قصص مأساوية للنازحين في بني عمر.. نازحون تعرضوا للموت بسبب الفقر وآخرون أصيبوا بالشلل والحالات النفسية

> تقرير/ صلاح الجندي

> «اشتد مرض ابنتي وهي بين يدي، وما قدرت أسعفها، جلست أبكي فوقها، حتى ماتت بين يدي» بعينين غائرتين ليس فيها إلا الحزن بدأ والد الطفلة «عابدة» حديثه بصوت متهدج عن ابنته ذي الرابعة من العمر، والتي توفيت قبل أسبوع بمرض الإسهال الذي أصابها ولم يتمكن من إسعافها لعدم توفر المال لديه.
بين مرارة النزوح ووجع الحرب وقلة الحيلة، يعيش وثيق حسن مرشد، والد الطفلة المتوفية، مع أسرته وبقية النازحين، الذين يفتقرون لأبسط مقومات الحياة، وباتوا غير قادرين على تحمل المزيد، وما يقاسونه كفيل بإشعال ثورة جياع.
تتسع رقعة الجوع والفقر وتزداد حالات النزوح مع ازدياد الأوضاع سوءا في هذه البلاد، فيعلو صوت الحرمان المنبثق من مخيمات النازحين، والتي أصبحت تحتوي على المئات من المتشردين والفقراء ممن لا يجدون قوت يومهم.
فقد وثيق، وهو أحد النازحين، ابنته بعد أن عجز عن علاجها من الإسهال الذي أصابها لأكثر من أسبوع، وإلى جانب ضيق اليد والحالة المعيشية الصعبة يعيل وثيق أسرة مكونة من أمه وزوجته، وثلاثة أطفال جميعهم معاقون، يعانون من البرد القارس تحت خيمة قاربت على الزوال والانهيار بسبب عوامل التعرية وتمزق طرابيلها.
يذوق واثق وغيره من النازحين المرارة التي تلهب ظهورهم بسوط الحرمان وقلة الحيلة بصبر جميل لعل يوم الفرج يحل قريبا.
يقول وثيق في حديثه لـ «الأيام»: بعد نزوحنا إلى هذه المخيمات حرمنا من الأشغال، ولا نجد لقمة العيش إلا بصعوبة».
ويضيف بحسرة: «ماتت ابنتي بين بيدي، لعدم تمكني من إسعفها، ولا أملك حتى قيمة المواصلات إلى المستشفى».

وتسببت الحرب التي يقودها الانقلابيون بنزوح العديد من الأهالي والأسر من بيوتهم عنوة إلى مخيمات تفتقر لأبسط الاحتياجات، افترشوا فيها العراء وتغطوا بلحاف القهر.
قصة وثيق ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فالكثير من الأسر سلبتهم الحرب حياتهم وبيوتهم وأماتتهم ألما ومرارة، فبسبب رداءة الأوضاع في المخيمات تعرض ثلاثة من النازحين لجلطات وانتهى بهم الأمر إلى الشلل، ليضيفوا عبئاً مضاعفا على أهاليهم.
*معاناة النزوح
تتفاقم المعاناة يومًا تلو آخر في هذه المخيمات التي تفتقر لأبسط مقومات الحياة، وضعفها الشديد بمقاومة البرد القارس، الأمر الذي زاد من تعريض الكثيرين منهم إلى أمراض نفسية وجلطات وغيرها.
ويوضح جميل محمد الكدحي، منسق نازحي الكدحة ممن نزحوا إلى منطقة القطنة في بني عمر: أن «المشاكل والاشتباكات والحرب الدائرة في مناطقهم أجبرتهم على النزوح، وأن هناك من حالفه الحظ بأخذ عفش بيته، فيما لم يتكمن الكثيرون من ذلك، تاركين خلفهم كل ما يملكون من أثاث وأواني وملابس، وأصبحت عرضة للنهب والدمار»، مشيراً إلى أن «عدد الأسر النازحة بمنطقة القطنة بني عمر بمديرية الشمايتين قدمت من أماكن الصراع في منطقة الكدحة، 145 أسرة، وتسكن في مساكن كالآتي:
33 أسرة تسكن في مخيماتهم شبه مهدمة بسبب تحطم الأعمدة، وتلف الطرابيل، وهم بحاجة ماسة لتغييرها، فيما تسكن 59 أسرة في مخيمات خاصة بهم، و49 أسرة يسكنون داخل عشش صغيرة ومنازل قديمة جدا».
ويضيف: «لا يوجد لدينا شغل ولم نتمكن من القيام بأي عمل في ظل هذا الوضع لنسد به جوعنا، والمشاكل تواجهنا في كل شيء، فنحن بلا مأوى ولا إغاثة أو علاجات، بل إن في هذه المخيمات أطفالا يعانون من الإسهال والسعال وأمراض أخرى، والمؤسف أن المنظمات الإغاثية لم تشاهد هؤلاء النازحين ولم تتلمس معاناتهم أسوة ببعض مناطق النزوح، على الرغم من نزولها وإجرائها مسوحات ميدانية للأسر النازحة، وما تم توزيعه لهم، ولمرة واحدة فقط، يتمثل بنصف كيس دقيق وقليل من السكر، من قبل مؤسسة (وقف الواقفين) ومؤسسة (نحن هنا) الذين قاموا بتوفير أيضاً المخيمات في وقت سابق، وحالياً نحن بحاجة ماسة لمخيمات جديدة ولإغاثة عاجلة».

*احتياجات ضرورية
وأظهر مسح ميداني قام به مسؤول الخيام بأن 33 أسرة بحاجة ماسة لخيام جديدة، نتيجة لتمزقها، لتخفف عنهم قيلاً من موجات البرد الشديدة في المساء وأشعة الشمس وضوئها في النهار، فضلاً عن احتياجاتهم الماسة للمواد الغذائية لعاجلة.
فيما تحتجاج الأسر الأخرى إلى المواد الغذائية والرعاية الصحية التي يفتقرون لأبسطها، مع انتشار بعض الأمراض، وكان لمؤسسة (نحن هنا) للإغاثة، دور بإنشاء مخيم طبي لهم بالشراكة مع مستشفى الثورة في وقت سابق لتخفيف قيل من معاناتهم.
كما يوجد في المخيم ثلاثة مصابين بالشلل النصفي، نتيجة تعرضهم للجلطات، وعدد من مرضى الضغط من كبار السن، ومرضى نفسيون، بالإضافة إلى أربعة أطفال معاقين تتراوح أعمارهم ما بين (5 - 8) أعوام.
ويقف الفقر المدقع عائقاً أمام الكثير من الأسر للذهاب إلى المركز الصحي الذي يبعد عن المخيمات بعض الكيلو مترات، وهو ما يضاعف معاناتهم مع المرض، لاسيما أن غالبيتهم ليسوا متعلمين، وبحاجة إلى من يؤهل البعض منهم في مجال الإسعافات الأولية، ودعم المخيمات بمخيم طبي يلبي احتياجات المرضى من الأطفال والنساء وكبار السن وغيرهم.
*صراع لأجل البقاء
الأجواء النفسية والصحية المتوترة تتصاعد في نفوس المشردين حد الاختناق بعد أن تركوا مجبرين كل شيء خلفهم، ولجؤوا إلى هذه المخيمات، معلنين فيها الاستسلام لصعوبة الحياة وقساوتها.
عائشة سعد هزاع، أم لثمانية أولاد، تُعاني من الشلل النصفي، نتيجة المعاناة والأمراض التي تكابدها داخل المخيم، وزادت حالتها تدهوراً منذ شهر، فيما لم يتمكن أولادها من إسعافها أو من تقديم أي شيء لها، ليخفف من آلامها بسبب الفقر والحالة المادية الصعبة التي يعيشونها.
يقول ابنها ثابت: «نعيش هن كالمشردين منذ سنة ونصف، وتعرضت والدتي للشلل النصفي بسبب جلطة أصيبت بها بعد النزوح بنصف سنة».

وبمرارة يضيف: «زادت حالتها هذه الأيام سوءا ولم أستطع فعل أي شيء لها، والمؤسف ألا أحد يهتم بنا، وكأننا من خارج كوكب الأرض».
وقال ثابت سعيد قائد، وهو من أبناء منطقة الكدحة، في حديثه لـ«الأيام»: «تركنا بيوتنا ومزارعنا ورحلنا، وهنا لا يعلم بحالنا إلا الله في مخيمات آيلة للسقوط لتكسر أعمدتها الخشبية، إننا هنا نصارع من أجل البقاء فقط».
*نزوح على الأكتاف
النازح غالب محمد سيف مصاب بالنخاع الشوكي مكسور الفقرات نزح للمرة الثانية محمولاً على الأكتاف، نظراً لوعورة الطريق وصعوبتها.
يقول سيف لـ«الأيام»: «أصبت بالنخاع الشوكي منذ خمس سنوات بحادث مروري، وفقدت على إثره الفقرة التاسعة والعاشرة من العمود، الأمر الذي جعلني غير قادر على الحراك وأفقدني الإحساس والشعور بنصف جسمي».
حينما بدأت الاشتباكات في قريته الكدحة اضطر غالب (أربعيني العمر) إلى النزوح حملًا على الأكتاف إلى منطقة جبل حبشي، سالكاً طريقاً وعرة استمرت ساعة ونصف، حسب إفادة من حملوه، حيث استقر هناك حتى وصلت الحرب إليها، ليجبر على النزوح مرة أخرى إلى قرية القطنة بمنطقة بني عمر مديرية الشمايتين، مع غيره من النازحين.
يحتاج غالب إلى السفر للخارج للمجارحة، ويعيش حالياً على أكياس حرارية بديلًا عن القسطرة التي سببت له التهابات في المثانة، آملاً بعد الله من رجال الخير والشرعية وكل من له ضمير حي، النظر لمعاناته المتفاقمة».
نازحون شردوا وآخرون ما زالوا يتقاطرون في موجة نزوح مستمرة، غادروا مواطنهم ومنازلهم مرغمين ليلجؤوا إلى مخيمات لا تصلح لإيواء البهائم، برد قارس في الليل ورياح وغبار وشمس في النهار، وما بينمها جوع ومرض وآلام يكابدها النازحون بصبرٍ جميل.
تقرير/ صلاح الجندي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى