أبعاد وتداعيات السبت الأسود في عدن.. الساحل الذهبي تلون بدماء مرتاديه الأبرياء

> «الأيام» عن «البعد الرابع»

> "إلياس" ووالدته انتهزا إجازة السبت للترويح عن أنفسهما في أكثر السواحل العدنية جمالا وحيوية.. لم يعرف ابن الرابعة عشرة وهو يلعب بانشغال أمام البحر ان ثمة من سيغرقه ووالدته بنهاية حزينة وقاتمة.
وبعد أن دوى انفجاران عنيفان في مديرية التواهي ، حاول الحاضرون استجماع شتاتهم و تركيزهم لرصد حصيلة الضحايا الذين كان اغلبهم من المدنيين.
فجاة ظهر "إلياس" محمولاً على سواعد احد الجنود وهو مضرج بدمائه، وقد انحنت رقبته وشج راسه.. لتجسد صورته حال مدينة باسرها تحاول أجهزة الدولة ان تننشلها من الموت والهلاك لكن الارهاب يصر في كل مرة على اسالة دمائها وازهاق ما تبقى فيها من حياة.
ام الياس اعتادت متابعة ابنها في كل نزهة كي لا يغيب عن نطاق رؤيتها، وهذه المرة ظلت تتابعه باخلاص الى ذات المصير الموجع.. كانت "سميرة" اولا في قائمة الجرحى، لكنها سرعان ما قررت الالتحاق بابنها وهي التي صعقت مرتان الاولى لحظة وقوع الانفجارين والثانية لحظة مشاهدة فلذة كبدها ملطخًا بدمائه.
عملية التواهي عكست بجلاء حجم التحولات القاسية التي اعترت العاصمة عدن، فالاماكن التي عرفها سكان المدينة كملاذ للبهجة والحياة استحالت ساحة للصراع والموت راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى من المدنيين.
*أهداف مركبة
لعلها العملية الارهابية الأولى منذ تحرير عدن، التي يقع فيها هذا العدد الكبير من الضحايا المدنيين بعد ان كان الموت من نصيب العسكريين والجنود، وهي تضرب أهم مربع أمني عرف للعامة باعتباره المعقل الحصين للحراك الجنوبي بقياداته السياسية والامنية.
ورغم ثقل الخسائر البشرية لا سيما في صفوف المدنيين فإن الهدف الداعشي من العملية لم يكن منصباً عليها، وان كانت في المحصلة تصب في سلته لجهة ما تحدثه من تصدعات بالغة في الصورة الرمزية لإدارة الامن.
عملياتيا كان الهدف الداعشي يتوخى تكرار سيناريو عملية “البحث الجنائي” التي نفذها عناصره في نوفمبر من العام الماضي، وتقريبا جاءت عملية التواهي على ذات المنوال: سيارتان مفخختان احداهما استهدفت مبنى جهاز مكافحة الارهاب والاخرى نقطة عسكرية امام مبنى المجلس الانتقالي، ومن ثم ميكروباص كان على متنه مجموعة من الانغماسيين الذين يرتدون الزي العسكري الرسمي محاولين اقتحام مبنى مكافحة الإرهاب لكنهم عجزوا وتم تصفيتهم عند البوابة.
التنظيم الارهابي أراد تحقيق هدفين مباشرين من عملية السبت: الأول تصفية عناصره الارهابية المحتجزة لدى جهاز الامن والتي مثلت بنك معلومات هاما لادارة امن عدن ، تطورت استخبارتياً الى تعاون وثيق مع واشنطن عبر بوابة ابوظبي، وانتهى الى تكثيف غارات الدرونز على مواقع ومعسكرات داعش بعد ان حاول البنتاجون تحييدها متفرغا للقاعدة، وقد اثمر هذا التعاون في اكثر من مناسبة اهمها في اكتوبر الماضي حيث قتل ٥٠ عنصرا وقياديا داعشيا في البيضاء بعد استهداف معسكرين تدريبيين تابعين لهم.
قال مسؤول عسكري امريكي ان هذا النجاح جاء بفضل مصادر معلومات محلية، وقد ايقظت هذه العملية جذور القتل الداعشي بعد ان كان قد توارى عن الساحة لعام كامل.
كما ان التحقيق المستمر مع هذه العناصر ادى الى كشف عدد من الخلايا النائمة في محافظة عدن، اخرها قيادي داعشي كبير جرى القاء القبض عليه في مديرية التواهي نفسها قبل شهرين تقريبا.
الهدف الثاني للعملية هو تصفية الكوادر الفاعلة و ضرب اخر مؤسسة أمنية شبه متكاملة، مثلما جرى تماما قبل ثلاثة اشهر، اذ ما يزال اللواء شلال شايع حتى اليوم يعاني من عجزه عن تعويض خسارته المريرة لموظفي جهاز البحث الجنائي.
فشلت داعش بتحقيق أي من الهدفين، لكن ذلك لا يمنع ان تتشابك الاهداف الجهادية المباشرة مع اجندة سياسية غير مباشرة، سيما وان موعد العملية تزامن مع لقاء اللواء شلال شايع بوفد من الامم المتحدة كان يعتزم فتح مكتبه في عدن وكذلك رفع وتيرة نشاطه، والاهم من ذلك ان احدى السيارات المفخخة كانت تستهدف مبنى المجلس الانتقالي.
يضع خبراء أمنيون فرضية ان هذا الاستهداف قد يأتي عمليا لأجل تشتيت انتباه القوة العسكرية عن الهدف الحقيقي، لكنه في الوقت نفسه يبرر طرح اسئلة كثيرة حول طبيعة الاطراف التي سيسرها ضرب الحراك أمنيا ً بعد ان هزمت امامه عسكريا وتراجعت سياسيا، وهي ذاتها الاطراف التي توفر - بحسن او بسوء نية- غطاء سياسيا واعلاميا للارهاب وتسارع دوما لاستثماره كحجة لاقالة شلال ومهاجمة الحزام الامني.
الاكيد ان للصراع السياسي دورا محوريا بما جرى أمس الاول، من خلال التورط المباشر لبعض الاطراف، او من خلال ما يعززه من اجواء استقطابية مسمومة تعمل على اخفاء الحقيقة، او من خلال ما اسفرت عنه الخطة الامنية التي عاشتها عدن اثر المواجهات المسلحة في يناير والتي تتيح للجماعات المتطرفة هامشا اكبر للتحرك.
وقبل توجيه اصابع الاتهام السياسي، يجب على إدارة امن عدن مراجعة اوجه القصور التي جعلتها هدفا (وان صعبا) في اهم معاقلها.
كما ان على النخبة الجنوبية وطبقتها السياسية ان تتعاطى مع الحدث بمزيد من الاحتراف في التحليل والمتابعة، وان تترك عنها ردود الافعال المتعصبة والتي تذهب سريعا نحو توزيع الاتهامات او اختلاق التبريرات دون التوقف عند جوهر المشكلة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى