(الأبيات القصائد)

> د. سعيد العوادي

> [img]دكتور.jpg[/img] وهل القصائد إلا أبيات? ما معنى هذا الإسناد الغريب? هذا سؤال منطقي بدهي إن تعجل القارئ المراد منه.. ويبدو أن هذا السؤال سيكون مدخلا لعرض نصين من فرائد النصوص العربية لا لطولهما، فما هما الا أبيات ثلاثة لا رابع لها. ولا لاحتشاد صورهما أو جزالة تراكيبها ففي الشعر العربي ما هو أفخم تركيبا وأجزل لغة وأمد نفسا.. فما سر الفرادة فيهما إذن?
وأقول بادئ ذي بدء إن مزيتهما تكمن في نظري في قصر النفس الشعري وتكثيف الزمن الشعري واقتضاب التراكيب. إنه في المجمل تصوير أخاذ لمقطع زمني محدد للحظة فارقة في حياة فرد أو طائفة من الناس، يمكنك باختصار أن تسميه بالقصيدة اللقطة.. وأنا أقول القصيدة هنا تأكيدا للعنوان المشكل الذي بدأت به حديثي هذا. إذ جرى العرف الشعري على أن ما دون الأبيات السبعة لا تعد قصيدة ولكن قطعة.. كأنهم يشيرون إلى أن استواء النص الشعري على سوقه ناضجا لا يكون إلا بتسبيع الأبيات.
وهذه قسمة ضيزى فما أكثر النصوص التي تضاعف السبعة والعشرة وزد في ذلك ماشئت وليس لها من الشعر إلا رسمه.. تقرأها فلا تجد إلا سرابا يحسبه الضمآن ماء، ومدونات النقد الأدبي قديمه وحديثه ممتلئة بأمثلة تلك النصوص مما لا أجد متسعا في عجالة كهذه لأضرب لها أمثلة...وعلى نقيض من هذا فإن نصوصا أخرى قصيرة هي قصائد مكتملة..لا تستطيع أن تزيد عليها بيتا واحدا، لأن المعنى يبدأ بأول بيت وينقضي بآخر بيت، وما سوى ذاك حشو وفضول كلام لا طائل من ورائه.
هذا الشريف الرضي يمر على طلل الأحبة، فيطيل الوقوف عليه فيستحثه الركب فيمضي معهم بجسمه ويبقى قلبه.. كيف يصور الشاعر هذه اللحظة القصيرة والزمن المجتزئ..
ولقد مررت على ديارهم وطلولها بيد البلى نهب
فوقفت حتى ضج من لغب
نِضوِي ولجَّ بعذلي
الركب
وتلفتت عيني فمذ خفيت
عني الطلولُ تلفَّتَ القلب.ُ
ولا مزيد على الأبيات الثلاثة..
إذ النص تام ناضج، هذا هو مفهوم الأبيات القصائد.
وإذا كانت أبيات الرضي مما اشتهر من الشعر وذاع فثمة نص آخر لا تكاد تجد له صدى في ما يروى ويستملح من الشعر.. إذ لصاحبه مطولات جياد كلف بها الرواة والنقاد وعد شعره في ذروة الشعر العربي إنه النابغة ناقد الشعر الأول...وأبياته الثلاثة في ديوانه ورواها المبرد في الكامل وأبو عبيد البكري في سمط اللآلئ. وابن رشيق في العمدة .. وسواها من مضان الأدب و الأبيات الثلاثة تصف حال بني غطفان حين جاءهم خبر مقتل حصن بن حذيفة الفزاري سيدهم وهو الذي كانت تفاخر به غطفان وتغالي في أخباره. فقد ذكر ابن عساكر في تاأريخ دمشق أن حصنا فقد زمنا فقالت غطفان إن الجن استفحلته!!.. فجاء موته على غير ما قدر له الغطفانيون.. فالنابغة ينسج أبياته لتسامت الدهشة والذهول، وتصف التردد و الشك والحيرة
فيقيم أود تراكيبه على الحذف والقطع والتساؤل
ثم يفجِّر النص في البيت الأخير حرقة ونواحا...
يقولون حِصْنٌ ثم تأبى
نُفوسُهُم
وكيفَ بحِصنٍ والجبالُ
جُنُوحُ
ولم تَلفِضِ الموتى
القبورُ و لم تزلْ
نجومُ السماء والأديمُ صحيحُ,
فعمَّا قليلٍ ثم جاء نعيُهُ
فَضَلَّ نديُّ الحيِّ وهو
ينوحُ..

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى