القطاع الخاص بعدن تماسك برغم الصعوبات.. جهود الدولة انصرفت نحو الوضع السياسي والعسكري ولم تكترث بالوضع الاقتصادي

> تقرير / رعد الريمي

> كانت مدينة عدن، بحسب رؤية منظمة المدن العالمية التابعة للبنك الدولي، إحدى المدن الرئيسية المؤهلة، ليس على مستوى اليمن فحسب، إنما على مستوى إقليم الشرق الأوسط، لتكون نموذجا يحتذى به لإعداد أول استراتيجية للتنمية الاقتصادية المحلية، وقد تشكل لها فيما بعد، كإحدى مخرجات هذه الاستراتيجية، إدارة لتنفيذها، وهي إدارة التنمية الاقتصادية المحلية بديوان المحافظة عدن (Local Economic Development Department - LEDD ).
وحتى تستعيد عدن مكانها كمحور إقليمي وعالٍ للتجارة والسياحة الدولية أقامت نظاما للتجارة الحرة بكفاءة عالية منذ عام 1850 إلى عام 1969م، واستطاع أن يحتل ميناؤها (ميناء عدن) المكانة الرابعة بين موانئ العالم من حيث الأهمية وتموين السفن، وخاصة أن ميناءها احتل المركز الثاني في العالم، بحسب المعهد العربي لإنماء المدن، من حيث عدد السفن الزائرة له في العقد السادس من القرن المنصرم.
وما زاد من مكانتها تأسست أول غرفة تجارية وصناعية في المنطقة 1886م، بحسب الاتحاد العام للغرف التجارية الصناعية، ما كرس الدور الريادي للقطاع الخاص لهذه المدينة، لذا كان ولابد من الاهتمام بالقطاع الخاص بشكل عام، وفي هذه الرقعة (ذهبية عدن) بشكل خاص.
ويلعب القطاع الخاص دورا مهما في الحياة الاقتصادية بالبلد من خلال مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي وتشغيل العمالة والاستثمار والتجارة الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى أدواره الكبرى التي وجد نفسه في مواجهتها منفردا أثناء الحرب، مواجهته تسقط العتب عنه من خلال تقديم السلع والخدمات والعمل على استمرار الخدمات التي كانوا يقدمونها ولو بكفاءات أقل، وجاءت هذه الجهود في ظل ظروف صعبة ومعقدة من خلال دعم جهود الإغاثة الإنسانية.
وقال د. حسن محمود الحديثي، في دراسته حول مدينة عدن جغرافياً واقتصادياً، إن الرؤية التخطيطية لمستقبل وتطوير قطاع الصناعة في اقتصاد المدينة من خلال الإقرار بالتوجيه الجاد والحثيث لاستخدام السياسات الاقتصادية الحديثة والمرتكزة على استراتيجية واضحة الأهداف وبإدارة سياسية تدرك أهمية هذا المركز لاقتصاد المدينة، وأن يكون التوجيه في إطار قانوني يعطي الحرية الكاملة في العمل الصناعي.
*بيئة جالبة للاستثمار
إن إيجاد دور محوري ومؤثر للقطاع الخاص في الحياة الاقتصادية والحياة العامة في عدن والمناطق المحررة يتطلب في المقام الأول العمل على إزالة التحديات والعوائق والعراقيل التي تعترض العمل، والتي مِن شأنها جعل البيئة الاستثمارية في عدن بيئة طاردة للاستثمار، والعودة بها إلى أصلها (بيئة جالبة للاستثمار)، لينعكس ذلك إيجابيا على العملية التنموية التي تواجه القطاع الخاص.
ويجدر التنويه هنا إلى زاوية بالغة الأهمية، وهي الاستفادة من التجارب العالمية التي أعطت القطاع الخاص أدواراً مختلفة، كما حدث في أفغانستان، فقد قام كل من صندوق النقد الدولي والوكالة السويدية للتعاون الدولي بإنشاء صندوق دعم الاستقرار النظام المالي والحد من معدلات التضخم المرتفعة، وقد كان الدعم الموجه للبنك المركزي الأفغاني أثر في البدء بإنعاش قطاع التمويل الأصغر.
رسم بياني 2
رسم بياني 2

بعكس ما عليه الوضع اليوم، إذ إن الدولة لم تلتفت للدمار الذي تعرض له الوضع الاقتصادي بشكل عام سواء الحكومي أو الخاص وأن جلَّ جهود الدولة انصرفت نحو الوضع السياسي والعسكري ولم تكترث بالوضع الاقتصادي الذي من المفترض أن يحظى باهتمام إلى جانب بقية الأوضاع الأخرى، كونه جزءا من دورة الحياة في المناطق المحررة بما فيها عدن.
*محاولة ردم الهوة رغم اتساعها
الواقع إن محافظة عدن مازالت تعاني من اضطرابات وأزمات متكررة في مجالات الخدمات الأساسية، وذلك عكس ما كانت تتوقعه الغالبية العظمى من سكان هذه المدينة الباسلة، خاصة بعد الانتصار الذي تم تحقيقه في الحرب ضد الانقلابين الحوثة والمخلوع في أغسطس 2015م.
إذ لم ينكفئ دور القطاع الخاص في عدن على نفسه خلال العدوان الغاشم من قبل الانقلابيين، بل لعب القطاع الخاص في عدن دورا مهما في ظل الأزمة التي شهدتها البلاد، حيث عمل بكل مسئولية على تأمين توفير السلع الأساسية وتموين متطلبات السوق من خلال مخزونه الاحتياطي والاستمرار في استيراد السلع الأساسية ورفد الاقتصاد وضمان عدم انهياره كليا، برغم التحديات وبذل قصار جهده على تغطية الفجوة التي عجزت عنها الأطراف المتحاربة في ربوع مناطق الصراع.
وتجسد دور القطاع الخاص بتوفير السلع الأساسية وضمان تدفقها وتقديم الخدمات، كالطاقة البديلة والإنترنت والعمل على توفير المشتقات النفطية في ظل توقف الشركات المنتجة، بالإضافة إلى الأدوار المهمة في الأعمال الإغاثية والتخفيف عن النازحين والمتضررين والمحتاجين.
*تحديات بالغة
وفي إطار ذلك أشار د. حسن محمود الحديثي في دراسته حول مدينة عدن جغرافياً واقتصادياً، وأشارت الدراسة إلى ضرورة تحفيز استثمار القطاع الخاص الوطني والأجنبي في القطاع الصناعي للمدينة، وتطوير قوانين استثمارية مشجعة ومستقطبة وضامنة لتلك الاستثمارات، لإقامة وبناء وإنشاء مشاريع صناعية كبيرة موجهة للتصدير، تعتمد على مبدأ المزايا المطلقة في استثمار عوامل الإنتاج المحلي بنسبة كبيرة، بالإضافة إلى إقامة مشاريع للصناعات الزراعية تعتمد على المواد الأولية من المحاصيل الزراعية الصناعية التي تنتج في دلتا أبين ودلتا تبن.
رسم بياني 3
رسم بياني 3

ويعاني المجتمع والقطاع الخاص من مشاكل وأزمات كثيرة تهدد استقرار الحياة الاقتصادية، وقد يؤدي طول هذه المعاناة إلى انهيار كامل لمنظومة الاقتصاد، أرجع عدد من الخبراء المحليين ذلك إلى عدد من المسببات تم إجمالها فيما يلي:
- ارتفاع التأمين البحري وتأمين المنشآت، الأمر الذي آل إلى ارتفاع أسعار الغذاء والأدوية وارتفاع أسعار الوقود.
- أزمة المعاملات المالية والإدارية في الموانئ وفرض دفع الضرائب والرسوم الجمركي نقدا مع ما يرافق ذلك من مشاكل وصعوبات نقل وتداول النقد.
- أزمة استمرار تجاهل دور القطاع الخاص في المشاركة العملية في الدورة الاقتصادية عند إصدار القوانين والقرارات المتعلقة بالمنظومة الاقتصادية.
- أزمة تدهور قدرات البنك المركزي اليمني على إدارة الاقتصاد، وذلك بعد فقدان الدولة معظم إيراداتها، وفشلت في المحافظة على سعر العملة المحلية، مما أدى إلى انهيارات كبيرة في معيشة الناس.
- أزمة تهميش البنوك التجارية المعتمدة وتوقف خدماتها التجارية المتعارف عليها منذ إنشائها، الأمر الذي أدى إلى تقويض النظم المؤسساتية المختصة والنقدية المالية، مما أدى إلى انهيار وتفكيك منظومة التكامل الاقتصادية بين المؤسسات المالية والنقدية.
كان ذلك أبرز المسببات، بالإضافة إلى مسببات ثانوية، كأزمة انقطاعات الكهرباء وأزمة البسط العشوائي والتعدي على المخطط العام للمدينة وأزمة البديل للكهرباء من المشتقات النفطية.
*محاولة نهوض
وهنا لن نتطرق إلى باقي المآسي، فالوضع العام معروف ولا يحتاج لمزيد من التوضيح، ويجب اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من تدهور الوضع الاقتصادي الحاصل، وإنقاذ المواطنين من شبح الجوع والفقر الذي زادت نسبته في الآون الأخيرة، وأن يكون هناك حل بالنسبة لأسعار المواد الغذائية والتموينية.
من المتوقع أن يتعرض القطاع الخاص إلى خسائر كبيرة خلال الفترة القادمة، ويعجز الوفاء بالتزاماته تجاه المجتمع إذ لم يتم اتخاذ معالجات سريعة ذات علاقة بالحفاظ على النشاط الاقتصادي، الأمر الذي جعل عددا من الخبراء يقترحون الآتي:
- إنشاء سعر صرف موازٍ متفق عليه مع القطاع الخاص باحتساب الضريبة والرسوم الجمركية من أجل سعر مناسب للمنتجات في السوق المحلية.
رسم بياني 4
رسم بياني 4

- الإفراج عن بعض المبالغ المالية الخاصة بالقطاع الخاص التجاري والصناعي لدى البنك المركزي أو البنوك التجارية، مما يساعد على إعادة الثقة والتسهيل على القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي.
- إعادة تفعيل العمل بالمقاصة والتعامل بالشيكات وإزالة العقبات التي تواجهها المصارف التجارية المتعدة عند التعامل مع النظام المالي العالمي.
- الضغط على البلدان والمنظمات الدولية التي تعهدت بدعم البلد للإيفاء بتعهداتها لدعم الاقتصاد، ويفضل أن تعطي الأولوية في التحويلات المالية النقدية بدلا من توزيع المواد العينية لتعزيز دور القطاع الخاص المحلي والحفاظ على فرص العمل في القطاع.
- الإفراج عن بعض المبالغ الخاصة بالقطاع الخاص التجاري والصناعي لدى البنك المركزي والبنوك التجارية، مما يساعد على إعادة الثقة والتسهيل على القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي.
- تسهيل الحركة التجارية من خلال ضمان حرية التجارة الخارجية، وإبقاء جميع الموانئ مفتوحة أمام القطاع الخاص لضمان تدفق الواردات.
- إشراك القطاع الخاص في وضع السياسات والخطط الاستراتيجيات الحكومية.
- وكذا بذل جهود في إيجاد حلول طارئة لمعالجة مشاكل الكهرباء والوقود وإخراج الباسطين العشوائيين، ومنع التعدي العام، وتوفير مخزون نفطي كافٍ.
تقرير/ رعد الريمي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى