عمر الشاطري.. خالدا في قلوبنا

> نصر باغريب

> توقف قلب عمر أحمد الشاطري عن الخفقان قبل ظهر يوم الخميس 21 ديسمبر 2017م، بعد رحلة حياة مفعمة بالصدق والإنسانية والإخلاص الوطني المتجرد من معادلات النضال والثمن.. توقف قلب عمر الشاطري بعد أن دخل في غيبوبة منذ صباح أمس الأول عقب إجرائه عملية جراحية القلب المفتوح، في أحد مستشفيات السعودية.. مات عمر الشاطري، ولكنه سيظل عنوانا كبيرا للقيم النقية والنزاهة ونموذجا نادرا للثبات على الموقف.
اتخذ عمر الشاطري مسارا ثابتا لحياته لم يحد عنه ولم يساوم على مبادئه بفتات المكسب والمنصب، وبقي شامخا لم ينحنِ أو يلين طوال حياته التي بدأها بمسقط رأسه في تريم حضرموت وكللها باستقراره وسكنه بمدينة عدن.
عرفه زملاؤه أثناء دراسته الجامعية بالجامعة الأمريكية في بيروت مؤمنا بقيم العدل والمساوة والحق والحرية ومنحازا لقضايا شعبه وأمته العربية.
وبلغت جرأته حدا أغاظ سلطات الاستعمار البريطاني عندما كان يجاهر بتطلعات شعب الجنوب للتحرير والاستقلال وبناء مجتمع تقدمي حر.
كان عمر الشاطري إعلاميا متميزا مثقفا يعد ويقدم برنامجا ثقافيا توعويا بإذاعة عدن في عقد الستينيات من القرن العشرين.
وقدم كذلك عصارة فكره وثقافته الغنية لطلابه عندما عمل في فترات تاريخية مختلفة مدرسا للغة الإنجليزية بمدارس عدن الحكومية.
وقدم جهده وملكاته وموهبته الشخصية خلال عمله في حقبة السبعينيات في وزارة الخارجية لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
واتصف بحساسية مفرطة تجاه التعاطف مع معاناة البسطاء والفقراء، وسعى جاهدا لتوفير احتياجاتهم الغذائية وتنفيذ المشاريع الخدمية التي تحسن من مستوى حياتهم عندما تولى مسؤولية مكتب إحدى منظمات الأمم المتحدة بالعاصمة عدن، وامتدت جهوده الإنسانية في تقديم المتطلبات المعيشية والخدمية للبسطاء في جميع محافظات الجنوب قبل العام 1990م.
وعندما دعاه الجنوب لنصرته ابان اجتياحه عام 1994م، تداعى مبكرا مع عدد من المناضلين لتأسيس اللجنة الشعبية الجنوبية، مما عرضه للاعتقال التعسفي في غياهب معتقلات النظام العنصري البائد.
لم تفت من عزيمته وهمته حملات الترغيب أو التهديد والتنكيل التي تعرض لها منذ منتصف التسعينيات من القرن العشرين حتى العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، وظل متمسكا بقناعاته وبقضية الجنوب وشعبه المغبون.
كان دائما يتحدث بصوت عال عن معاناة شعب الجنوب وعن طموحات الجنوبيين بالتحرير واستعادة دولتهم المغدورة، ولم يخش في الحق لومة لائم أو جبروت طاغ.
وعندما تفاقم مرض زوجته اضطر لمرافقتها إلى مدينة جدة بالسعودية للتطبيب هناك، ولتكون بجوار بناتها اللآتي يقمن هناك، اثر ذلك تسارعت الأحداث ودخلت البلاد بدوامة أزمة سياسية خانقة انتهت بعد ذلك بحرب ضروس عام 2015م، أدت إلى تعثر عودته إلى عدن.
ولكن ورغم بعد المسافة بين عدن وجدة فقد بقيت عدن هي عشقه الأزلي، ولم ينقطع عنها بروحه وعواطفه، وكان يتواصل هاتفيا باستمرار مع أصدقائه ومحبيه بمدينة عدن، ويتبادل معهم الأحاديث والأخبار عن أدق تفاصيل الحياة وأوضاع الناس بعدن، وكان ينتظر بفارغ الصبر لحظة عودته إلى منزله بخورمكسر في عدن ليعانق جبال عدن وبيوتها، ويستنشق نسمات بحرها ورمالها، ويتماهى مع أبنائها في تجلٍ روحي لا ينفصم.
غير أن القدر كان أسبق، وبدلا من أن يصعد الطائرة التي ستقله في رحلة العودة إلى عدن صعدت روحه إلى بارئها.
مات عمر الشاطري وهو يمني نفسه بتنفس هواء عدن وبالنظر إلى شواطئ عدن وبملامسة ديار وتراب عدن.
مات عمر الشاطري الذي هام بحب عدن حتى الثمالة، وكرس حياته لخدمة عدن وأبنائها، كمثقف وصحفي ومذيع إعلامي تنويري، وكمدرس ينير لأبناء المدينة طريق المستقبل، وكدبلوماسي دافع عن الحياض، وكيدٍ حنونة تمسح دموع البسطاء وتسعى إلى إشباع الفقراء وتجنيبهم الفاقة، والتخفيف من معاناتهم، وكمناضل شجاع وصلب حمل قضية شعب الجنوب على كاهله غير آبه بالتضحيات التي قدمها في مضمار الكفاح، وغير آبه بالمغريات والمكاسب والمناصب التي عرضت عليه.
ورغم تاريخه النضالي الطويل واشتغاله بالوظيفة الحكومية مدرسا وإعلاميا ودبلوماسيا، والأهم من ذلك مناضلا ثابتا وفيا لقيم الفضيلة والحرية ولقضية الجنوب، إلا أنه حرم من أي راتب تقاعدي أو أي مستحقات مالية، وعاش العقدين الأخيرين وهو يكابد من الجحود والنكران، جحود بعض المسؤولين ممن علمهم أبجديات العلم وفك طلاسم الحروف، وكان جزاؤه جزاء سنمار.
إن رد جزء من الجميل لعمر الشاطري والتعبير عن العرفان لما قدمه طوال حياته لعدن وأبنائها في مجالات مختلفة، هو تكريمه من قبل قيادة الدولة وإطلاق اسمه على إحدى مدارس عدن، وطبع كتاب توثيقي عن سيرة حياته المنيرة.
نسأل الله العلي القدير الرحمن الرحيم أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يلهم أهله وذويه وأصدقاءه ومحبيه وتلاميذه الصبر والسلوان.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
نصر باغريب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى