عبدالباري طاهر: ممارسات الحوثيين تدفع لاحتجاجات تفرض حلا يرضي غالبية اليمنيين

> «الأيام» عن «العرب اللندنية»

> يرجع المفكر والباحث اليمني عبدالباري طاهر جذور الأزمة التي تعصف باليمن إلى رواسب ثقافية وسياسية واجتماعية قديمة ساهمت في تكرار سيناريو الحروب اليمنية على مدار التاريخ اليمني الحديث والمعاصر.
ويقدم طاهر في حديث مع "العرب"، تفسيره لما يمكن أن نطلق عليه اليوم الظاهرة الحوثية التي انساقت وراءها فئة من اليمنيين بدواع مذهبية وأخرى سلالية وثالثة دينية. ويسلّط الضوء على ست مناطق غائرة في الثقافة اليمنية يتّكئ عليها الحوثيون اليوم لإشعال حربهم على خصومهم السياسيين والعقائديين، كما يقدم سيناريوهاته للمشهد اليمني.
*خلفيات جغرافية ومذهبية
يؤكد عبدالباري طاهر أن العامل الجغرافي والثقافي في المنطقة، التي يعدّها البعض الحاضن الاجتماعي للحوثيين، يأتي في مقدمة الأسباب التي مازالت تمد الميليشيا الحوثية بالقوة، ويقول في ذلك “نحن أمام بيئة مغلقة تركيبتها القبلية شديدة العصبية والتخلف، لم تعرف المدنية، ولا التحضر. حُرمت هذه المنطقة - شمال الشمال - من أبسط الخدمات: التعليم الحديث، التطبيب، وسائل الاتصال الحديثة، حضور الدولة بأجهزتها، ولم تُفرض هيبة النظام والقانون. والمنطقة موئل الإمامة المتوكلية، يسود فيها الاعتقاد بقدسية الإمام، والولاء والطاعة للتراتب الموروث: السيد، القاضي، شيخ القبيلة، والبقية رعية للشيخ، وأتباع للسيد".
ويلفت طاهر إلى ما يعتبره العامل الثاني في سياق تفكيك الخلفية الثقافية والفكرية للجماعة الحوثية والذي يكمن في الاعتقاد المذهبي القائم على موالاة آل البيت. مضيفا أن مذهب آل البيت ينص على وجوب الخروج على الإمام الظالم. وفي حال أزمنة القحط، وما أكثرها في اليمن، يستنفر الإمام الداعي أبناء القبيلة إلى غزو المدن والمناطق الزراعية. فنصرة الإمام المجاهد، كأحد أهم شروط الإمام المنتسب للبطنين: الحسن والحسين، واجبة.
وتاريخ الإمامة الهادوية في اليمن تاريخ جهاد خروجا على الإمام الظالم أو (إصلاح الانحرافات عن الدين). فالبداوة والقبائل الأمية المدججة بالسلاح هي حامية حمى الدين، وهي التي تقوم بنهب المدن ومصادرة المحصول الزراعي في المناطق الزراعية.
يعرّج طاهر على العامل الثالث المتمثل في استخدام القبيلة، بالقول “كانت القبائل الجائعة والفقيرة هي جيش الإمامة عبر مراحل تاريخها الطويل”.
ويضيف “أليس العوام هم قوة المستبد، عليهم يصول، يأسرهم، فيهللون لشوكته، ويغصب أموالهم، فيحمدونه على إبقاء حياتهم، ويهينهم، فيثنون على رفعته، ويغري بعضهم على بعض، فيفتخرون بسياسته، وإذا أسرف في أموالهم يقولون كريم، وإذا قتل منهم ولم يمثل يعتبرونه رحيما”، كما يقول الكواكبي في كتابه “طبائع الاستبداد”.
ويقف على مقربة من كل ذلك دور شيخ القبيلة والعلاقة التقليدية التي نظمت صلاته بالدولة أو من يسيطر عليها، وهو رابع العوامل التي يقول طاهر إنها يمكن أن تقدم تفسيرا لواقع الأزمة اليمنية الراهنة. ويستطرد حول ذلك بالقول إن معظم مناطق شمال الشمال ظلّت معزولة محرومة، وظل الشيخ هو واسطة العقد بين القبيلة والدولة. فالشيخ يبتزّ القبيلة بالدولة ويبتزّ الدولة بالقبيلة.
وجرى تواطؤ بين الدولة والشيخ على فرض الأميّة والعزلة والتخلف لتظل القبيلة قوة احتياط لإعاقة بناء الدولة وتحديثها وفرض هيبة النظام والقانون على هذه المناطق، ومن ثم الاستناد إليها في قمع المعارضة السياسية، أو أي دعوات للحداثة والتجديد، وذلك في عهد ما بعد ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962.
ويتطرق طاهر إلى عامل آخر حاسم ساهم في نشوء الشكل الميليشياوي الذي نشاهده اليوم في اليمن، وهو عدم تطور العملية التعليمية التي ظلت أسيرة النمط التقليدي واستمرار الأعراف القبلية على حالها.
مجندون حوثيون بصنعاء
مجندون حوثيون بصنعاء

الظاهرة الحوثية نموذج فكري راديكالي يستقي تعليماته من جذور عقائدية غائرة وقائمة على تبرير كل أعمال العنف ومحاول استئصال وإلغاء الآخر، وهي في هذا تلتقي مع معظم التيارات الأصولية. ويقول طاهر عن ذلك إن الجهاد لدى السنة والشيعة على حد سواء فرض كفاية، يتحول إلى فرض عين في حال تعرضت أراضي المسلمين للغزو. وطن المسلم عقيدته، والجهاد هو الفريضة الغائبة، كما يسميها الجهادي عبدالسلام فرج، وهو الوسيلة الأساس لحماية بيضة الإسلام. والاستشهاد موت في سبيل الله. كما أن الجهاد دفاعي وطلبي. وغالبا ما يتحول الدفاعي إلى طلبي.
إذن الإسلام السياسي - بتياراته المختلفة - يمتح من بئر هذا الموروث، بل يطوّره بالتسييس والأدلجة، ويجعله منهج عقيدة وأداة سياسة وسبيل استشهاد، والباحث فرهارد خسروخافار في كتابه “الأصوليون والعمليات الاستشهادية”، يرى أن الإسلام حَوَّلَ الحروب القبلية إلى أيديولوجيا، عكس المسيحية، رغم الابتزازات التي مورست باسم الحروب الصليبية.
وفي الفقه التقليدي الجهاد قاسم أعظم ومشترك بين جميع طوائف المسلمين ومذاهبهم الفقهية. الإسلاميون الجدد، أو بالأحرى الدعاة السياسيون، حولوا الجهاد الدفاعي إلى طلبي، وهم يرون أن الطقوس الإسلامية: الصوم، الصلاة، الحج مرهونة كلها بالجهاد، ويكاد يجمع علي شريعتي، وهو تقدمي يساري من أهم منظري الثورة الإيرانية، على هذا الأمر مع أبي الأعلى المودودي وسيد قطب. فالهدف السياسي واحد، ولكلٍّ غايته. فأبو الأعلى المودودي وقطب يهدفان إلى سلطة دينية متزمتة تمثل ظل الله في الأرض، وتحتكر الحاكمية للإسلام السياسي السني باسم الله، بينما يمزج شريعتي - كما يرى فرهارد - بين مستويين: دعوة الفرد مباشرة، ودعوة الشخص المسؤول (إنشاء الذات الانقلابية أو التوعية)، حيث يربط بين الفرد الذي عهدت إليه مهمة قيادة الثورة، وإسلام يسمّيه العقيدة، والذي يتميز بضرورة التضحية بالذات، للوصول إلى كمال تفوق مكانته في الحياة”.
وأيضا نجد أن التضحية بالنفس - أي الشهادة - ضرورة لا بد منها لدى قطب وشريعتي معا، كما أنهما يشتركان في ثنائية الإيمان والكفر، وإن كان شريعتي يتناول قضية الاستكبار الإمبريالية بأفق ورؤية تقدمية، بينما ينظر إليها سيد قطب من منظور ديني وأخلاقي شديد التعصّب ضد كل ما هو علماني.
*لا يمكن محاربة الحوثيين مع استمرار قوتهم
إضافة إلى ما سبق من تأصيل للحرب التي تجتاح اليمن، يرى طاهر أن المشهد اليمني يمتلك أسبابا خاصة به ترجع في قسم كبيرة منها إلى طريقة إدارة البلاد، عبر استقواء مراكز النفوذ والسعي للاستئثار وإقصاء الخصوم، إلى جانب أسباب أخرى يتحدث عنها، مشيرا إلى أنه في الواقع اليمني فإن للأمر علاقة بفساد الحكم وهشاشته وضعفه وارتهانه لسطوة شيوخ القبائل ضد الحياة المدنية وضد بناء دولة نظام وقانون، كدعوة وأنموذج الشهيد إبراهيم الحمدي، ومخرجات الحوار الوطني الشامل. والأهم غياب العدالة والمساواة وغياب التعليم الحديث، ووجود بنية قبلية تقليدية بإرثها وقيمها وأعرافها البالية.. ثم، وهذا هو الأخطر، تحويل منطقة “صعدة” إلى ميدان صراع بين السلفيين والمذهب الزيدي، وامتداد الصراع إلى الجوار السعودي، والثورة الإيرانية وحزب الله، وهو جذر الخلاف الذي تطور إلى الحالة التي نعيشها اليوم.
وحقا فإن شباب هذه المنطقة العاطل عن العمل نشأ في بيئة شديدة التخلف والأمية، والسلاح متوفر فيها إلى جانب عوامل أخرى هيّأت لنشأة الشباب المؤمن أولا، وهي حركة إحياء زيدي في مواجهة دماج المدعوم من صنعاء والرياض.
*سيناريوهات وحلول
يعتقد عبدالباري طاهر أن ثمة سيناريوهين لمآلات الجماعة الحوثية ومشروعها في اليمن. يكمن الأول في أن تتوسع لتضم أعدادا من مختلف المناطق، ويتوقع - وفقا لهذا السيناريو - أنه بعد مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح أن يزداد نفوذهم، وتضعف جبهة المعارضة في مناطق معينة، وتحديدا الواقعة تحت سلطة الأمر الواقع.
أما السيناريو الثاني وفقا لطاهر، فهو أن يزداد الغضب، ليس من قتل صالح فحسب، وإنما، وهذا هو الأهم، بسبب العجز عن حل قضايا كوارث الحرب الذين هم طرف رئيس فيها واشتداد وطأة الجوع والأوبئة الفتاكة وانفلات الأمن وغياب السلام والاستقرار واشتداد الانتهاكات والقتل والاختطاف والاعتقالات وتهديم المنازل ومصادرة الحريات العامة والديمقراطية والتضييق على حرية الرأي والتعبير، مما قد يدفع إلى احتجاجات سلمية ومدنية تتطور إلى خروج شعبي عام لفرض حل سلمي تقبل به غالبية اليمنيين، وهم في أشد الاحتياج والظمأ إليه. مع العلم أن التكتل ذا البعد الطائفي والعائلي مصدره الأساس وسببه الوحيد إهمال الريف وغياب التنمية الحقيقية وإبقاء التركيبة القبيلة في هذه المناطق كما كانت في عهد الإمامة المتوكلية.
أما عن الحل الأمثل للخروج من دائرة الحرب والصراع في اليمن فيكمن، بحسب عبدالباري طاهر، في إقرار الأمن والسلام والاستقرار والخلاص من الحروب وويلاتها والبدء في إشاعة ثقافة السلام والتآخي والتسامح، وفي بناء الدولة الاتحادية الديمقراطية، كما أقرته مخرجات الحوار الشامل، ومشروع دستور دولة الوحدة الديمقراطي وتحديث البنية الاجتماعية، والاهتمام بتحديث التعليم وعقلنته والخلاص من التعليم الطوائفي ومخلفات عصور الظلام، ووجود توافق إقليمي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى