عدد من الحواجز الأمنية حول المدينة.
وتراقب تركيا وإيران تحولات ميزان القوى في سنجار.
وتريد طهران تأمين المنطقة الشمالية الغربية من العراق حيث حدود العراق مع سوريا بينما تريد تركيا إخلاء المنطقة من حزب العمال الكردستاني الذي تحظره.
رويترز

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى