الإصلاح يتقرّب من التحالف للإطاحة بهادي وأطراف جنوبية داخل الشرعية تغازل الانتقالي والمقاومة

> تحليل/ وهيب الحاجب

> *تاريج من الهيمنة
"برجماتيةُ المؤتمر قتلتْ صالح وانتهازيةُ الإصلاح ستطيح بهادي".. بدلالاتِ هذه الجملة وأبعادها سيُختزل المشهدُ السياسي في اليمن وبحبكةٍ جديدة وتحالفاتٍ غير متكافئة وغير جديرة بإعادة أية شرعية لليمن.
تحالفاتٌ جديدة تشبه في علاقاتها مع بعضها إلى حدِ كبير تحالفَ علي عبدالله صالح مع الحوثيين يبدو أنها تتشكّل هذه الأيام بصناعةٍ خليجية تشبهُ إلى حدٍ أكبر الطريقةَ التي صنعتْ بها إيران تحالفَ صالح والحوثي.
التجمع اليمني للإصلاح حزبٌ انتهازي يجمع في إطاره ثلاثة اتجاهات هي جماعة دينية عقائدية متطرّفة ويمثّلها عبد المجيد الزنداني واتجاه أيدلوجي يمثله اليدومي ومحمد قحطان وجناح ثالث قبلي يتزعمه حميد الأحمر، أُضيف إلى هذه الاتجاهات الثلاثة لاحقا طرفٌ رابع خرج من رحم "اللقاء المشترك" وهو جناح استقطبه حميد الأحمر من شخيصات وقيادات كانت في الأحزاب اليسارية التي دخلت اللقاء المشترك واستأثر بها الإصلاح وحضي حميد الأحمر بولائها، وأغلبها شخصيات اشتراكية لا تزالُ تخدم توجهاتِ الإصلاح حتى اليوم، لهذا فالإصلاح لفيفٌ من الإيدلوجيات المتباينة والجماعات المتطرفة التي تختلف في مسألة الدين والعقيدة مع بعضها، وهجينٌ بين العمل الإيدلوجي المنظم وبين الجهاد العبثي الذي يستعدي ويكّفر كل من يخالفه وبين نفوذ القبيلة الذي لا يلتزم بالعمل الحزبي المنظم ولا بالجهاد والعقيدة، غير أن الانتهازية وأطماع الوصول للسلطة هي التي جمعتْ كل تلك الاتجاهات المتنافرة في إطار واحد ربما فرضتها ظروفٌ معينة أهمها محاولاتُ إسقاط نظام علي صالح بدءاً بآخر انتخابات برلمانية في العام 2003م وانتهاءً بثورة التغيير في العام 2011م، ثم ما تلا ذلك من استمرار لانتهازية الإصلاحيين بالهيمنة على تكتل أحزاب اللقاء المشترك وسرقة ثورة التغيير والاستئثار بتضحيات الشباب في الشمال.
*اللعب بالنار
هذا الكومُ من الإيدلوجيات والعقائد والقبيلة، الذي يمثّل قنبلةً موقوته تهدد مستقبل اليمن، يعاد صياغته اليوم بآياد سعودية وخليجية ومحاولة تلميعه وتقديمه للولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي كحَمَلٍ وديع ومُنقذ للحكومة الشرعية واليمن من بطش جماعة الحوثي، في خطوةٍ تعد هي الأخطر على اليمن والخليج والمنطقة العربية بل أخطر من المد الحوثي ذاته، فالإصلاحُ اليمني هو امتدادٌ لتيارٍ إرهابي عالمي لا يمكن بأي حال من الأحوال تداركه والسيطرة عليه إن امتلك السلاح وتغلغل في السلطة أو وصل إليها أو سيطر عليها.
التحالف العربي بتدبير وإيعاز من المملكة العربية السعودية يبدو أنه يسير هذه المرة نحو خطأ فادح بمحاولات ترميم الإصلاح وترويض قياداته وتقديمها للعالم كحليف جديد للحكومة اليمنية في محاربة الحوثيين وقطع دابرهم بعد مقتل صالح وانفراد الجماعة بالسيطرة على صنعاء وكثير من المحافظات اليمنية، فالإصلاح ورجاله ومقاتلوه هم من أوصل جماعة الحوثي إلى قصر الرئاسة في صنعاء نكايةً بعدوهم اللدود علي صالح وحزبه المؤتمر الذي حضي بنصف السلطة وفقا للمبادرة الخليجية التي يبدو أنها جاءت مخيبة لآمال الإصلاحيين الطامحة إلى اجتثاث نظام صالح وإسقاطه من أساسه ومحاكمة رموزه.
الإصلاحيون سلّموا معهد دماج للحوثيين بكل سهولة وهو معقلهم ودار علمهم منذُ فترة ليست بالقليلة، واستسلموا في حماه بظرف ساعات من القتال وانسحبوا يجرون أذيال الخيبة والانكسار إلى عمران وصنعاء، وتخاذلوا كثيراً وفجروا في الخذلان عندما تخلّوا عن القائد القشيبي وتركوه لقمةً سائغة لمليشيا الحوثي، ثم سهّلوا لهذه المليشا الوصول إلى صنعاء وإسقاطها بشكل كامل وكانوا جزءاً من اتفاق السلم والشراكة الذي شرعن للانقلاب وأسس مداميكه، بعدها تمادى حزب الإصلاح في تشجيع جماعة الحوثي على احتلال الجنوب والتمدد في محافظات الشمال، وظلوا حتى يوم الرابع من ديسمبر حجر عثرة أمام الجيش النظامي والمقاومة الشعبية اللذين بات الإصلاح أكثر حضوراً فيهما وتأثيراً في إطالة عمر المعركة وعرقلة الحسم، ليكتفي الإصلاح بضجيج آلته الإعلامية والدعائية في صنع الانتصارات الوهمية والسطو على ما تحققه المقاومة الجنوبية والجيش في كثير من الجبهات، كان آخرها الانتصار الكبير في تحرير مديريتي بيحان وعسيلان في محافظة شبوة بسواعد وتضحيات أبناء الجنوب جيشاً ومقاومة، ليأتي بعدها مدلسو الإصلاح لركب الموجة ومحاولة حشر تواجدهم في هذه المآثر البطولية زورا وتزويرا.
*تحالف قاتل
ذلك البعبع الإصلاحي (الإخواني) ظهر أو أُظهِر عنوةً بعد مقتل صالح ليسدَّ الفراغ، وكي يكون هو البديل الذي سيحمل لواء "الانتفاضة الشعبية" ضد الحوثيين التي كان أعلنها صالح وباركتها دول التحالف.. أُظهر بتدبير سعودي متسرّع وغير مُدرك لطبيعة التحالفات السابقة في اليمن وكذا التأريخ الطويل لحزب الإصلاح في الخذلان والخيانة والانتهازية والارتباط بقوى خارجية ومشاريعَ عالميةٍ باتت تُصنف بأنها ارتباطات مجرمة دوليا ومشاريعُ إرهابيةٌ ومحظورة، فأنّى للسعودية ودول التحالف العربي أن تتبنّى إبراز مثل هذا الحزب وجعله شريكا لعملياتها الحربية وتسليحه؟ وما هي الضمانات لتأمين شر هذا التحالف مع حزب يمتلك قدراتٍ ماليةً هائلة ومصادرَ تمويل تلتقي في نهايتها مع مصادرِ تمويل جماعة الحوثي في الدوحة وطهران واسطنبول؟
يبدو - وهو الأرجح - أن تحالف حكومة هادي مع حزب الإصلاح سيسير على نفس منوال تحالف صالح مع الحوثيين من حيثُ البرجماتية والانتهازية السلطوية وفي النهاية المؤلمة والنتيجة العكسية أيضا، لما تمثله شخصية الرئيس عبدربه منصور هادي للقوى والأحزاب الشمالية كافة باعتباره عرّاب عاصفة الحزب وداعي قوات التحالف لضرب انقلابيي الشمال وتفكيك مقوماته العسكرية وبنيته المدينة وحتى قبائل اليمن التي أفل نجمها وسقطت سطوتها بسقوط رموزها وبالضربات المتلاحقة من طائرات التحالف، لهذا فتحالف هادي مع الإصلاحيين سيفضي في مجمله إلى النتيجة ذاتها التي وصل إليها صالح في تحالفه مع الحوثيين، وسيسيطر الإصلاح على السلطة والحكم في الشمال بتحالفات جديدة مع قوى إقليمية ومحلية معادية للتحالف، وستلاحق مليشيات الإصلاح الرئيس هادي للإطاحة به.. واعتقاله ومحاكمته في أقل الأحوال، ولا ضير لدى الإصلاح من إعادة رسم خارطة سياسية جديدة لليمن سيحددها لاحقا مدى قوة الإصلاحيين ونفوذهم وعلاقتهم مع القوى الفاعلة الأخرى وهي دون أدنى شك الحوثيون.
هناك فرضيةٌ واحدة تشيرُ إلى رغبة إماراتية في التخلّص من إخوان اليمن بالاتفاق مع السعودية وإيهام قادة الإصلاح أن مقابل الزج بهم إلى محاربة الحوثيين وهو تخلي أبوظبي عن دعم الجنوب ومساندة مساعي الانفصال كترغيب للإصلاحيين فقط، في حين أن السعودية ترغب في إنهاء جماعة الحوثي.. والإمارات لديها توجه جامح لحرق ورقة الإخوان، وبالتالي الزج بالحوثيين والإصلاحيين إلى حرب نتائجها ستكون في صالح السعودية والإمارات بغض الطرف عن المنتصر والخاسر، فكلاهما هدفٌ للرياض وأبوظبي لاسيما الإصلاح الذي لا يزال - في نظر الرياض على الأقل - محتفظاً بقوته منذ بداية عاصفة الحزم.
شعب الجنوب
شعب الجنوب

*هادي والجنوب
لا مناص من أن دخول الإصلاح خط الشراكة مع التحالف العربي في عملياته العسكرية كقوة تعيد التوازنات التي فقدت برحيل صالح هو الخطر القادم نحو حكومة الشرعية ونحو شخص الرئيس عبدربه منصور هادي، فالرجل بات شخصيةً غير مرغوبٍ بها في الشمال وهو في نظر كافة القوى هناك خائن وعميل تسبب باستباحة السيادة اليمنية وتدمير مقدرات الدولة وبنيتها العسكرية والمدنية بطائرات التحالف الذي استدعاه هادي لإعادة شرعيته، وبالتالي فإن الرجل يستمد شرعيته الآن من دول التحالف العربي فقط، ورفع العمليات العسكرية وإيقاف عاصفة الحزم يعني فعليا انتهاء هادي كنظام وكشخص، وفعلا هناك حراك دولي يُعتمل في كثير من أروقة السياسة العالمية لإيقاف الحرب في اليمن قبل أن تُحسم لأي من الأطراف، في وقت لا يزال الحوثيون رقما صعبا ودخول الإخوان سيكون الرقم الأصعب.
هادي يبني سياساته معتمدا على الخارج ويراهن على قدرات ودعم التحالف العربي، وهو الوحيد من رموز الشرعية اليمنية الذي ربما يعمل بإخلاص لإيجاد سلطة شرعية ونظام رشيد، فكثير من رموز الشرعية والحكومة مرتبطون بعلاقات مشبوهة بقوى الانقلاب والأطراف غير المرغوبة إقليميا ودوليا ولهم قواعد قوية إما بأطراف الصراع كعلاقة علي محسن الأحمر بالإصلاح وجماعة الإسلام السياسي والإخوان، وعلاقة أحمد عبيد بن دغر بالمؤتمر الشعبي العام والراحل صالح، ومثلهما آخرون بالشرعية مرتبطون بعلاقات مع جماعة الحوثي ويلعبون أدوارا سياسية ويتبادلون مصالحَ وأساليب نفوذ وهيمنة، وآخرون مسنودون بثقل قبلي وحواضنَ اجتماعيةٍ ودينية، وهؤلاء جميعا أقوياء بقوة الجهات المرتبطين بها والمنسقين معها سرا وعلنا في بناء سياساتهم، غير أن إخلاص الرئيس عبدربه منصور وهدوئه جعله هو الحلقة الأضعف في هذه المنظومة اليمنية التي تشكّل في مجملها “حكومة الشرعية”.
ما هو متاح أمام الرئيس هادي - في هذه المرحلة - من فرص هو أن يقوّي بقاءه ويعمل حساباته ويعد عدته لمجابهة النهاية المذلة والمهينة التي يضمرها له حلفاؤه اليوم، خصومه غدا، على غرار نهاية صالح وربما أكثر وطأة وأشد عنفا، ولعل الفرصة ما زالت سانحة والوضع مهيأ أمام هادي لإعادة صياغة تحالفات جديدة تخرجه من حلقة الوهن وتخلّصه من الوهم المسمى “وحدة أو دولة اتحادية أو حكومة شرعية”.. لا تزال أمام الرجل خطوط عريضة لبناء علاقات جديدة ونوعية مع مكونات الحراك الجنوبي والمقاومة الجنوبية المسلحة وفي مقدمة هذه المكونات المجلس الانتقالي والشخصيات الجنوبية الفاعلة، لاسيما المتمسكة بمشروع الاستقلال لما لهذه المكونات والشخصيات من حضور قوي وتأييد واسع لدى شعب الجنوب ورغبته الجامحة نحو الاستقلال.
أمام هادي فقط العمل على تقوية ورقة الجنوب ككيان وقضية سياسية تقتضي الحل وفق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، لاسيما قراري مجلس الأمن 924، 931 الصادرين إبان حرب احتلال الجنوب في العام 94م، فقوة الجنوب وحضور القضية الجنوبية إقليميا ودوليا وحتى مع الطرف الشمالي بقوة هو بحد ذاته حصن منيع يستطيع الرئيس هادى وجميع جنوبيي الشرعية اليمنية الركون إليه والاحتماء به عند النوائب إن كان هادي نفسه هو أحد صانعي تلك القوة أو داعما ومساندا لها، والعكس هو الصحيح تماما، فاستمرار هادي باستعداء مطالب شعب الجنوب وإضعاف مكوناته ومحاولات إعاقة أي نهوض أو تقدم جنوبي نحو الحسم هو ضعف وهوان للرجل، وهذا دون أدنى شك ما يبتغيه خصوم هادي والمنظومة اليمنية شرعييها وانقلابييها، ورغم هذا وذاك إلا أن هناك تقاربا وشيكا يقوده جناح جنوبي في الشرعية اليمنية بدعم إقليمي يسعى للعمل على خلق تحالف مع القوى الجنوبية والترتيب لمواجهة التحديات التي سيخلفها دخول الإصلاح اليمني خط التحالف وما سيخلقه هذا الدخول من توازنات جديدة في اللعبة اليمنية وانعكاساتها على مستقبل الجنوب وجوهر قضيته.
تحليل/ وهيب الحاجب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى