سالم بن سالم.. المواطن اللحجي البسيط عاشق التاريخ والتراث

> تقرير/ هشام عطيري

> كان العشق للموروث الشعبي والآثار والكتب قد دفع الوالد سالم بن سالم يوسف عوض، الذي يقطن في قرية كدمة امشعيبي في مديرية تبن التابعة لمحافظة لحج، إلى تحويل منزله المتواضع لمعرض مفتوح للعديد من القطع الأثرية والمعدات الخاصة بالموروث الشعبي والعديد من الكتب القديمة.
وفي حين غابت الجهات الحكومية المعنية بهذا الجانب قام هذا الأول شخصيا بجمع كل مقتنيات معرضه الشعبي، وكان قد دفع ثمن التكاليف من مصروف أسرته، لكي يحتفظ بها ويقدم لهذه القطع الأثرية والكتب كل العناية والاهتمام ووضعها في مواقع مناسبة، لكي لا تتعرض للتلف.
والوالد يوسف، وهو يمضي في العقد الخامس من العمر، يعمل استاذا في مدرسة جعولة.
في مرحلة الثانوية كان قد بدأ بقراءة المجلات العربية القديمة، وكانت بلدته التي يعيش فيها على مقربة من بعض المواقع الأثرية والمستوطنات التاريخية القديمة، وهو ما دفعه إلى الاهتمام بجمع الآثار والكتب والمجلات القديمة التي تحكي وتسرد حقائق من التاريخ.
كانت بدايات العم سالم، حينما شكلت العوامل الطبيعية (التعرية)، عاملا مساعدا لاكتشافه بعض المواقع الأثرية التي احتوت على العديد من العملات والقطع النقدية القديمة والآثار المختلفة، وهو ما أدى إلى إثارة اهتمامه ومتابعته لهذا التاريخ العريق وجمع المعلومات عن التراث والموروث الشعبي في المنطقة.

وسط العديد من ظواهر عدم الاهتمام من البعض كان ولازال الحاج سالم بن سالم مهتما جدا ويبحث عن كل جديد، وهو ما دفعه أثناء دراسته في الثانوية إلى العمل ليتحصل وقتها على دراهم معدودة لشراء بعض الكتب والمجلات منها (العربي والدوحة والطليعة الكويتية والمجاهد العربي) وهو ما عزز من تكوين خلفية تاريخية مبكرة لاهتماماته الأدبية والتاريخية.
يقول الحاج سالم: “إنه من شدة حبه واهتمامه بالآثار والمخطوطات والموروث الشعبي هو ما دفعه لتقديم طلب للتوظيف في الآثار قبل أن يلتحق بالسلك التربوي ويعمل مدرسا بعد ذلك، بعد أن منحه مكتب الآثار بلحج مذكرة لوزارة الثقافة للتوظيف، لكن دون جدوى، بعد أن تطوع وعمل حارس مواقع أثرية بتكليف من مكتب الآثار بلحج في ثمانينات القرن الماضي”.
بالتزامن مع بداية الوحدة في العام 1990 بدأت بعض الجهات، التي تهتم بالآثار والمتاجرة بها وتهريبها بطرق غير مشروعة إلى الخارج، بالظهور في بعض المناطق الجنوبية، ولكن الحاج سالم، ومن خلال حديثه، يشير إلى أنه “قد سلم مكتب الآثار العديد من القطع الأثرية التي عثر عليها في بعض المواقع بطريقة رسمية وسندات استلام من قبل تلك الجهات”، وهو يبدي فخره بما فعل مع أنه لا يعلم ما هو مصير تلك القطع التي سلمها للجهات المعنية بطريقة رسمية في بادرة حسن نية منه في متحفين بعدن ولحج، لعرضها وصيانتها.
بعيد حرب صيف العام 1994 ارتفعت درجة التآمرعلى الآثار في الجنوب، حيث قام العديد من المتنفذين بالبسط على أراضي واسعة بطريقة عشوائية، هدفت إلى البحث والنبش لسرقة الآثار، وهو يعتقد أن هولاء المتنفذين كانوا على علم بأن هذه المواقع تحتوي على كنوز أثرية قديمة دون أن تحرك الجهات المختصة أي ساكن أو تقوم بدورها.
وبالتوازي مع مهمته الوطنية في تربية الأجيال من خلال وظيفته كمعلم إلا أن عشقه واهتمامه بهذا التاريخ ظل مستمرا حتى اليوم، وهو ما بدا واضحا في منزله، حيث توجد العديد من القطع النقدية القديمة مختلفة الأشكال، وأيضا حوض من الحجر منقوش يعود إلى عهد الدولة الرسولية، ونماذج أخرى من الموروث الشعبي المتنوع، إضافة إلى الكتب والمجلات المختلفة.
العم سالم عاشق التاريخ والآثار، كما يلقب، يرثي ويتندم على الحال الذي وصل إليه حال المواقع الأثرية التي، وبحسب قوله، زادت فيها عمليات التخريب وأعمال النبش في ظل غياب عمل السلطات المحلية والمركزية وتقاعسها، مما أدى إلى استغلال هذا الوضع من قبل جهات عدة قامت بحملات منظمة على تلك المواقع والبحث عن الآثار والاتجار بها.

سالم بن سالم يأمل مثل أقرانه المهتمين بالتاريخ أن تتبنى الدولة إقامة مركز توثيق يشمل كل ما يخص تاريخ لحج في موقع واحد، وهو من ضمن عدد محدود من المواطنين المهتمين بهذا التراث والتاريخ وتجميعه بشكل شخصي، لحفظ تراث وتاريخ لحج الزاهر حيث قال: “إنهم يدفعون مبالغ مالية مقابل ما يتحصلون عليه من تلك الوثائق في ظل غياب الدولة، التي من المفترض أن تحافظ على هذا التاريخ ودفع المبالغ اللازمة لذلك”.
لازال العم سالم في منزله المتواضع، في قرية كدمة امشعيبي التي تحيط بجنباتها كنوز من التاريخ، يعمل بكل جهد وإخلاص في الحفاظ على هذا التراث، ليكون مسكنه مرجعا للطلاب والباحثين عن المعرفة والتاريخ ومتحفا مفتوحا.
يقول الحاج سالم بن سالم: “إنه سوف يضطر إلى التوقف عن عمليات التوثيق مع عدم تحرك الجهات المختصة وعدم اهتمامها، فالتراث يجب أن يصان ويحفظ، ويكون في أياد أمينة تعرف أهميته، ليكون مرجعا للباحثين والطلاب”.
في ختام جولتنا إلى معرض العم سالم، بعد أن خرجنا منه بحصيلة وفيرة من حديث شيق لا يكتمل، علمنا أنه بصدد تجهيز مشروع التراث والموروث الشعبي، وكان قد جهز عددا من البحوث عن تاريخ مدينة الرعارع وعن مدينة إرم ذات العماد، والعديد من البحوث التي لاتزال في طور الإعداد.
وعندما غادرناه قال هو كلمة أخيرة وظل يرددها: “إن على كل إنسان أن يهتم بتاريخ بلاده”.
تقرير/ هشام عطيري

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى