««الأيام» تواصل استعراض دراسة عن (الأمن في الجنــوب.. الواقع والتحديات) للباحث مساعد وزير الدفاع اللواء الركن عبدالقادر العمودي (الأخيرة).. انتشار الفوضى النظامية نتيجة عدم الاستقرار الأمني يؤدي إلى خروج المجرمين من أوكارهم وتصبح الجريمة سلوكا شائعا

> عدن «الأيام» خاص

> في الحلقة الأخيرة من موضوع «التحديات الأمنية»، يسلط الباحث الضوء على حالة عدم الاستقرار الأمني وما تخلفه من فوضى مدمرة، تضع المجتمع في دائرة المتاهة وعدم الاستقرار.
في الحقيقة يصعب حصر الآثار الاجتماعية والاقتصادية لانعدام الاستقرار الأمني الناتج عن الحرب في أي بلد كانت، لأن ذلك يتوقف على بعض الأمور كالتي حدثت في البلد، والناتجة عن عدم استقرار أمني، ومدى ما يتوقع أن تحدث من تحديات وتهديدات أمنية متوقعة لاحقاً.
إضافة إلى مدى جدية الحلول للصراعات الموجودة في البلد وما ستؤول إليه هذه الحلول، عسكرية كانت أو سياسية، ومدى قناعة أطراف الصراع وحلفائهم في النتائج المترتبة من هذه الحلول، وتأثيرها على مصالحهم سلباً وإيجابياً.
*الآثار الاجتماعية لانعدام الاستقرار الأمني
وتناول الباحث هذا من خلال دراسة الآثار والتكلفة الاجتماعية والاقتصادية لانعدام الاستقرار الأمني في اليمن بشكل عام، وفي الجنوب والمحافظات المحررة بشكل خاص.
ويخلق عدم الاستقرار الأمني الذي ينتج من الحرب، أو صور الإرهاب المختلفة في أحيان كثيرة آثارا اجتماعية سيئة من عدم الاستقرارالاجتماعي، والتفكك الاجتماعي والأسري، والذي يكون له آثار بعيدة المدى على هوية المجتمع وروحه الجماعية، وكلما استمر واقع عدم الاستقرار الأمني اتسعت صور عدم الاستقرار الاجتماعي، وكلما تحول المجتمع إلى جزر منعزلة ربما تدخل هي الأخرى في صراعات وخلافات، حينها يدخل المجتمع إلى صراع جديد بين عناصر المجتمع نفسه، أو إلى أعتاب حرب أهلية.
ويرى البحث بأن ما يجري في اليمن من حرب بين الشرعية وجيشها الوطني ومقاومتها الباسلة وبين الحوثيين، والتي تؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار وتصاعد النمو لتواجد القاعدة والجماعات الإرهابية في بعض محافظات الجنوب، وإلى ضعف سيطرة الدولة على مؤسساتها المختلفة، حيث تخلق هذه الظروف الجديدة واقعاً اجتماعياً غير مستقر، وتفرض تكلفة وآثارا اجتماعية كبيرة وخطيرة على المجتمع.

*الفوضى النظامية والصراعات الداخلية
كما تؤدي الأوضاع الناتجة من عدم الاستقرار والمترتبة على الحرب أو الأعمال الإرهابية إلى شيوع حالة من الفوضى، حيث تقوض أسس الاستقرار الاجتماعي، ويشعر أفراد المجتمع بأن الرابطة الجماعية التي تربطهم ببعض قد انفصمت، فتنتشر حالة من الخوف يصاحبها شح في الموارد، وفي الحصول على الخدمات الأساسية، فيدخل المجتمع في أعتاب ما يسمى (حرب الكل ضد الكل).
ويقال إن الحرب تؤدي إلى التماسك الاجتماعي، وهذا القول قد يكون صحيحاً إذا كانت الحرب مع عدو خارجي، أما إذا انتقل الصراع من صراع خارجي إلى صراع داخلي (صراع بين جماعات وإيديولوجيات وفئات سياسية وقبلية)، فإن هذا الوضع لا يؤدي إلى تحفيز الروح الجماعية بقدر ما يؤدي إلى التحصن خلف المحصلة الفردية والجماعية الضيقة، حيث يحاول كل فرد وكل أسرة أن تجد لنفسها خلاصاً فردياً، وحينها يعاني المجتمع المدني من عدم القدرة على تفعيل قدراته لمواجهة الكوارث والمشكلات المترتبة على القلاقل الأمنية.
*احتدام صراعات الهويات
وتضعف قوة الدولة وقدرتها على تعبية السكان في اتجاهات مرجعية واحدة، وثوابت واحدة، وأسوأ ما يمكن أن يحدث فقدان الثقة في الدولة من قبل المجتمع، وعدم الإحساس بها في تنظيم شؤون الناس، مما يعني وقف آلة القانون والنظام، كل هذا نتيجة غياب الاستقرار والدور الأمني العام.
ويترتب على ذلك الرغبة في الحاجة إلى الولاء لمرجعية أخرى، يلتمس منها الناس التماسك والعون في تدبير شؤونهم اليومية، ولا سبيل أمام الناس في البحث عن هوية بديلة إلا بالرجوع إلى الهويات الأخرى التقليدية السابقة على وجود الدولة الحديثة، وأهمها الهويات العرقية، والقبلية والدينية والجغرافية، وقد تتصارع فيما بينهما لشغر الفراغ الذي نتج عن انهيار النظام العام.. وتصبح كل هوية تطمح في الاستحواذ على القوة والسيطرة.
*تآكل الثقة الاجتماعية
ويؤكد الباحث أن تعدد المرجعيات وتصارعها في حياة الناس يؤدي إلى نمو متزايد في الشك نحو نوايا الآخرين وسلوكهم، وهذا يؤدي إلى تآكل رصيد الثقة الاجتماعية بين الناس في المجتمع من مختلف انتماءاتهم، وبالتالي فإن صور العلاقات الاجتماعية بين الناس في المجتمع الواحد تصبح محفوفة بالتوترات، وعدم الانسجام، بفعل الإحساس المتزايد بعدم المصداقية في الآخرين، وتظهر بعض السلوكيات الأخرى مثل عدم التسامح والكراهية، وعدم القبول بالآخر.

ويصبح المجال العام في حياة الناس محفوفا بالمخاطر، نتيجة لغياب سلطة النظام العام، وغياب الإجماع حول مرجعية محددة.. ولهذا يسعى الناس إلى تعظيم مساحة الخاص على حساب مساحة العام، نتيجة لعدم وجود عقد اجتماعي بين الناس منظم، ولا سلطة تنظم حياتهم، فلا أحد يريد أن يتعاون مع الآخرين من أجل الصالح العام، وكل الفئات الاجتماعية تسعى إلى تنظيم مساحة سيطرتها على أي منافع أو موارد عامة، وفي ظل هذا الوضع تتفشى الجرائم وتتسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء وتتفاقم أوضاع الفقراء بشدة.
*تزايد الأعباء الأسرية
ويشير الباحث إلى أن الأسرة هي من أشد المؤسسات الاجتماعية تأثيراً بهذا الظرف، فالأسرة هي الملاذ الذي يلجأ إليه الفرد في حالة عدم الاستقرار، ولكن الأسرة تجد نفسها في موقف صعب، فهي لا تستطيع تلبية احتياجات أعضائها، كما يحرم الأطفال من الانتظام في التعليم، ويحرم أفراد الأسرة من الخدمات الصحية والرعاية الاجتماعية والتأمين الاجتماعي.. وهنا تجد الأسرة نفسها في مهب الريح وغير قادرة على أن تلبي الوظائف الأساسية لها، خاصة وظيفتا الأمن والحماية، ويصبح هذا الموقف أكثر صعوبة عندما تخرج الحرب الأسرة عن موطنها، ويحدث التشرد، والهجرة، والنزوح الجماعي إلى المناطق الآمنة، هنا تتخلخل الحياة وينتزع السكان من أراضيهم ومنازلهم، وتصبح الحياة بالنسبة لهم لا معنى لها.
تفشي الفقر
يعد انتشار الفقر أحد المظاهر الهامة، والنتيجة الأكيدة للتكلفة الاجتماعية لحالة الفوضى الأمنية ولعدم الاستقرار الأمني والحروب، ويتركز في المدن وفي المناطق التي تكون مسرحاً للحرب والفوضى الأمنية.

ويظهر الفقر نتيجة عدد من العوامل مثل تعطيل العملية الإنتاجية في المجتمع، وتوقف المصانع والمعامل والمرافق، وعدم إيجاد فرص عمل، وعجز قدرة الجهاز الحكومي على الإيفاء بالتزاماته تجاه المجتمع الذي ينتج عن عدم القدرة على دفع رواتب الموظفين.
وكلما استمرت حالة عدم الأمن فإن الفقر يستمر في تزايد، وقد يتحول إلى آلية من آليات تعميق حالة عدم الأمن، خاصة إذا ما حاولت بعض الجماعات الإرهابية المتطرفة أو جهة من جهات الصراع استغلال ظروف الفقراء في نشر أفكارها، والعمل على دفعهم للدخول في دائرة الصراع.
*انتشار الجريمة
إن انتشار الفوضى النظامية نتيجة عدم الاستقرار الأمني يؤدي إلى خروج المجرمين من أوكارهم، بل تدفع بغير المجرمين إلى الدخول في دائرة السلوك الإجرامي، وتصبح الجريمة نمطا شائعا للسلوك في المجتمع.
فإذا أخذنا بعض الأمثلة لذلك وما حصل من حالات نهب عام للمؤسسات الحكومية والمرافق العامة، والمعسكرات، وحالات من القتل والانتقام، فالفوضى النظامية تظهر صورا للجريمة لم تكن موجودة من قبل في المجتمع، أو كانت موجودة بصورة أقل، ومن هذه الأنواع جرائم التهريب، وجرائم تزييف العملة، مثل هذه الجرائم تنتشر في حالة غياب القانون الرادع، وفي حالة عدم وجود ضوابط أو قوانين حاكمة.
*زيادة القوة نسبة الجماعات الوافدة
وأخيرا يوضح الباحث بأن البلاد أصبحت عرضة للمهاجرين الوافدين من الخارج، وتدل الإحصائيات إلى وجود ما يقرب من مليون وافد من المهاجرين من القرن الإفريقي، وخاصة من الصومال منهم حوالي نصف مليون في جنوب اليمن.
وإن حالة الفوضى قد تسمح لهذه الجماعات بقدر من القوة النسبية، خاصة وأنهم يتواجدون في أحياء خاصة وتجمعات سكنية يكونون الأغلبية فيها، وقد يجدون الفرصة للإقدام على سلوكيات كانوا يمتنعون عنها من قبل في ظل وجود هيبة الدولة.
وإن وجود الفوضى والحروب يمكن أن يفقد الدولة قدرتها على إحكام القبضة على الجماعات الوافدة، ومن الممكن في هذه الحالة أن يزيد تحكم وسيطرة تلك الجماعات على بعض الخدمات الاجتماعية، مما يسبب في إصابة الحياة في المجتمع بالشلل عندما تقايض بعض هذه الجماعات التمتع ببعض النفوذ، والثروة في مقابل إسهامها في انتظام حركة الاقتصاد والعمل في البلاد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى