عدن.. الوجع الصامت !

> محمد العولقي

>
محمد العولقي
محمد العولقي
* يوجعني يا (عدن)، أن تمشي في ظل غروب يبكيه الشفق، يوجعني يا (أماه) أن تنام على رموشك غيمة تبكي دما، يوجعني أن يتعطر أفق (عدن) برائحة البارود، بدلا من مسكها والبخور، يوجعني يا (قرة عيني) أن أطفالك في الأزقة لا يهابون الموت المتربص بهم، يلعبون معه الكرة تحت مخلفات القمامة، ثم يصطحبهم عند المساء إلى المقابر..
* يؤسفني يا (عدن) أن وجهك الوضاح، وثغرك البسام صارا ملجأ للنسوة النادبات النائحات، يستودعن الثكالى أولادهن أمانة تحت ثرائك، كن يحلمن بشهادة الجامعة، أما الآن فقد زغردن للشهادة الأبدية، صارت دماء أبنائك (دمغة) و(بصمة) شهداء يحبونك يا (عدن)..
* آه يا (عدن) كم يوجعني أنينك الصامت، كأغنية ليل طويل بلا موسيقى ولا كلمات ولا لحن، ليل موحش لم ينجل بعد، يؤلمني أن وجهك الصبوح تعتليه غبرة، وترهقه قترة، ذلك الغبار ينسج لقوامك الرشيق سجادة من أشواك الصبار، يا (عدن) ليس لك أن تنامي في حضن السلام والوئام، وتلك (الوطاويط) تستأثر بسلمك، يروعون أمنك، وسلامتك، بدانات المدافع، وأزيز الرصاص، ودراجات موت عابرة للنهار، يقتلون محبيك، وعشاقك، وأطفالك، وشيوخك، لا لسبب إلا لأنهم يبادلونك نفس مشاعر الأمومة، يعشقون ترابك الطاهر منذ أن دعا الداعي (حي على الفلاح)..
* ردد جبل شمسان الأشم (أواه) يا (عدن) أولئك المرتزقة، تجار الدماء يسلبونك تاج النهار، يفخخون (قبوة الكاذي)، لا هم لهم سوى وأد تلك (الشامة) المنحوتة على خدك بصخر الزمن، غربان النعي تحلق، وأجساد أبنائك تتطاير من فوهة بركانك الخامد نحو السماء الداكنة شظايا، ثم تتساقط على ترابك سمادا تتفتح معه براعم قافلة جديدة تعوض من قضى نحبه، نحبك يا (عدن)، نعشقك، بليل ما طلع له نهار، وعربون العشق قبور تحت قدميك، وقيود ستنتقم من السجان قريبا، وقرابين قادمة تنتظر الشهادة ثمنا لحرية مازلت جنينا نطفة، في رحم فجر لم يولد بعد، لا نعلم ما إذا كانت مؤنثا أم جمعا مذكرا سالما..
* يؤلمني يا جنة حبنا، أن من أطعمتيهم من جوع، وآمنتيهم من خوف، نكروا جميلك بليل، خانوا عيشك، وملحك، تبرأوا من فراش خديك، وأنت من سقاهم شرابا سلسبيلا مستساغا فيه لذة للشاربين، وكسيتيهم عرايا من ترابك ثيابا سندسا مطرزا بضفائر عروس البحور، خانوا أمانتك التي استودعتيها قلوبهم وعيونهم، أرتضوا أن يكونوا لعبة (دراكولية) بيدي الشيطان الذي يغوي، أغراهم المال المسرطن، تماما كما أغرت تفاحة (حواء) آدما..
* يوجعني يا (عدن) أن لعبة الموت تنكل بمحبيك، من علماء ومفكرين ومثقفين، الألعاب (الدراكولية) تستهدف كل من يطلب الحرية لك، حياة ابنك المكبوت يا (عدن) في فواتير القتلة، أرخص بكثير من ثمن التابوت..
* واحر قلباه يا (عدن)، من قلب شبم يودع وينسى، يبكي قليلا ويضحك كثيرا، قوافل الشهداء دخلت خانة نسيان أصحاب القضية، منهم من قبض الثمن (بندقية)، ومنهم من غره سراب (الفلوس)، هؤلاء المتحورون ليسوا تربيتك يا (عدن)، فشتان الفارق بين أخلاصك، وأخلاصهم، هم شطبوا شهداءنا من مفكراتهم ومذكراتهم، ومسحوا أرقام هواتفهم النقالة من جوالاتهم، أما أنت (ياسين عليك) فتحتفظين برفاتهم و بطولاتهم الملحمية تحت ثرائك الطاهر النفيس، هم في أحشائك يعيشون، في جنان عشقك يخيمون، تحت لحافك يستنشقون نسمة أرخبيل، تبا لنا عندما ننسى القضية، لا عيش ينفع ولا ملح يشفع..
* لكن ها هم أعداء الحياة الذين يقضون مضجعك، يتوارون خلف سحابتك، هؤلاء (القطيع) حولوك إلى مقبرة تحتويها ريح صرصر، وأرض كئيبة ملأى بنعيق الليلك، لقد حن رعدك يا (عدن)، وسطع برقك، فغشي أبصار المتاجرين بمعاناتك، ومعاناتنا، أمطرت سحابتك الداكنة على رؤوسهم غضبا، سيتدفق سيل حريتك من قمة الجبل، فيغسل وجهك البسام من دنس الليل الطويل..!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى