سَخِط مجهول النسب.. صار إلى إبداع

> وجدان الهويمل

> جرول بن أوس بن مالك العبسي (أبو مُليْكة) المشهور بـ(الحطيئة)، شاعرنا من الشعراء المخضرمين أدرك الجاهلية وأسلم في زمن أبي بكر.
ولد في بني عبس من أَمةٍ اسمها (الضراء) دعِيًّا لا يُعرفُ له نسب فشبّ محروما مظلوما، لا يجد مددا من أهله ولا سندا من قومه فاضطر إلى قرض الشعر يجلب به القوت، ويدفع به العدوان، وينقم به لنفسه من بيئةٍ ظلمته، ولعل هذا هو السبب في أنه اشتد في هجاء الناس.
وأبرز قصص الحطيئة قصته مع الزبرقان بن بدر وكان قد حبسه عمر بن الخطاب لأنه هجا الزبرقان بن بدر التميمي سيد قومه عَمِل للنَبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وكان يجمع زكاة قومه ويؤديها لهم، وقد اشتكى لعمر لما هجاه الحطيئة.
فقال له عمر: وما قال لك ؟ قال: قال لي:
‎دعِ المكارمَ لا ترحلْ لبغيتها
واقعـدْ فإنّك أنـت الطاعمُ الكاسي
فقال عمر: ما أسمع هجاء ولكنها معاتبة.
فقال الزبرقان: أو لا تبلغ مروءتي إلا أن آكل وألبس! والله يا أمير المؤمنين ما هُجيت ببيت قط أشد عليَّ منه.
فدعا عمر حسان بن ثابت وسأله: أتراه هجاه؟
قال حسان : نعم وسلح عليه!.
فحبس عمر الحطيئة، فجعل الحطيئة يستعطفه ويرسل إليه الأبيات، فمن ذلك قوله:
‎ماذا تقول لأفراخٍ بذي مرخٍ
زغبُ الحواصلِ لا ماءٌ ولا شجرُ
‎فلم يلتفت إليه عمر، حتى أرسل إليه الحطيئة:
‎ألقيت كاسبَهم في قعر مُظلمة
فاغفر، عليك سلام الله يا عمر
‎أنت الإمامُ الذي من بعد صاحبه
ألقى إليك مقاليدَ النُّهي البشرُ
‎لم يؤثروك بها إذ قدّموك لها
لكن لأنفسهم كانت بك الأثرُ
‎فامنن على صبيةٍ بالرَّمْلِ مسكنُهم
بين الأباطح يغشاهم بها القدرُ
‎نفسي فداؤك كم بيني وبينَهُمُ
من عَرْضِ واديةٍ يعمى بها الخبرُ
‎قال عمر: فإياك والمقذع من القول
فقال الحطيئة: وما ‎المقذع؟
قال عمر: أن تخاير بين الناس فتقول فلان خير من فلان وآل فلان خير من آل فلان.
قال الحطيئة: فأنت والله أهجا مني.
ثم قال له عمر: والله لولا أن تكون سُنّة لقطعت لسانك، فاشترى عمر منه أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم، وأخذ عليه عهداً ألا يهجو أحداً ولكن يقال إنه رجع للهجاء بعد استشهاد عمر بن الخطاب.
ومن أبيات الحطيئة التي حفزتني على كتابة هذا المقال ومشاركة القارئ بعض إبداع هذا الهجّاء الذي لم يسلم من هجائه أقرب أهله أمه وأبيه حتى إنه هجاء نفسه ومن روائع الحطيئة أبيات منها:
و لست أرى السّعادة جمع مالٍ
‎و لكنّ التقيّ هو السّعيدُ
‎و تقوى الله خير الزّاد ذخراً
‎و عند الله للأتقى مزيدُ
‎وما لا بدّ أن يأتي قريب
‎و لكنّ الذي يمضي بعيد
ويقول أيضا:
وطاوي ثلاث عاصب البطن مرمل
بتيهاء لم يعرف بها ساكن رسما
أخي جفوة فيه من الأنس وحشة
‎يرى البؤس فيها من شراسته نعمى
وأفرد في شعب عجوزاً إزاءها
‎ثلاثة أشباح تخالهم بهما
حفاة عراة ما اغتدوا خبز ملّة
‎ولا عرفوا للبر مذ خلقوا طعما
رأى شبحاً وسط الظلام فراعه
فلما بدا ضيفاً تسوّر واهتمّا
أبيات في قمة الروعة تحوي كم من الإبداع، الصور والمشاهد . أبدع الحطيئة في هذه القصيدة أيما إبداع القصيدة غاية في الروعة تفتق ذهن القارئ لمشاركة المبدع في الإبداع من خلال تحليل القصيدة . وذلك لقدرة الشاعر على انتقاء الصور والأخيلة ولا ننسى الجانب القصصي المُسيطر على القصيدة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى