يوم في حياة أسر فقيرة بعدن.. حكومة تعاني التخمة وشعب يتضور جوعا

> رصد/ فردوس العلمي - وئام نجيب

> ماذا عسى المرء أن يقول أو يكتُب عندما يرى أُناسا يبحثون في براميل القمامة جاهدين لعلهم يجدون فيها ما يسكتون به أطفالهم الذين يتضورون جوعاً، وماذا عله أن يكتب عندما تتحدث له أسر عن مكنونات نفسها ومعاناتها بلغة الدموع والحسرة.
وكم هو مؤلم أن تعيش تفاصيل حياة (يوم) في بيت أسرة فقيرة لا ترى إلا أفواها مفتوحة وبطونا خاوية لا تجد ما يسد جوعها غير لُقيمات تبقيها على قيد الحياة.
أسر عفيفة تقاسي، تعاني، تتضور جوعًا، تكابد ولا يعلم بها إلا الله علّام الغيوب.
تنقل «الأيام» في هذا العدد بعضا من معاناة أسر مركونة على رف الإهمال تصارع الحياة وحيدة وتكافح من أجل البقاء، والبقاء فقط، أسر تعيش الكفاف، تعيش يومها بما تيسر، ولا تعلم ما سيدخل عليها وأطفالها في يومها الآتي.
توجهت «الأيام» إلى أحد أحياء مديرية خورمكسر حيث مدينة الدبلوماسيين والسياسيين ومساكن الوزراء، وحيث تعيش في ذات المكان أسر لا تجد قوت يومها، لتنقل معاناتهم.
وعلى الرغم من صعوبة الحال التي تُكابدها هذا الأسر في هذه المديرية تجدها تستضيف من يقدم إليها بطيب نفس وبترحاب دافئ يدل على كرم وعزة ساكنيها وتعفف أهلها، من يلتقي بهذه الأسر يسشعر من أول وهلة أنه أمام أُناس عزيزي الأنفس يقاسون مرارة الحياة بصبر جميل ولا يسألون الناس إلحافا، بل يظنهم المرء أغنياء من التعفف.
ذهبنا بجولة قصيرة والتقينا ببعض هذه الأسر، تحدثنا معهم، وعرفناهم بأنفسنا ومهنتنا وما جئنا من أجله.
* 5 أسر في بيت واحد
تقول أم إبراهيم (35 عاما) «أسكن وطفلاي في غرفة ضمن خمس أسر أخرى في بيت واحد».. وتضيف - بينما كانت تسرح شعر ابنتها لتحضرها قبل إرسالها للمدرسة، بعد أن صمتت لبرهة - هذه الحرب اللعينة أتعبتنا كثيراً، وكشفت حال الكثير من الأسر، فقبل الحرب كانت حياتنا مستقرة ولم نكن نعاني من الحاجة والعوز كما هو حالنا الآن، لقد أصبحنا نجد قوت يومنا بصعوبة، وابنتي مصابة بالاستما (الربو) ولا نجد قيمة العلاج.. ماذا عسانا أن نقول؟!».
[img]img_٢٠١٨٠١٢٣_١١٣٧١٩.jpg[/img]
أم نبيل - ربة بيت في الثلاثينات من عمرها - ليس لديها راتب أو مصدر دخل ثابت، وزوجها يعمل بالأجر اليومي (حارس)، لديهما خمسة أطفال: ثلاثة أبناء وبنتان، اكبرهم 14 عاما وأصغرهم 5 سنوات، ثلاثة منهم يدرسون، فيما ترك المدرسة أكبرهم.
تقول أم نبيل: ابني الأكبر ترك الدراسة نتيجة لما نعانيه من صعوبة وعدم مقدرتنا على توفير مصاريف الدراسة من الزي والحقائب المدرسية والأحذية والمستلزمات الدراسية الأخرى.. لا نستطيع توفير احتياجاته واحتياجات إخوته إلا بصعوبة، ولهذا رفض مواصلة تعليمه.
وفي ردها عن كيفية توفير المستلزمات الدراسية للآخرين أجابت بالقول: «الزي المدرسي لا نشتريه سنوياً فهم يتبادلون ملابسهم، فكل واحد يعطي لبسه لمن بعده، نحن لا نستطيع الشراء لغلاء الأسعار التي أهلكتنا، بل إن التعليم الحكومي أصبح بفلوس، فهناك رسوم دراسية، وغيرها من المستلزمات التي تقصم الظهر.. أما فيما يخص مصاريفنا اليومية فأحاول أنا وزوجي أن نشتري ما تيسر من خضار وليس بالضرورة أن يكون كافيا المهم أن يمر يومنا، ولا نتذوق السمك والدجاج إلا في الشهرين، أما اللحم فلا نأكله نهائيًا».
ما تبقى من احتياجات الأسرة
ما تبقى من احتياجات الأسرة

وتضيف: «المواد الغذائية هي الأخرى نشتريها بشكل يومي، لعدم مقدرتنا على شراء المواد الغذائية كاملة لكون المحلات التجارية لا تعطي إلا لمن معه راتب شهري يضمنون دفع ما عنده نهاية الشهر، أما نحن فعلى باب الله كما يقولون، حتى زكاة رمضان والمعونات لا نتحصل عليها، رغم تسجيلنا وأخذ أسمائنا بهذا الخصوص، رغم أن هناك بيوتا تتواجد بها أربع أو خمس أسر ويحصلون على كل احتياجاتهم، إلا نحن لم نحصل على شيء ونحن خمس أسر، وما يعطوننا إياه هو نصيب أسرة واحدة فقط، الأمر الذي نضطر بموجبه إلى تقاسمه فيما بيننا.. ولهذا نناشد قيادتنا مراعاة أوضاعنا بضبط الأسعار في المواد الغذائية وكذا أسعار العملة، والتي أصبحنا بسببها غير قادرين على شراء احتياجاتنا البسيطة، كما نطالبهم أيضاً بتوفير فرص عمل وأشغال للشباب، مع ضرورة إعفاء الأسر الفقيرة من الرسوم الدراسية، وتوفير الاحتياجات المدرسية لأولادنا الطلاب ليمكنوا من مواصلة التعليم».
الشابة «حياة» في العقد الثالث من عمرها، توفي والدها وتعيش مع أسرتها المكونة من أم متقاعدة وأخوين عاطلين عن العمل.
تقول لـ«الأيام» وهي تحكي بعض معاناتها: «مشاكلنا كثيرة وحياتنا صعبة جدًا وراتب أمي لا يتجاوز 25 ألف ريال ويأتي متأخرا، ولهذا نحن دائما ما نبات ونصحو على الهم ومنغصات الحياة، ولكن أملنا بالله كبير فهو الرازق، ولا نقول غير الحمد لله، ففي الصباح نشتري بمئتي ريال روتي وقليل فاصوليا من المقهى، أما العلب فلا نستطع شراءها، أو خبز وشاهي فقط، وفي وجبة الغداء ننتظر عودة أمي فإذا لقيت شيئا نشتري الرز أو ننتظر أخي حتى يأتي، والسمك والدجاج لا يدخل منزلنا إلا مرة في الشهر، أما اللحم فلا نتذوقه، لارتفاع ثمنه.. إننا نطالب الحكومة بصرف رواتب الموظفين وتوفير الوظائف، كما نطالب مسئولي الضمان الاجتماعي بأن ينظروا للأسر الفقيرة كاملة دون استثناء أو محاباة من خلال النزول وتنفيذ مسح ميداني، ليتأكدوا من الحالات المحتاجة بصدق وأمانة، فمن الصعب أن نذهب نحن وندق أبوابهم ونقول لهم نحن محتاجون، فكرامة الإنسان أغلى شيء عنده.
أمام أعين الفقراء وبعيد عن أفواههم
أمام أعين الفقراء وبعيد عن أفواههم

إننا نتمنى أن يقوموا بالنزول والقيام بواجبهم، ونؤكد لهم أنهم سيجدون الكثير من الأسر الفقيرة العفيفة، التي لا يعلم بحالها إلا الله وحده.. كما نطالب الدولة بتخفيض الأسعار لتتمكن الأسر الفقيرة من العيش بكرامة، ونتمنى من إدارات المدارس توفير احتياجات أطفال الأسر الفقيرة، فهناك أطفال يذهبون للمدارس بدون أكل ويعلم الله بحال أسرهم».
*أمنيتي «رقم عسكري لابني»
تقول أم علي، وهي أم لأربعة أولاد أعمارهم ما بين 14 و 24 عاما: «أولادي بلا وظائف، وأصغرهم يعمل بالأجر اليومي، وابني أحمد قاتل مع المقاومة ودافع عن الأرض والعرض والكرامة، ورغم كل ما بذله وقدمه إلا أنه قوبل بالجحود والنكران من قبل المسئولين، فابني إلى الآن لم يحصل على رقم عسكري، لست أدري لماذا لم يتم تسجيله مع المقاومة، على الرغم من تقديمه أربعة ملفات في سبيل الحصول على وظيفة عسكرية».
وبمرارة تواصل: «لم ينصفنا أحد، وحياتنا بسيطة، نعيش كل يوم بما تيسر لنا شراؤه من بطاط وطماط وبصل ورز وزيت.. وأمنيتي في هذه الحياة هي أن يحصل ابني على رقم عسكري ليكون لدينا مصدر دخل نعتمد عليه».
أم سعيد هي الأخرى تحدثت لــ«الأيام» بمرارة عن معاناتها بالقول: «إننا نشكو مما في صدورنا من هموم لله تعالى، فهو الرزاق والرحيم بنا والعالم بما نحن فيه من مشقة وعناء».
وتضيف: «لدي 5 أبناء وبنتان، وزوجي يعمل بالأجر اليومي (العمل العضلي)، ولهذا فنحن نجد في بعض الأيام ما نسد به جوعنا، وأيام أخرى نعاني فيها كثيرا، إننا لا نستطيع توفير أساسيات البيت (الراشن الشهري).. كما أن أكثر ما يؤلمنا أن نراهم يتضورون جوعاً أو يقاسون آلام المرض أمام أعيننا ولا نستطيع أن نقدم لهم شيئا، فما يستطيع توفيره زوجي لهم أشبه بالفتات، مع ما يوفره لنا بعض الأحيان فاعلو الخير من الجيران.. إن معيشتنا ضنك، فيما تنعم الحكومة بالرفاهية وتعاني من التخمة، متجاهلة ما نعانيه نحن من فقر وحاجة».
رصد/ فردوس العلمي - وئام نجيب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى