إبعاد الجيوش عن عدن ووضع حد للسلاح المنفلت أولوية لا تقبل التفاوض

> تحليل / أحمد عبداللاه

> تحملت عدن مصائب الجنوب في كل مرحلة منذ 67م.. وما تزال اليوم تواجه الفوضى واحتمال التصادم الحاسم بين مشاريع سياسية يختلط فيها كل شيء.
هناك إرهاب متجدد وجيوش متعددة وسلاح منفلت وجماعات باطنية خطرة وإعلام مضلل وتدميري، وهناك جوع وبؤس وظلام و"مافيات" تأكل الشجر والحجر.. وتلك بيئة مثالية للفوضى والانفلات.
لا دولة في عدن ولا سلطة حقيقية ولا إدارة.. بل هناك محاولات لا تلين لإدخالها في جوف وحش جائع وربما إعادتها "مجازاً" إلى وضع التكوين البركاني الأول الذي صنع الفوهات ومخالب الحمم الممتدة إلى جروف البحر. هي فوضى مبرمجة ومتعمدة. اعلام بدون مقاييس أخلاقية، ومخابئ للإرهاب وقواعد لوجستية لأجله، وحروب صغيره وفِتن مخيفة، ومجاعات سيكلوجية متعددة... الخ.
يُراد لعدن أن تختزن في جوفها حمم الصراع بانتظار حركة صعودها خلال الشقوق الرهيبة اللا مرئية، لتفجر الغطاء الهش ويندفع رمادها بشدة إلى فضاءات الصيف الحارق، ويتطاير إلى ما وراء المدينة ليغطي الجغرافيات المجاورة، وتتحقق أحلام "المجاهدين" في استجلاب رفاقهم النازحين من العراق وسورية.. ذلك حلمهم العقائدي ونفسهم الطويل الذي لا يعرف الملل.
بكلمات أخرى هناك إعادة المحاولة بصورة مستمرة لأن تصبح عدن قاطرة تجر خلفها عربات الأزمات المتسلسلة، وتغرق في دماء متعددة المشارب. وهذا الفضاء المخيف إن توسع لن تفيد بعده الأحزمة والنخب والمجالس لأن الأعداء "يسابقون الريح" في خلق أرضية تمهد لحروب طويلة.. وتلك غايتهم فقط.. فإما الحكم أو الفوضى والموت.
إنْ ضَربَ الإرهاب شمتوا إعلامياً وعمت أفراحهم، وإن تمت مواجهة جذوره بقوة صاحوا باسم حقوق الإنسان والحرية… الخ!! وهذا ما فعلوه ويفعلونه في مصر.. وهي مصر، الدولة العربية المركزية القوية، بثقلها التاريخي والجيوسياسي والسكاني، ويفعلونه في أماكن متعددة بنفس الطريقة الشفافة التي لا تتطلب الاجتهاد في كشف غاياتهم التدميرية.. يضعون المجتمع في دائرة شيطانية ويحصرونه بين الموت وبين أهدافهم.
يقابل كل ذلك إخفاق الجنوبيين بنخبهم السياسية والعسكرية والاجتماعية في إنجاز أولوية لا تقبل التفاوض، تتمثل في إبعاد الجيوش عن عدن ووضع حد للسلاح المنفلت، ونقل المقرات الحساسة بعيداً عن محيط التجمعات السكانية، ومحاربة الفساد والمافيات والفوضى بكل اشكالها.. في سياق استراتيجيا متكاملة تُحشد لها المصادر والوسائل الناجعة.
تعلمت الأمم من الأزمات بأن نصف الفعل يُضعِف أكثر، وهذا ما تعيشه عدن وتعايشه.. نصف حياة، نصف انتصار، نصف حزم، نصف هواء، نصف ضوء أو أقل، ونصف نبض للمدينة التي ما أن ترفع بصرها حتى تتطاير شظايا الانفجار في كحل عينيها. أي أن كل شيء في غياب الحسم الأمني النهائي، قابل للارتداد والارتطام في قاع هاوية مفجعة.
ومثلما تحملت عدن مصائب الجنوب تتحمل اليوم مصائب الشمال والجنوب معاً وتتحمل بلاء الشرعية التي توزع كوارثها أينما حلّت.. وتتحمل إخفاقات دول التحالف التي تراقب الدم اليومي المسفوك على الطرقات، دون أن تساعد على وضع حد نهائي لدرء المخاطر التي كلما اعتقد الناس أنها خفّت تظهر مجدداً وبقوة.
لقد تعودنا على بطء التحرك الإقليمي لمواجهة المخاطر حتى تساقطت دول وعواصم. وذلك ما يبرر الخوف من أن الإقليم يتعامل مع وضع عدن بنفس الإيقاع الخافت، وفق تراتبية الصراعات بصيغتها الشمولية في اليمن وخارجه. أي أن شبح الموت يظل يهدد ثغر جزيرة العرب حتى يُؤذَن للمظلومين بأن يحسموا أمرهم قُبيل الانهيار، قُبيل "خراب البصرة" كما يقول أهل العراق، أو بعد أن يصبح الوضع شبه متأخر ولا يقبل العلاج إلا بأثمان قد تفوق الأهداف.
من ناحية أخرى لم يعد العالم يتوقع أن تستطيع السلطة الشرعية تقديم شيء ممكن لمستقبل هذا البلد المثخن بالويلات وازدهار العصبيات ومافيات الحرب، بل إن بقاءها يشكل سبب رئيسا لتمدد الصدوع وتعقيد الأوضاع واستفحال البؤس الاجتماعي، خاصة وأن تنظيم الإخوان المسيطر على القرار السياسي والعسكري والاقتصادي والإداري والإعلامي لا يمكن أن يرى المدى المفتوح إلا من ثقب عقيدته السياسية وغاياته الخاصة وتحالفاته الخارجية التي تتعدى فضاءات الإقليم.. ويبرر من أجل بلوغها كل الوسائل التدميرية.
التجمع اليمني للإصلاح، بتياراته التي تتبادل الأدوار، يتصرف في خطابه وفي سلوكه كـ"سلطة شرعية" وكذلك تتصرف السلطة الشرعية في أدائها كـ"تجمع يمني للإصلاح" فأصبحت تخوض حربه الداخلية والإقليمية، وترتبط بمآلاته وتتبنى في الغالب سياساته وتوجهاته على مستوى الداخل والخارج.. مع استحالة وضع خط يفصل الشرعية عن إخوان اليمن بعد أن ساعدت الحرب على نشوء طبقة سياسية ذات مصالح معقدة شكلت علاقات قوية ومتينة بينهما.
ولهذا فقدت السلطة الشرعية رمزيتها ككيان يمثل ذاكرة الدولة المفقودة، واغتربت عن الواقع الموضوعي الذي أنتجته الحرب، ما أفقدها هيبتها ومكانتها دولياً في أن تظل سلطة أعلى من الأحزاب وفوق التنظيمات والأفراد، يُعتد بها كمرجعية جامعة.
كل تلك أسباب كافية بأن يكون هناك قرار جنوبي نهائي وحاسم لإنقاذ عدن أولا من مخاطر الارهاب والفوضى والجوع وضياع الأمل، لأن الاحداث اثبتت بأن الوقوف عند إنجاز محدد والتغني به يعني غياب الرؤية وغياب الإرادة، ويفتح الوضع أمام تداعيات مفاجئة في حجمها وتوقيتها.
تحليل / أحمد عبداللاه

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى