استاذ الاقتصاد بجامعة عدن د. محمد عمر باناجه لـ«الأيام»: ما لم تصاحب الوديعة إجراءات نقدية وقانونية فلن تؤتي ثمارها

> عدن «الأيام» خاص

> قدّم الخبير الاقتصادي والأكاديمي بجامعة عدن د. محمد عمر باناجه تحليلاً اقتصادياً حول انهيار سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية والآثار السلبية نتيجة ذلك.
أوضح باناجه أن هناك مفهوما خاطئا ساد في الآونة الأخيرة حول النشرة اليومية لأسعار الصرف التي يقوم بتعميمها قطاع الرقابة على النقد الأجنبي بالبنك المركزي اليمني على البنوك التجارية، مؤكداً بأن عددا من الكتابات الصحفية وتصريحات بعض ذوي العلاقات بالتعامل مع النقد الاجنبي من بنوك وشركات صرافة، تشير إلى أن هناك لبسا مفاهيميا واضحا لدى شريحة واسعة من الناس حول: ماذا تعني النشرة التي يصدرها القطاع المختص بالبنك المركزي المتضمنة سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار والريال السعودي؟.
د. محمد عمر باناجه
د. محمد عمر باناجه

وأضاف: “دعونا نتذكر المنشور الذي أصدره محافظ البنك المركزي في أغسطس 2017 الموجه للبنوك التجارية العاملة بشأن التعاطي مع نظام إدارة الصرف المعوم (الحر) بدلا من سعر الصرف المعوم (الموجه) والذي تبعا له تم إلغاء التعامل بسعر الصرف الرسمي (التأشيري) الذي كان يضعه البنك المركزي لأغراض السياسة النقدية وللتجارة الخارجية لواردات السلع والخدمات، التي يغطي قيمتها بالدولار المباع بسعر الصرف (الرسمي) لتجار الاستيراد للسلع الغذائية الرئيسية وبعض الأدوية والمشتقات النفطية، والذي كان قد حدد آخر مرة له بـ250 ريالا يمنيا للدولار الواحد، بعد أن كان لفترة طويلة محددًا بـ 214.9 ريال للدولار.
ذلك التوجيه تضمن في نصه أن القطاع المختص بالبنك المركزي عليه أن يقوم بإصدار نشرة يومية أو دورية حول متوسط أسعار الصرف المتداولة في سوق الصرافة (سوق النقد الأجنبي) كسعر إغلاق لمركز العملات الأجنبية في البنوك التجارية، غير أن عدم الالتزام بإصدار هذه النشرة طيلة الفترة الماضية ما بعد التعويم ثم العودة إليها الآن بعد الحديث عن ايداع وديعة بالنقد الأجنبي من قبل الحكومة السعودية ضمن الأصول الخارجية للبنك المركزي اليمني، جعل الناس تعتقد أن البنك المركزي من خلال هذه النشرة وبتأثير الوديعة إنما هو يحدد سعر صرف للعملة المحلية تجاه كل من الدولار والريال السعودي، والأمر ليس كذلك على الإطلاق.
فالبنك المركزي لم يعلن عن إلغاء قرار التعويم الحر، ولم يحدد سعر صرف تأشيري (رسمي)، ومازال يتبع نظام التعويم الحر الذي أقره المحافظ ضمنا في توجيهه المعمم للبنوك التجارية العاملة في أغسطس 2017م. كما أن البنك المركزي لم يتدخل في السوق المفتوحة لبيع النقد الأجنبي.
وفي ضوء بيانات تلك النشرة اعتقد عدد واسع من المتعاملين في السوق النقدي (سوق الصرافة)، لاسيما من الأفراد الذين قاموا بتحويل مدخراتهم من الريال إلى الدولار لأغراض حفظ القيمة الحقيقية لمدخراتهم، أن البنك المركزي قام بتخفيض سعر صرف الريال إلى 390 ريالا للدولار الواحد، بينما ما يقوم بنشره البنك المركزي ما هو إلا تعميم للبنوك التجارية بسعر الإغلاق اليومي لتسوية مركز العملات الأجنبية فيها.
والجهل الذي ينم عن عدم فهم الناس لهذا الأمر دفع بعدد كبير منهم - وما زال يدفع - نحو تحمل خسائر كبيرة جراء اعتقادهم بتوقع حدوث انخفاضات متتالية في سعر الصرف، فسارعوا إلى تحويل مدخراتهم بالدولار إلى عملة محلية، وبالمقابل حققت شركات الصرافة أرباحًا كبيرة على حساب هؤلاء العامة الذين يجهلون قواعد التعامل مع تقلبات أسعار الصرف، بعد أن أضحى الصرافون يشترون بما حدده البنك كسعر إغلاق لحسابات مراكز العملات في البنوك، دون أن يبيعوا بسعر البيع المحدد، الأمر الذي كان لزامًا على القائمين بشأن النشرة في المركزي توضيحه للجمهور بدلا من أن يتركوا المدخرين عرضة لخسائر مضاربية تسبب بها الجهل بدلالات نشرتهم، والصرافون يحققون أرباحا طائلة غير مشروعة نتيجة عزوفهم عن بيع الدولار علنا بسعر بيع الإغلاق، وبيعه بصورة ملتوية بسعر صرف السوق الذي يسود، وهو في كل الأحوال أعلى من 450 ريالا للدولار.
ثانيا: إن القول بانخفاض سعر صرف الريال إثر الإعلان عن قيام الحكومة السعودية بإيداع وديعة بالنقد الأجنبي بمقدار ملياري دولار، قول غير صحيح ولا تدعمه أي حجة علمية ولا من منطق الأمور.
فالوديعة السعودية المحددة بملياري دولار ستودع ضمن الأصول الخارجية في الميزانية العمومية للبنك المركزي كخط دفاع أولي للعملة المحلية، وعادة ما تعتبر الأصول الخارجية ضمن الاحتياطيات الدولية التي تمتلكها الدولة، ولها تخصيصات معروفة منها:
- خط دفاع أولي للعملة المحلية، وتستخدم كغطاء للعملة المصدرة.
- في بعض البلدان يستخدم جزء منها لتغطية استيراد سلع محددة بسعر صرف محدد، وذلك في سياق تفاهمات بين وزارة المالية والبنك المركزي وموافقة مجلس الوزراء، ناهيك عن ضرورة موافقة الجهة المودعة للوديعة، إذا ما كانت أجنبية، كما هو حال وديعة الملياري دولار.
- الوديعة باعتبارها من الأصول النقدية الخارجية للبنك المركزي، لا تودع في خزائن البنك المركزي في الداخل، بل تودع موزعة بشكل أصول نقدية ومالية مستثمرة بين بنوك عالمية وفي حسابات الدولة لدى صندوق النقد الدولي ومؤسسات مالية تتمتع بدرجات تصنيف ائتماني عالية، وأهم ما في الأمر هنا هو أن تستثمر هذه الوديعة الدولارية أو جزء منها في أصول مالية مربحة وخالية من المخاطر ويمكن تسييلها في الحال (تحويلها من أوراق مالية إلى نقود)، كأذون الخزانة الأمريكية وأذون الخزانة الأوربية أو ما في حكمهما.
ثالثا: إن الاعتقاد بأن الوديعة السعودية ستكون بمثابة عصا موسى في إنقاذ الاقتصاد اليمني عموما والنقدي على وجه الخصوص، اعتقاد خاطئ مائة بالمئة.
فالوضع النقدي في البلاد بحاجة إلى عملية جراحية وجراح ماهر بعد أن تم إهماله كثيرا في غرفة الإنعاش.
ولكي تؤتي الوديعة ثمارها لابد أن تصاحبها مصفوفة من الإجراءات النقدية والتي تعرف في الاقتصاد النقدي بـ"إجراءات التيسير الكمي للسياسة النقدية"، وتهدف إلى زيادة عرض النقود (إجمالي السيولة في الاقتصاد) من خلال تعديل هيكل الأصول في الميزانية العمومية للبنك المركزي.
ناهيك عن حزمة من الإجراءات القانونية والإدارية الفورية التي لابد من اتخاذها لتأمين شروط نجاح مصفوفة الإجراءات النقدية.
ودون ذلك لا يمكن للوديعة السعودية أن تساهم في تحسين وضع الاقتصاد بل وحتى في انتشاله مما هو فيه، وسيظل الريال اليمني في مهب الريح، مما يجعله عرضة للانهيار الكامل.
*ملاحظة:
لمن يريد التعرف أكثر على الإجراءات المقترحة بهذا الشأن العودة إلى صحيفة «الأيام» العدد 6057 الصادر في 22 أكتوبر 2017.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى