عن رحيل الهامة القانونية الأستاذة راقية حميدان

> القاضي/ فهيم عبدالله

> رحلت عن عالمنا فى هدوء وشموخ أستاذة القانون المحامية راقية حميدان، رحمة الله عليها، لا أكتب اليوم رثاءً للفقيدة، فأنا لا أجيد الكتابة عمن أحب، سواء كانوا من الأحياء أو الموتى، وعندما يرحل عن عالمنا شخص ممن أحبهم تنتابني مشاعر حزن وألم ممزوجة بقدر غريب من الإنكار!!، وبالتالى لا أستطيع أن أكتب، وحتى إن كتبت تكتمل المأساة!!.. تأتى كتابتي بائسة وفقيرة، وأقل بكثير من حقيقة مشاعري، ومما كنت أحاول أن أسجله، وقد صادفت بؤس الكتابة فى مرات عديدة.. كان آخرها عندما رحل عن عالمنا الكثير من رجالات القضاء والقانون، وعلى رأسهم أخي الشهيد القاضي محسن علوان والقاضي عبدالهادي المفلحي والشهيد أحمد الإدريسي.. وطلب منى أخي لطفي المندري في وقتها أن أكتب عن علاقتى بالإدريسي.. واعتذرت.. لكنه ألح.. وكتبت ويا لسوء وفقر ما كتبته. من يومها وأنا أحاول دائمًا الابتعاد أو الهرب من الكتابة عن صديق أو أستاذ لي رحل عن عالمنا.. لم أتمكن من كتابة مقال عن أحد من أقربائي الذين رحلوا عنا كعادتهم بموت سريع وصادم، وفشلت أيضًا فى الكتابة عن الأستاذ علي زين العيدروس أستاذي الذي تعلمت منه الكثير والأستاذ المحامي منير جرادة والأستاذ المحافظ السابق طه أحمد غانم.
تهربت من نفسي قرابة ليلة كاملة بعد سماعي للخبر المؤلم، وإن كان الموت حقا علينا، وحاولت ألا أكتب عن الأستاذة راقية التي قدمت أمامي العديد من المرافعات تعلمت منها الكثير، من ذلك آداب المرافعة والمرافعات، وذات يوم سألتها عن أسباب خروجها من قاعة المحكمة وهي تسير إلى الخلف ووجهها إلى المنصة، قالت هكذا ضرورة احترام المنصة، وهذا فعلا ما تعلمته في محاكم الدول المتقدمة التي درست فيها، فلا يغادر الخصوم أوالمحامون قاعات المحاكم إلا سائرين هونا ووجوههم نحو المنصة سيرا إلى الخلف، وعن نفسي اقتربت منها إنسانيًا وعلميًا، وتعلمت منها الكثير، لكن بعض الأصدقاء عاتبوني وطلبوا مني أن أكتب، وها أنا أكتب، ولكن ليعذرني هؤلاء الأصدقاء، وأسرة الفقيدة عن أي بؤس أو تقصير فيما كتبته، فمن الصعب أن أكتب عن حياتها وخصالها أو مسيرتها المهنية فى الترافع والبحث وممارستها للعمل التشريعي، فالراحلة كانت عالمًة جادًة ومخلصًة لوطنها وعلمها ووطنيتها بكل ما تحمله الكلمة من أبعاد وتحديات، وبالتالى زاهدة فى متاع الحياة أو البحث عن السلطة والمال، أو الظهور الإعلامي.
وهبت حياتها وعلمها لخدمة الوطن والدعوة للعدالة الاجتماعية والسلام العالمي، فكانت أقرب إلى الفكر الإنساني الملتزم بقيم الوطنية والإسلام، وكانت إحدى دعاة التعايش بين الشعوب والحضارات، وضد خطابات الكراهية والحروب فى وطننا والعالم حتى رُشحت لجائزة نوبل، وكانت هذه القيم والمثل العليا تحركها وتؤطر كتاباتها وفضحت عمليات تضليل الرأى العام والتلاعب به.
ومن حيث التأهيل والتدريب الذي التزمت بها الأستاذة فهي اختارت تلامذتها الذين أشرفت عليهم فى مجال المحاماة من خريجي كلية الحقوق جامعة عدن وغيرها من الجامعات، وكانت تقول إن المحامي ليس بكثرة عدد القضايا، وإنما بنوعيتها، ومن الصعب أن تجد طالبًا أو طالبة جادة، وهو قول صادق تؤكده الأيام، لكن الأهم أنه من الصعب أيضًا أن تجد أستاذًا جادًا ومخلصًا يشرف على طلابه كما كانت تفعل الأستاذة راقية، فهي كانت تتابع أحكامي في بدايات عملي القضائي، وتقدم لي النصح والإرشاد واقتراح المراجع القانونية للمناقشة، يا للروعة!!.. هكذا كان أسلوب الأستاذة فى الإشراف على القضاة والمحامين المستجدين، وهو أسلوب اختفى للأسف من حياتنا القضائية.
رحم الله الأستاذة راقية حميدان، وأتمنى من الله العلي القدير أن يسكنها فسيح جناته ويلهم أهلها وذويها الصبر والسلوان، إنا لله وإنا إليه راجعون.
القاضي/ فهيم عبدالله محسن الحضرمي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى