كانت البداية من منزل صغير وأضحت نموذجا رائدا في التعليم.. مدرسة جعار الوسطى.. عندما تتحدث جودة التعليم

> تقرير/ منصور محمد العطوي

> في مركز مديرية خنفر، كبرى مديريات محافظة أبين الساحلية، تنتصب المدرسة المتوسطة، وهي واحدة من أبرز مراكز التنوير والعلم في محافظة الدلتا والبحر، ومع أنها بدأت في ظروف بدائية حينها لكنها كانت مدرسة لتخريج المتفوقين على الدوام.
إلى الجنوب من مركز المديرية الأكبر في أبين، يقف مبنى عتيق ظل شاهدا على صرح علمي، ومع أن طلاب المدرسة العتيقة آنذاك كانوا في غاية البساطة ولا تتوفر لهم الإمكانيات التي تتوفر عند الطلاب الحاليين، إلا أنهم يماثلون شباب هذا الجيل وربما يتفوقون في عديد مجالات.
في فناء فسيح ملحق بحديقة شاسعة المساحة تحتوي على الزهور والورود والمساحات العشبية الخضراء التي تسر الناظرين، والأشجار العملاقة التي تقدم الظل لمرتادي المكان، في محيط المكان كان هناك متسع لإبراز العديد من نشاطات الطلاب.
*التأسيس
بعد أربع سنوات من بدء التعليم النظامي الحديث في سلطنة يافع الساحل المجاورة لمدينة جعار تأسست المدرسة الوسطى في مديرية جعار عام 1955 بعد أن كانت الحاجة ماسة لافتتاح مدرسة في محيط مدينتي الحصن وجعار، ولأن استيعاب المدرسة حينها لم يكن يسمح بالتحاق جميع الناجحين، التحق بها في المرة الأولى أربعة طلاب من بين مجموع ستة طلاب مع أن مستواهم وقتذاك كان يعادل اليوم مستوى خريج الثانوية العامة، والطلاب الذين التحقوا بالمدرسة للمرة الأولى كانوا على النحو الآتي:
1) الطالب حينها (الدكتور لاحقاً) منصور جميع عوض، الذي عمل بعد تخرجه منها مدرساً فيها ثم سافر إلى المانيا الشرقية، حينها، للدراسة العليا.
مدير مدرسة جعار
مدير مدرسة جعار

2) الطالب (الشاعر الكبير) كور سعيد عوض وكان انضم لاحقا الى الثورة التي قادها محمد بن عيدروس وهو واحد من ثوارها الذين هربوا الى جمهورية مصر العربية مع زميله الذي كان ثائرا معه عوض العرشاني، حينما كان الزعيم الراحل جمال عبد الناصر رئيسا، وتزوجا معا من سيدتين مصريتين.
3) الطالب (الأستاذ التربوي لاحقاً) صالح العاقل وتولى «رحمه الله» إدارة عدد من المدارس بعد تخرجه.
4) الطالب حينها، الأستاذ حيدرة سالم العطوي «رحمه الله».
أمّا الطالبان اللذان لم تتهيأ لهما الفرصة للالتحاق بالمدرسة الوسطى من ابتدائية الحصن فقد تم استيعابهما كمدرسين في ابتدائية الحصن التي تعلموا فيها.
وقد خصصت للطلاب الاربعة في المدرسة المتوسطة الذين كانوا من الحصن سكناً داخلياً مكوناً من غرفة وحمّام في الطابق الثاني من مبنى صغير مبني من الطين «اللِبْن» وكان يقع في المكان ذاته الذي أُقيم فيه لاحقاً بيت الهتاري بجعار في شارع الشعملي.
بدأت المدرسة في منزل اشترته السلطنة آنذاك من السيد عيدروس بن زين السقاف «الوهطي» الشهير بلقب ديجول «رحمه الله» ويقال ان سعر المنزل حينها (120) مائة وعشرين ألف شلن ووقتها كان المبلغ خيالياً، وكان السيد عيدروس قد طلبه لبيع المنزل لأن هذا الاول لم يكن راغباً في بيعه ولكن الامير محمد دفعه كاملا، والمبنى يتكون من طابقين من الحجر ويحتوي على ست غرف صغيرة استخدمت مكاتب لمدير المعارف في السلطنة حينها، وللطاقم التدريسي مع صالتين خصصتا كصفين دراسيين كما احتوى على حمامين وغرفتين أخريين استخدمت إحداهما لاحقاً كمطبخ والأخرى صالة صغيرة للطعام وهذا المبنى جرى تحويله لسكن داخلي للطلاب القادمين من المدارس البعيدة بعد ان اكتمل البناء الجديد.
*الافتتاح الرسمي
كان الافتتاح الرسمي لمدرسة جعار الوسطى قد دشن بعد ان استكمل البناء الدائم للمدرسة، وكان اسمه تغير عبر مراحل زمنية مختلفة، وتحول اسم المدرسة الى (جعار الوسطى للبنين) بعد ان افتتحت مدرسة موازية للبنات، وبعيد الاستقلال في العام 1967م تحول الاسم إلى مدرسة جعار الإعدادية للبنين حينما الغيت مرحلة التعليم المتوسط واعتمد نظام السلم التعليمي الذي كان سائدا في جمهورية مصر العربية (ابتدائي - إعدادي - ثانوي)، وبعد هذا الغي هذا السلم التعليمي واعتمد نظام سلم تعليمي جديد أواخر السبعينات (أساسي - ثانوي) وبالتوازي مع هذا تحول الاسم إلى مدرسة الفقيد باخبيرة وحتى العام 1994م الذي شهد الحرب التي شنتها قوات الرئيس اليمني السابق إلى تغيير الاسم الى (الايمان).
وكان وزير المستعمرات البريطانية اللورد «كولتين» قد افتتح المدرسة حينما كان في زيارة الى عدن والمدن المجاورة لها. وحضر الافتتاح وقتها حاكم عدن البريطاني وعدد من السلاطين والمشايخ من الجنوب وجمع غفير من أبناء دلتا أبين وكان على رأس مستضيفي الجموع الأمير محمد بن عيدروس العفيفي «رحمه الله» وهو كان يشغل نائب سلطنة يافع بني قاصد.
من الصور الجميلة والنادرة احد فصول المدرسة المتوسطة مدينة جعار سنة 1954
من الصور الجميلة والنادرة احد فصول المدرسة المتوسطة مدينة جعار سنة 1954

وبالنسبة لي كنت خضت امتحانات المرحلة المتوسطة في عام 1963م واختير حينها خمسة طلاب فقط من بين (18) طالباً من الفائزين في دفعة هذا العام لمواصلة الدراسة في ثانوية الشعب بمديرية البريقة غربي عدن، وكان هؤلاء الطلاب:
1) الطالب (الدكتور ووزير التربية والتعليم لاحقاً) حسن أحمد السلامي وكان يسكن مع والده في الرميلة ويحضر المدرسة على ظهر الحمار صباحاً ومساءً.
2) فيصل يحيى الزبيدي خبير البترول لاحقاً ويعيش حالياً في كندا.
3) أحمد مثنى علي الشعيبي عم السفير في فرنسا حالياً يحيى الشعيبي.
4) علوي ناصر العفيفي مدير شركة النفط بعدن لاحقاً.
في عام العام 1959م أكملت المرحلة الابتدائية وكان عددنا في الصف الرابع في مدرسة الحصن الابتدائية حوالي (17) طالباً وقد نجحنا جميعنا، لكن سياسة القبول في مدرسة جعار المتوسطة لم تسمح سوى الا للثلاثة الاوائل من دفعتنا بسبب ميزانية النفقات في الداخلية وكان الثلاثة هــم:
1) علوي ناصر العفيفي.
2) محمد عبدالله بقبق «رحمه الله».
3) كاتب هذه السطور/ منصور محمد العطوي.
ووقتها ألحقتنا المدرسة المتوسطة بالقسم الداخلي، لكن النظام في القسم الداخلي كان على النحو التالـي:
- تغذية ثلاث وجبات مجاناً.
- سرير خشبي لكل طالب، وفراش، وكمبل، وبطانيتان، ومخدة مع غطاءين قماشيين لها، ومنشفتان، وبدلتان مدرسيتان، وبدلتا أحذية مدرسية وجوربان.. بحيث تلبس كل بدله (ثلاثة أيام) ثم تغير بالبدلة الثانية التي يتم غسلها على حساب المدرسة.
- (بوكت موني/ مصروف جيب) أسبوعي لكل طالب بمبلغ وقدره (ستة شلنات).
وبعيد انتهاء الحصص الدراسية وفق النظام السائد آنذاك كان الطلاب يتجهون إلى غرفهم للنوم (كل غرفة لثلاثة طلاب) حتى الساعة الرابعة عصراً ثم يعودون إلى المدرسة لممارسة النشاط الدراسي المسائي مع جميع الطلاب الآخرين، ويستمر النشاط المسائي حتى دخول وقت صلاة المغرب.
ومن نظام القسم الداخلي كان النظام سائداً في المدرسة يمنع خروج طلاب القسم إلى سوق جعار أو الى أي مكان آخر طوال أيام الأسبوع عدا يومي الخميس والجمعة حيث كان يسمح لهم بالخروج عصر يوم الخميس والعودة إلى القسم عصر يوم الجمعة.
وكان يسري على طلاب المدرسة من أبناء جعار وضواحيها القريبة غير الملتحقين بالقسم الداخلي ما يسري على طلاب القسم الداخلي من حيث إلزامية الحضور يوميا، وكان الطلاب من أبناء جعار تحت رقابة شديدة، ولم يكن يسمح لهم بالتجول في الشوارع ليلا.
*منار للمعرفة
كانت المدرسة العريقة تمتلك حديقة تصل إلى سبعة فدانات تنتشر على جنباتها الزهور والورود، كما كانت المدرسة تضم ناديا رياضيا يمتلك ملعبا لعديد رياضات منها كرة القدم وكرة الطائرة وكرة السلة والنادي الذي كان اسمه (المعارف) لعب في صفوفه لاعبون متميزون من الجنوب والبعض الآخر كان من دولة السودان منهم الكابتن حيدرة أبو بكر البيتي وحسن فريجون وحسن حماد وآخرون، والفريق كان لعب مباريات مع فرق كثيرة من المنطقة وخارجها وفاز في العديد منها.
واقيمت عديد حفلات فنية في المدرسة منها (مهرجان زيارة الولي بو شميلة) ونظمت المدرسة ايضا رحلات كشفية ولدى المدرسة وقتها فريق فني في معمل لتحميض وطبع الصور الفوتوغرافية، فريق إعلامي وصحفي لتدريب هواة الكتابة والأدب، وجمعية أدبية كانت تقيم الصباحيات والأمسيات الأدبية والثقافية والفكرية وتحرر المجلة الحائطية للمدرسة.
كان نجاح المدرسة المتوسطة في جعار دافعا لاختيارها من قبل وزارة المعارف في حكومة اتحاد الجنوب العربي الى جانب ثانوية خورمكسر للبنين في مستعمرة عدن كأفضل مدرستين نموذجيتين في دولة اتحاد الجنوب العربي.
وكانت الوزارة وكذلك السلطنة تدرج المدرستين اعلاه كنموذج تقديم ضمن برنامج الزيارة الخارجية لاي وفد، ومن أبرز من زار المدرسة الوسطى في جعار، وزراء حكومة عدن والاتحاد الفدرالي الذين زاروا السلطنة زيارة مشتركة صباح يوم الأحد 18 أكتوبر 1961م بصحبة المستشار والمعتمد البريطاني، وزارها ايضا في يوم الاثنين 28 مارس 1966م رئيس جمعية الكشافة في بريطانيا ومؤسس الحركة الكشفية في العالم بصحبة عدد من أعضاء الجمعية الكشفية في مستعمرة عدن، وفي هذه المناسبة كان اقيم استعراض رائع في ميدان المدرسة المتوسطة بجعار لجميع الفرق الكشفية في المنطقة، وكذلك بعثة التليفزيون الإيطالي في نفس العام.
تقرير/ منصور محمد العطوي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى